لفترة طويلة كان المعارضون لمفاوضات إدارة أوباما مع إيران يصرون على أن نظام طهران كان وما يزال وسوف يغش. وبعد التقارير الأخيرة التي أفادت بأن إيران كانت تزيد، بدلا من أن تخفض، مخزونها من اليورانيوم المخصب، حتى المؤيدون للمفاوضات يعترفون الآن بأن إيران ستغش إذا ما استطاعت. إنني لست من المعجبين بالإطار الذي أعلنته الإدارة، بيد أنني أعتقد أن بعض التوضيح مطلوب. على وجه الخصوص، وكما أشير لطلابي كثيراً حول عقود وأخلاقيات الحرب، فالاعتقاد الراسخ بأن عدوك على الأرجح ماكر وغشاش، هذا لا يعني بحد ذاته أنك لا يجب أن تبرم اتفاقاً. وكما أشار «توماس شيلينج» و«مورتون هالبرن» في مؤلفهما الكلاسيكي «الاستراتيجية ومراقبة الأسلحة»: «لا يمكن افتراض أن اتفاقاً يترك بعض الإمكانية للغش هو بالضرورة غير مقبول أو أن الغش سيؤدي بالضرورة لمكاسب مهمة من الناحية الاستراتيجية». وبعبارة أخرى، فالأمر ليس ما إذا كان خصمك سيغش، بل بالأحرى: هل تكلفة الغش الذي يقوم به عدوك تساوي مكاسبك من الاتفاق. ولفهم النقطة، دعونا نختبر اقتراحين من الأدب، الأول يتفق مع الحس العام والثاني ليس كذلك ولكن ربما يكون صحيحاً. الاقتراح الأول: إن الدول ستغش إذا استطاعت. دعونا نرى الأسباب. عندما تدخل الدولة «أ» في اتفاق للحد من التسلح لمنع السلوك «س»، فإنها تعد بعدم فعل ما كانت ستفعله. وبطريقة أخرى، في غياب أي اتفاقية، فإن الدولة «أ» ستظل تفعل ما تحظره المعاهدة. وهذا بدوره يشير إلى أن «أ» قد حسبت أن التصرف «س» في صالحها. والتأثير الوحيد للاتفاقية، إذن، هو أن تجعل القيام بالتصرف «س» أكثر صعوبة (أكثر تكلفة، مثلا) مما كان عليه من قبل. ويظل من مصلحة «أ» أن تفعل «س» طالما أن فرص كشفها قليلة. وبتعبير أدق، فإن الدولة «أ» ستغش طالما أن المكاسب المدركة من التصرف «س» تفوق تكلفة الإمساك بها. فماذا يعني ذلك في الممارسة العملية؟ إن إيران تدرك أن قيمة إجراء أبحاث الأسلحة النووية مرتفعة جداً. ويعتقد المنتقدون للاتفاق أن التكلفة المخفضة للإمساك بها هي تكلفة صغيرة. ويعتقد النقاد أن اتفاق الإطار يقدم الأسوأ من كل شيء: أن يكون احتمال الإمساك بالدولة صغيراً، وأن يكون حجم الجزاء صغيراً، فمن السهل إذن التنبؤ بأن إيران ستغش. وسواء أكان النقاد محقون أم لا، فهذا أمر يعتمد على الاقتراح الثاني: في بعض الأحيان، تقلل تكنولوجيا التحقق القوية من احتمال ضبط على الغشاش. ... المزيد