الآن وبعد أن انتهى العنابي من خطوته الأولى في التصفيات المزدوجة لنهائيات كأس العالم ونهائيات أمم آسيا لكرة القدم سيكون مهما جدا أن نتوقف طويلا عند ما حدث في المالديف خصوصا أن هذا الذي حدث جاء مغايرا تماما لكل السيناريوهات التي بدت وكأنها قد خالفت كل ما ورد في حسابات المدرب الجديد الأورغواني كارينيو ..! وعندما نقول إنها جاءت مخالفة لحساباته فذلك لأن واقع الحال كان يشير إلى أن المدرب ظهر وكأنه عاجز تماما عن تلمس أي حلول ممكنة يمكن أن تضع حدا لهيمنة الأسلوب الذي اختاره البلغاري بوبوف مدرب المالديف.. وفي الحقيقة، ومع كل الاعتزاز بما ذهب إليه بعض زملائي، أرى أن المنتخب المالديفي لم يكن يلعب بطريقة عشوائية أبداً، لا بل كان يلعب وفق الأسلوب الذي اختاره له مدربه.. وأكثر فإن لاعبيه كانوا قد طبقوا المطلوب منهم بدرجة تفوق توقعات المدرب نفسه بحيث نجحوا في حبس أنفاس العنابي طوال الدقائق التسعين للمباراة ووصلوا من خلال ذلك إلى ما كانوا يبحثون عنه وهو التعادل الذي كان بالنسبة لهم بطعم الفوز لولا ما حدث في تلك الدقيقة المتأخرة جدا وتحديدا الدقيقة العاشرة من الوقت بدل الضائع والتي منحت العنابي هدف الفوز الوحيد.. ومع أن مباريات من هذا النوع تُحسب بنتيجتها فقط، بغض النظر عن حجم تلك النتيجة أو كيف تحققت، إلا أن علينا أن لا نسمح لهدف الإنقاذ "الخيالي" هذا في أن يحجب عنا رؤية كل ما تمخض من هذا اللقاء من حقائق مهمة خصوصا أننا نتحدث عن خطوة أولى على طريق طويل في هذه التصفيات. وقد يكون من بين أبرز الحقائق تلك هو ما يتعلق بالمشكلة الأزلية التي يعاني منها العنابي وهي هذا التباين الغريب بين ما يقدمه في مبارياته الودية التجريبية وبين ما يقدمه في المباريات التنافسية.. فمثلما حدث في مرات سابقة على يد أكثر من مدرب سابق عاد الحال ليتكرر من جديد مع كارينيو أيضا بحيث وجدنا العنابي وهو يقدم صورتين مختلفتين كل الاختلاف بين ما كان عليه في تجربتيه الأخيرتين اللتين أنهاهما بالتعادل مع منتخب أيرلندا الشمالية (التصنيف 44) والخسارة بهدف وحيد أمام منتخب أسكتلندا (التصنيف 28) وبين ما قدمه أمام المالديف (التصنيف 178) بحيث عانى أمام هذا الأخير بطريقة لم يعان منها أمام أيرلندا وأسكتلندا رغم أن المنتخب المالديفي هذا لا يمتلك ولو جزء يسير جدا من المقومات التي يمتلكها الأسكتلنديون أو الأيرلنديون..! ولأن كل من يفهم ولو قليلا في كرة القدم يدرك جيدا بأن الكفة العنابية أرجح بالمطلق من كفة المالديف على مستوى اللاعبين فإن الفيصل في المواجهة بينهما يبقى محصورا بالجهازين الفنيين لكلا المنتخبين.. وفي تقديري أن المدرب المالديفي، وبرغم خسارته في النتيجة، إلا أنه كان هو من كسب الرهان في هذا الامتحان حيث وضع كارينيو في أحرج وأصعب موقف من خلال ما رسم له على الورق وطبقه على أرض الملعب.. فلأنه يدرك جيدا حجم الفارق في الإمكانات كان قد لجأ إلى الحل الأمثل بالنسبة له وهو الاعتماد على التنظيم الدفاعي المحكم مع المراهنة على بعض الهجمات المرتدة.. وهنا نقول إنه نجح في الشق الأول بدرجة امتياز بحيث حافظ على نظافة شباك مرماه طوال الوقت الأصلي للمباراة لكنه لم يوفق في الشق الثاني لسبب بسيط وهو افتقاده لوجود لاعب يتمتع بالسرعة التي تتطلبها الهجمات المرتدة.. أما عندما نحكم هنا على مدرب المالديف بالنجاح في مسعاه طوال الوقت الأصلي للمباراة فذلك لسببين، الأول هو ما يرتبط بما خطط له على صعيد واجبات لاعبيه والآخر يعود إلى إخفاق مدرب العنابي في توظيف إمكانات وقدرات لاعبيه بالشكل الأمثل مثلما هو إخفاقه أيضا في إيجاد الحلول المناسبة لمواجهة الأسلوب الذي لعب به