منذ سنوات ووطننا الغالي يشهد موجات من تداعيات أفكار الغلو والتطرف، التي تمثل أحد مخرجات الانفلات الفكري الذي رمى بثقله في ساحة المشهد الدعوي داخل بلادنا وخارجها، وهو ما قاده على مراحل متعددة العديد من رموز الغلو والتطرف والتكفير والإقصاء والتصنيف، وجرى خلال هذا المشوار محاولات لصبغه في عقول شبابنا من خلال العديد من تلك المنابر المتنوعة، بما فيها بعض القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية، إلى جانب وسائل التواصل الاجتماعي، وكذلك بعض اللقاءات التي كانت تتم في الخفاء، حيث أنَّ هدف ذلك كله اختطاف إرادة وفكر الجيل الناشئ من أبناء هذا الوطن، وبالتالي تحقيق هذه المآسي الدامية التي نشهدها على الساحة اليوم في الداخل والخارج. وخلال هذا المشهد الفوضوي وهذا الزخم المتنوع من مُعزِّزات التطرف الفكري المزعج، كان حرياً بمنظومتنا التعليمية -وعلى رأسها التعليم الجامعي- أن تتبنى مواجهة هذا الفكر المتطرف وأن تساند وتدعم الجهود الأمنية التي واكبت بعض الخروقات بالحزم والمواجهة، مُعزَّزة بحملات إعلامية توعوية، بيد أنَّ بعض جامعاتنا -للأسف الشديد- لم تعط هذا الموضوع أهمية كافية، ولا نقول هنا الغياب الكامل بقدر ما هو نوع من عدم وضوح الرؤية وعدم الممارسة العملية، والدليل أنَّ (58) جامعة في المملكة -منها (28) جامعة حكومية- لم تُقدِّم مبادرة ترقى إلى ما ينبئ باستشعار المسؤولية تجاه مواجهة هذا الفكر المتطرف والتصدي لرموزه والعمل على تعزيز المواطنة وتكريس اللحمة الوطنية، من خلال منهج يُمثل عملاً مؤسسياً دائماً ومبرمجاً، وذلك في إطار هذه المؤسسات الأكاديمية المعنية بحماية فكر المجتمع والرفع من القيم الإنسانية والوطنية بداخله، على اعتبار أنَّ مسؤوليات الجامعة الرئيسة تتمحور في التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، إلى جانب التصدي لمواجهة القضايا التي تمس فكره وأمنه. ومع ذلك فإنَّنا لم نجد سوى مبادرات وقتية متفاوتة من بعض الجامعات، إذ إنَّها لا تُمثِّل سوى تظاهرة فكرية تمَّ تحفيز بعضها من خلال شراكات ومبادرات من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني أو جامعة نايف الأمنية، فيما يطلق عليها مؤتمر أو منتدى أو ملتقى يستفيد منها نسبياً حضورها المتواضع فقط، بينما كانت التوصيات وتفعيلها بشكل كامل وفي كثير من الأوقات هي الحاضر الغائب، شأنها في ذلك شأن الكثير من المنتديات والمؤتمرات العلمية والفكرية، وغيرها. وأمام هذه الحرب المفتوحة التي تشهدها بلادنا من قِبل أعدائنا فكرياً وسياسياً وإعلامياً وعسكرياً، فإنَّ الوضع يتطلب مبادرة عاجلة لتأسيس مشروع وطني استراتيجي في جامعاتنا، يتمُّ من خلاله بناء وتكريس معطيات المواطنة وتعزيز اللحمة الوطنية والتصدي للأفكار الضالة داخل منظومة المجتمع المدني وحاضنات التعليم بكافة مراحله والمنابر الدعوية والمنزل، على أن يعمل هذا المشروع على احتواء وتبنِّي الاستراتيجيات التي تعمل على بنائها العديد من قطاعات الدولة المهتمة بهذا الأمر، ليتم إخراجها بصورة أكثر شمولية وضمانة إيصالها إلى أهدافها عن طريق توحيد الجهود، في عمل تكاملي يتولى صياغته مؤسسات التعليم الجامعي، لما لديها من إمكانات مادية ومعرفية وتخصص متنوع تُعزِّز نجاح هذه الإستراتيجية الوطنية وإيصالها إلى أهدافها المنشودة. تعليم نظامي وأشار د. خليل بن عبدالله الخليل - أكاديمي، وكاتب - إلى أنَّ التعليم النظامي الذي تعمل الحكومة على