أصبح الحج والعمرة صناعة، لها أساليب مقننة للإدارة والتنفيذ، ولها مؤسسات وشركات تعنى بتقديم الخدمة، وتطويرها والترويج لها، وخدمة الحجيج قبل ذلك كله شرف توارثه أهل مكة المكرمة، منذ أن وجدت مكة، وبني بها البيت العتيق، وأذن إبراهيم عليه السلام بالحج. ولقد سجل التنافس المعروف بين بطون قريش، في السقاية، والرفادة، وكسوة البيت، سطورا سجلها التاريخ، فهي باقية إلى أن يشاء الله. ولا يزال الفطنون من أهل مكة يمارسون هذا الشرف، ويحرصون عليه بطريقة، أو أخرى، ولكن الأمر تبدل فخرجت المسؤولية من بيوتات مكة العريقة إلى المؤسسات والشركات الهادفة إلى الربح، ولا حرج في ذلك إذا خدم الحجيج بإخلاص وأعطوا حقهم كاملا، فالحج منافع منها الدنيوي، ومنها الأخروي، وبيت القصيد في موضوع اليوم المنافع الدنيوية التي يمكن أن تجنى من تنظيم شركات، ومؤسسات حجاج الداخل. يزيد عدد الشركات والمؤسسات المصرح لها لخدمة حجاج الداخل على 200 كيان قائم بذاته، يتراوح العدد المصرح به في الرخصة الصادرة من وزارة الحج بين 90 إلى 3500 حاجا. وباعتبار أن مشعر منى لا يتسع لكل من أراد الحج من داخل المملكة وخارجها، فقد قننت الدولة إجراءات توزيع المساحات المخصصة لإقامة الحجاج في المشاعر، وحددت استخدام عدد حجاج الداخل بسبعين في المائة من عدد التصاريح. بناء على ذلك، يقدر العدد الإجمالي المسموح به لحجاج الداخل في كل عام بحوالي 350 ألف حاج، وفي حج هذا العام خفض العدد إلى حوالي 104 آلاف. من ناحية أخرى، بدأت تكلفة الحج في ارتفاع مضطرد قبل عشر سنوات، حتى أصبح عدم الاستطاعة المالية يشمل شريحة مقدرة من المجتمع المحلي، الأمر الذي أصبح هاجسا للدولة والمواطن. الملاحظة الثالثة ذات العلاقة هي التطور الإيجابي في تقييم معايير الخدمة المقدمة لحجاج الداخل، وبالتالي ارتفاع مستوى جودة ونوعية تلك الخدمات. ومع أن هذه إيجابية ملحوظة، إلاّ أن أثرها على التكلفة كان كذلك مقدرا. خلاصة الواقع يمكن حصرها في ثلاث نقاط: (1) زيادة الطلب مع قلة العرض. (2) ارتفاع معايير الخدمات المطلوبة. (3) التنافس بين عدد كبير من مقدمي الخدمة. هذه العوامل مجتمعة تؤدي إلى دورة لا تنتهي من ارتفاع مستمر في الأسعار نابع من ارتفاع مستمر في التكلفة. ونتيجة لذلك بدأت وزارة الحج مؤخرا في طرح حوافز للشركات التي تشارك في برنامج الحج المنخفض. ولكن، لمّا أصبح الحج صناعة من أهدافها الربح؛ فإن الحوافز التي لا تشمل تعويضا للمفقود منه بسبب انخفاض الدخل تجعل الإقبال عليه محصورا في شريحة صغيرة من الشركات التي من أهدافها تقديم خدمة المجتمع على الربح، وهي قليلة. لذلك لا بد من البحث عن حلول تعالج النقاط الثلاث المذكورة آنفا. زيادة العرض لتواكب مستوى الطلب يمكن عن طريق العديد من الحلول التي درست باستفاضة من قبل معهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، ولعل من أهمها التوسع الرأسي، وليس في هذا المقال متسع للبحث فيه. أما ارتفاع معايير الخدمات والتنافس بين عدد كبير من مقدمي الخدمة، فيمكن – في تقديري – معالجتهما عن طريق تكوين كيانات تجارية كبيرة بين الشركات العاملة في القطاع، فبدلا مما يزيد على 200 شركة، يمكن أن تكون 20 شركة قابضة يندرج تحت كل واحدة منها حوالي 10 شركات تابعة، ويصبح العدد المتاح لكل تكتل ما بين 15 ألفا إلى 20 ألف حاج. من فوائد هذا الحل خفض التكاليف بدرجة ملحوظة، وتنويع معايير الخدمات مع الاحتفاظ بمستوى مقبول من الربحية؛ فيصبح من الممكن أن يقدم كل تكتل الحج المنخفض، والمتوسط، وفوق المتوسط، والمتميز. كما أن من مزايا هذا المقترح حصر المتابعة من قبل الجهات الرقابية في الدولة، في عدد صغير من الشركات مما يؤدي إلى إحكام الرقابة وتقليل التكلفة الإدارية لها.