خصمه.. لا نريد الخوض هنا في الحديث عن مثل هذه الحلول لأن من غير المعقول أن يكون مدرب مثل كارينيو غير ملم بها، لكننا لابد أن نرسم أكثر من علامة استفهام عن سبب غياب تلك الحلول وبالطريقة التي جعلت العنابي يعاني بمثل تلك الطريقة في مساعيه الهجومية التي كانت تتساقط تباعا بنفس السيناريو وكأننا أمام مشاهد تعيد نفسها بطريقة مملة جدا وتبعث على التوتر أيضا.. والمشكلة هنا أن التوتر هذا لم يكن ليصيبنا نحن المتابعين للمباراة فقط وإنما هو كان يضرب بقوة على أعصاب لاعبينا داخل الملعب بحيث تسبب ذلك في تصاعد الأخطاء وبطريقة أفقدتهم التركيز تماما ليس في الدقائق الأخيرة من المباراة وإنما حتى قبل نهاية الشوط الأول منها أيضا لأن ما كان يحدث على أرض الملعب جاء مناقضا تماما لتوقعات اللاعبين أنفسهم حيث توهموا مسبقا بأنهم سيكونون في نزهة أمام منتخب لا يقوى على مواجهتهم وفقا لكل المقاييس.. ! وهنا يبرز تساؤل في غاية الأهمية.. أين التحضير النفسي للاعبين.. وكيف نسمح لهذا "التعالي" على الفريق الخصم أن ينال منهم بمثل هذه الطريقة التي صعبت مهمتهم بقدر ما سهلت مهمة خصمهم..؟! أما الحديث عن أرضية الملعب "غير الصالحة" فهو حديث غير مبرر على الإطلاق.. لأن كلا المنتخبين كانا يلعبان على الملعب نفسه.. وما كان يعاني منه لاعبونا عانى منه لاعبو الفريق الآخر أيضا.. والقول نفسه ينسحب أيضا نحو أجواء المباراة وارتفاع درجة الرطوبة.. والأمر هذا تحديدا يدفعنا إلى التساؤل عن معنى إقامة معسكر للعنابي في أجواء أوروبية رغم أن الكل يعرف بأن المباراة ستقام في أجواء مختلفة كل الاختلاف.. كما أجد مناسبا هنا الإشارة إلى أن أرضية الملعب لم تكن مفاجئة لنا لأننا سمعنا عن سوء أرضية هذا الملعب قبل وقت طويل من موعد المباراة.. ومن هنا نعود لنذكر بأهمية أن يكون التحضير في أجواء وظروف مشابهة أو قريبة من أجواء وظروف المباراة نفسها.. ويحضرني هنا ما كنت قد شاهدته في مجمع رياضي بمدينة "فونتين بلو" القريبة من باريس في فرنسا حيث يضم هذا المجمع عشرة ملاعب تدريبية لا يشبه أحدهما الآخر على مستوى الأرضية، وبضمنها ملعب ترابي غير مزروع، وكل ذلك من أجل أن يتدرب الفرنسيون، أو من يعسكر هناك، على الملعب الذي يشابه الملعب الذي سيلعبون عليه في البلد المضيف.. لست هنا بصدد الحديث عن بعض التفاصيل التي تتعلق بتوظيف اللاعبين.. ولا عن ما قدموه من مستوى في هذه المباراة خصوصا أن زملائي تناولوا هذا الأمر بالكثير من العمق، لكنني وددت الإشارة إلى أننا خرجنا من هذه المباراة بفوز لم يتحقق إلا بدعاء الطيبين، وهو الدعاء الذي أنقذنا من ورطة التعثر في مباراة كنا نعتقد أنها مضمونة وبعدد وافر من الأهداف.. غير أن الحكمة هنا تقول "ليس في كل مرة تسلم الجرة"، بمعنى أن علينا أن نتعامل مع ما حدث في المالديف على أنه تعثر حتى وإن كنا قد عدنا من هناك بالنقاط الثلاث.. علينا أن لا نسمح للفوز، الذي جاءنا مثل هدية من السماء، في أن يصيبنا بالخدر، بل لابد وأن ننظر إليه على أنه جرس إنذار لاسيما وأن الظروف ذاتها قد تتكرر في مبارياتنا اللاحقة ولا سيما مع بوتان (التصنيف 159) وهونغ كونغ (التصنيف 164).. علينا أن نولي الإعداد النفسي ذات القدر والأهمية التي نوليها للجانبين الفني والبدني مثلما علينا أن نُحسن اختيار مكان وزمان معسكرات الإعداد وفقا لما تتطلبه كل مرحلة من مراحل المنافسة في رحلتنا الطويلة مع هذه التصفيات آخذين بعين الاعتبار أن التعثرات هنا يمكن أن يكون ثمنها باهظا وفقا للوائح التصفيات التي تؤهل أبطال المجموعات مباشرة إلى دور المجموعتين في المنافسات القارية الباحثة عن فرصة التأهل للمونديال العالمي.