إنشائه وتخطيطه والإنفاق عليه هو المسؤول عن بناء الدولة ثقافياً وفكرياً واقتصادياً وأمنياً، مُضيفاً أنَّ الدولة هي المسؤولة عن تطوير هذا النظام التعليمي وتعزيز كفاءته ليواكب متطلبات التنمية وسد احتياجاتها، موضحاً أنَّ العلاقة بين تكوين الدولة وتطويرها وبين التعليم علاقة عضوية مباشرة، لافتاً إلى أنَّ الدولة عندما تريد تحقيق أهداف مُحددة، فإنَّ سبيلها لذلك هو التعليم. وأوضح أنَّ التعليم هو الجسر الآمن لكل ما تتجه إليه الدولة من أهداف وطموحات، مُبيِّناً أنَّه لا بديل عن التعليم في عهد الدولة الوطنية المعاصرة باتفاق المتخصصين والباحثين في بناء الدول والحضارات، مُضيفاً أنَّ الجامعات تُعلِّم وتبني الكوادر، كما أنَّها تهتم بخدمة المجتمع والبحث العلمي، إلى جانب رسم الخريطة في عقول الطلاب، فيما يسمى بالتنمية السياسية، مُشيراً إلى أنَّها تسبق ما تسنّه وتتبنّاه الدولة في تشريعاتها وأنظمتها ومواجهة الأزمات فيها بسنوات. وأرجع ذلك إلى وجود كوادر بشرية مدربة تستطيع قراءة المستقبل وتحديد المسارات واقتراح الحلول، قبل أن يأتي دور الحكومة في تبنِّي تلك الحلول بعد دراستها واختيار الملائم منها، مُضيفاً أنَّ التعليم والإعلام هما ذراع الدولة القوي في زراعة الروح الوطنية في الدولة الحديثة، موضحاً أنَّ هذه الزراعة في التعليم الجامعي ترتكز على بناء العقلية المستقلة في طلاب الجامعة وربط مستقبلهم بمستقبل وطنهم، حيث أنَّها تهيؤهم وتعلمهم أنَّ المستقبل مرهون بقوة ومكانة بلادهم لا على انتماءاتهم الصغيرة من قبيلة أو منطقة أو مذهب. محاضن تكوينية وأضاف د. الخليل أنَّ الجامعات تستطيع صناعة المحاضن التكوينية وتحويل الولاء من محيط الطالب الطبيعي المحدود إلى المحيط الاختياري الواسع تحت مظلة الدولة ولا غير، مُشيراً إلى أنَّ المواطن من أيّ منبت وأسرة وقرية ومنطقه يفتخر بوطنيته ويتطلع لعلم بلاده ويفخر بقيادة دولته ويعتز بتاريخها وثقافتها، مُبيِّناً أنَّ تحقيق ذلك يتطلب أن تكون بيئة الجامعات نظيفة ووطنية وتعليمية جاذبة، على أن تتمّ إداراتها من قبل وطنيين مخلصين قادرين. وبيَّن أنَّ بوادر القصور في الجامعات لتحقيق طموحات الدولة ودعم التنمية السياسية فيها موجودة وواضحة للمتخصصين، مُضيفاً أنَّ إدارة الجامعات تتمّ في غالب الحال بموظفين "بيروقراطيين" لا بقيادات تعليمية مخلصة ومتجردة للبناء والتجديد والتطوير - على حد رأيه - موضحاً أنَّ كثيرا من مديريّ الجامعات يقضون أوقاتهم خارج نطاق الجامعات، كما أنَّ تواصلهم مع الأقسام العلمية وعمادات الجامعات تواصل محدود. وأكَّد أنَّ هذا التواصل تغلب عليه نزعة التسلط والعلاقات الشخصية، مُضيفاً أنَّ طبيعة هذه العلاقات المُشخصنة في الجامعات خلقت روحاً متدنيةً للعطاء وهبوط مستوى الرضا داخل الجامعات من قبل أعضاء هيئة التدريس، خاصةً الكوادر المتميزة المبدعة، مُشيراً إلى أنَّ الجامعات هي المحاضن القادرة على تعزيز الروح الوطنية وصد الأفكار والمبادئ الهدامة، وذلك عندما تفتح المجال للآراء والبحوث والمحاضرات للطلاب والأساتذة. محاضن بديلة ولفت د. لخليل إلى أنَّ الجامعات السعودية لم تواكب خطوات الدولة في التنمية وتخلفت عن الركب، مُضيفاً أنَّها أغلقت قاعات المحاضرات، ما تسبب في لجوء بعض الشباب إلى محاضن بديلة، موضحاً أنَّ هذه المحاضن أو بعضها أبعد الشباب عن محيطه وحولت ولاءه إلى منظمات وكيانات بعيده وأجنبية، وقال: لنسأل بصدق هل بوابات ومكتبات وقاعات الجامعات مفتوحة أم مغلقة؟