إن من أبرز السمات الديموغرافية للمجتمع السعودي التي ترددت في خطط التنمية أنه مجتمع فتي، ريعان البنية لا يشق لفتوته غبار، فنسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة بلغت 40.4%، والذين تزيد أعمارهم على 64 سنة بلغت 3.5% فقط لا غير. وبمقارنة هذه النسب بحركة النمو البشري، أبشركم بأننا حققنا أعلى رقم بعد اليمن السعيد الذي حقق 3.3. ويعود سبب هذا الارتفاع المنقطع النظير في معدل النمو السكاني السنوي للسعوديين، والذي بلغ 2.5% مقارنة بمعدل النمو السكاني السنوي للمنطقة العربية والدول المتقدمة، والتي بلغت على الترتيب(2.1%) و(0.1 %) يعود إلى ارتفاع عامل الخصوبة، حيث بلغ معدل خصوبة المرأة السعودية 3.8 مولود، وهذا أعلى من المعدل السائد في الدول المتقدمة الذي بلغ 1.6 و3.1 للدول النامية، وثقوا أنه لم يتفوق علينا في عمليات التخصيب من الدول العربية إلا المرأة اليمينية، حيث تنجب ما معدله 4.8 من البشر، ومن الدول الإسلامية تتفوق المرأة الباكستانية بجدارة، حيث حققت معدل تخصيب قياسي بلغ 7.0 مواليد. رغم هذا الإنجاز البشري الذي حققته المرأة السعودية على المستوى العربي والإسلامي والعالمي، إلا أن المرأة السعودية تعاني من حالة اغتراب فكري وتدنٍّ حاد في مستوى الشعور بالرضى عن صحتها الثقافية نتيجة للكبت الفكري الذي ولد في الوسط النسائي عقما ثقافيا متفشيا. فالمجتمع يغذي الإحباط المستمر في طموح المرأة العقلي نتيجة للمفهوم التقليدي عن المرأة بأنها أدنى مرتبة من الرجل جسدا وعقلا، وأن دورها الواحد الوحيد الذي يباركه المجتمع هو أن تكون مطية الرجل وخادمته ومفرخة لسلالته. فالمجتمع يطلق شائعات ويجتهد في ترويجها بأن على المرأة أن تكون أقل طموحا، ويستحسن أن تكون معدومة الطموح عندما يتعلق الأمر بالمجالات ذات العلاقة بالتفكير، فليس عليها إلا أن تنشغل بالأمور العاطفية والزوجية والمنزلية، وعليه أصبح التعريف السائد للمرأة في ذهن المجتمع هو أنها أداة للنسل، منفصلة عن أدوات الإنتاج الفكري. نتيجة لهذا الضغط تستسلم النساء جيلا يعقب جيل لهذا التوجه، بل وتعتنقه ثم تصبح أكبر المروجين له، أو تكتفي بكبت طموحها إلى درجة التضحية من أجل إرضاء الأب والأخ والزوج والأبناء والأحفاد والقبر. أما الرجل، فمساهمته لا تقل تأثيرا، فبحكم حجمه الأقوى سياسيا واقتصاديا وثقافيا (كما يهيأ له)، فإنه لا يضيع فرصة يتمكن فيها من مطاردة المرأة والاستيلاء على قضيتها الثقافية ضمن ما يستولي عليه من قضايا أخرى اجتماعية وسياسية واقتصادية. أما الإعلام، فقضاياه مع المرأة قضت عليها، وسأكتفي بمشهد إعلاني تلفزيوني نرى فيه الرجل منهمكا يقرأ الجريدة اليومية، بينما تقف الزوجة في ركن المطبخ تنادي زوجها المثقف ليشاركها انبهارها بمسحوق الشوربة سريعة التحضير. أما المرأة، فمساهمتها فاخرة في تعزيز خسائرها، فلقد تراخت إلى أن فقدت مكتسباتها المكفولة دينا وشرعا وعرفا، واستسلمت للقمع أحيانا واستمرأت السكون في مربع الراحة أحيانا أخر.. وها هي تتواطأ اليوم مع المجتمع، والرجل والإعلام الذين توقف طموحهم فيها عند «أداة تخصيب»، لتحقق لنفسها مزيدا من الاستلاب والتقهقر والشاهد الغارات التي تشنها النساء على النساء في مناطق مشروعة فطريا كالعمل والقيادة.