، وكم ساعة تفتح الجامعات مرافقها للطلبة والطالبات؟، وما مدى ارتباط الطلاب والطالبات بالجامعات التي يدرسون فيها؟. وأضاف متسائلاً: هل بيئة الجامعات جاذبة أم طاردة؟ وما مدى صدقية الأساتذة في الجامعات؟ وكيف ينظر إليهم الطلاب من الناحية العلمية والمهنية؟ مُشيراً إلى أنَّ الجامعات هي الأمل في النهوض بالبلاد، بشرط أن تنهض تلك الجامعات بنفسها وتعود لتطوير نظمها وكوادر تعليمها وتفتح الأبواب للآراء والبحوث والنقاشات الجادة، مُبيِّناً أنَّها بدون ذلك ستبقى مدارس ثانوية في مبانٍ متطورة. دراسات استراتيجية وقال د. صالح الصقري - الملحق الثقافي الأسبق في الصين، وأستاذ العلاقات الدولية: "إنَّنا تأخرنا كثيراً في طرح مثل هذا الموضوع الحيوي من قبل الجانب الأكاديمي والعلمي والباحثين المتخصصين في هذا المجال، أمَّا على مستوى القيادة السياسية، فلا شك أنَّهم لم يغفلوا هذا الأمر، وإن كُنَّا لا نراه؛ لأنَّه لا يمكن أن يصدر قراراً استراتيجياً من دون أن يُعتمد على دراسة إستراتيجية سرية كانت أو علنية". وأشار إلى أنَّه يجب أن نذكر أنَّه قد توجد دراسات أو بحوث أو أقسام أو مراكز تتعلق بالدراسات الإستراتيجية لها جهد يشكر في هذا المجال، إلاَّ أنَّها لا توازي الحجم الضخم لهذا الوطن ومكانته السياسية والاقتصادية والثقافية، وما يتطلع إليه العالم العربي والإسلامي والدولي من دور مركزي ومحوري في مستقبل هذه المنطقة، مُضيفاً لقد دعوت منذ وقت طويل بإنشاء هذه المراكز الإستراتيجية، حيث قدمت مشروعاً متكاملاً لإنشاء مركز دراسات استراتيجية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وأضاف أنَّ ذلك كان قبل أكثر من ثماني سنوات، وربَّما يري النور قريباً، موضحاً أنَّ المؤسسات العلمية والأكاديمية والجامعات معنية بشكل أساسي ومباشر بإنشاء هذه المراكز، كما أنَّ الوقت لا يتحمل التأخير، مُبيِّناً أنَّ القرارات التي تعتمد على ردة الفعل أو القرارات المؤقتة والسريعة وغير الموضوعية أصبحت لا تتماشى مع أسلوب الإدارات الحديثة ولا تتناسب مع مكانة بلادنا ووطننا في ظل الظروف العالمية والداخلية المحيطة بنا. مؤتمرات خارجية وأكَّد د. إبراهيم المشيقح - عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم - على أنَّنا على أرض الواقع وفي خضم تلك الأحداث المتسارعة والصراعات الدولية والأهداف المُسيّسة التي تهدف إلى النيل من أمننا وعقيدتنا ومكتسباتنا وشبابنا لا نجد دوراً لأغلب الجامعات، مُضيفاً أنَّ دور بعض جامعاتنا غائب عن تلك الأحداث وكأنَّها تعيش في كوكب آخر - على حد رأيه - موضحاً أنَّ دور بعضهم الآخر لا يرقى لمستوى الأحداث، ما أحدث فجوة بينها وبين المواطن وهمومه. وبيَّن أنَّ هذا تقصير وقصور من بعض الجامعات، مُضيفاً أنَّ على منسوبي جامعاتنا أن يتقوا الله -سبحانه وتعالى - في شبابنا، إذ إنَّهم مسؤولون أمام الله - عزَّ وجلّ - عن هذه الأمانة، داعياً إلى ألاَّ يكون الهدف الرئيس لكثير من مسؤولي الجامعات وأعضاء هيئة التدريس البحث عن المؤتمرات الخارجية والمشاركة في الندوات وورش العمل، في الوقت الذي لا نجد لبعضهم مشاركة واحدة في تعزيز المواطنة والانتماء ومحاربة التطرف. ولفت إلى أنَّ هذا - للأسف - أصبح بمنزلة ظاهرة في عدد من الجامعات، وإذا كان هناك ثمَّة مشاركات من أساتذة وغيرهم، فإنَّها تبقى مبادرات اجتهادية لكنَّها ليست من إستراتيجية الجامعة. وحول مقترح "الرياض" بضرورة إيجاد عمادة في كل جامعة تُعنى بتعزيز المواطنة والتصدي للأفكار المنحرفة، قال: "نعم، من المؤكد أنَّنا أصبحنا اليوم بحاجة إلى إيجاد عمادة خاصة في كل جامعة تعنى بتعزيز المواطنة ومحاربة التطرف وتحصين شبابنا ومتابعة الأحداث المتلاحقة أولاً بأول". أهداف وطنية وأوضحت د. ريما حيمد - أستاذ مساعد بجامعة أم القرى - أنَّ تنمية قيم المواطنة والتفوق العلمي لدى الشباب الجامعي تُفضي إلى تنمية الوعي بالأهداف الوطنية للدولة، بما يكفل حفز الإرادة الفردية في اتجاه العمل الوطني وفهم حقيقة وجود الإنسان في مجتمعه، إلى جانب تعزيز قيم الانتماء والمسؤولية والثقة لديه، وكذلك تعزيز مُقوِّمات بناء إنسان المستقبل على قاعدة الانتماء الوطني. وأشارت إلى أنَّ ذلك يعني أنَّ دور الجامعة في التربية من أجل المواطنة والتفوق العلمي يهدف إلى تزويد الطلاب بالمعارف المختلفة بما يمكنهم من المشاركة في لعب الدور على المستوى الوطني، فضلاً عن إكسابهم الرؤية العالمية الحاكمة لحركة الأحداث والمتغيرات في قضايا مجتمعاتهم أو القضايا العالمية بصورة كلية، مُضيفةً أنَّ الوضع الراهن في هذه الأيام وما يشهده من أحداث يُحتِّم كثرة الحديث عن الدور الذي يجب أن يؤخذ من كل جهة رسمية وغير رسمية لها دور في تجسيد المواطنة لدى الشباب والمجتمع بشكل عام. منظومة متكاملة وأكَّدت د. ريما على أنَّ الدور ليس مقصورا على الجامعات فقط، بل هي منظومة متكاملة وعدة حلقات متداخلة تُكمِّل بعضها البعض، لتفعيل دور الشباب الذي هو بمنزلة أحد المدخلات الرئيسة في الثقل الحضاري لأيّ أمة، مُضيفةً أنَّ تأصيل روح المواطنة يمكن أن يُعد ضمن الاعتبارات في تكوين الشباب الجامعي ويعني تأكيد حق الوطن في كل ما يتعلق برؤية الفرد وجهوده لتحقيق ذاته ومكانته، موضحةً أنَّ مسؤولية الجامعة في تنمية قيم المواطنة تُعدُّ من أهم مؤشرات كفاية الأداء الجامعي في العصر الحديث. وأضافت أنَّ تنمية وعي الشباب الجامعي بالأدوار المستقبلية لمسؤوليات العمل هو تضمين لمفاهيم الجودة والدفع الحضاري، مُشيرةً إلى أنَّنا بحاجة إلى توصيف سلوكيات المواطنة وآليات التربية في تنميتها من حيث دعم وتأكيد روح المواطنة ومن حيث الأداء الجامعي وممارساته في علاقاته بتكوين المواطنة الفاعلة، من خلال مخرجات العملية التعليمية. مشكلات فكرية وقال د. عادل العُمري - أستاذ الدراسات الإسلامية المساعد بجامعة القصيم: حينما نتأمل في مشكلاتنا الوطنية والفكرية والاجتماعية نتساءل أين دور الجامعات البحثي والمجتمعي من هذه القضايا وغيرها، أين دورها في معالجة تلك الأمور التي تضر بنيان الوطن والمجتمع؟ وبكل صراحة لا أجد لجامعاتنا تأثيراً فكرياً اجتماعياً ملموساً يواكب المقدرات الكبيرة التي تُصرف عليها، حيث لا نجد في تعليمنا الجامعي اليوم ترسيخاً للاختلاف في الرأي، وأنَّه لا يخاف من الرأي الآخر سوى ضعيف الحجة". وأضاف أنَّنا لا نجد في جامعاتنا أيضاً نقداً جريئاً لما يشير الى بعد عن منهج الوسطية والاعتدال، فما زالت الفكرة في جامعاتنا تعاني التقليد، موضحاً أنَّنا لا نجد أيضاً في تعليمنا الجامعي التأكيد والتقعيد لاحترام الإنسان وتكريمه أيَّاً كان شكله وعرقه ودينه ومذهبه، علماً أنَّ الله - سبحانه وتعالى - قد قرَّر ذلك في كتابه الكريم: "ولقد كرَّمنا بني آدم". الجامعات تؤدي رسالتها في التعليم وتخريج الأجيال بشكل تقليدي قال أ.د.زايد الحارثي -الملحق الثقافي في ماليزيا-: "في ضوء المستجدات التي تحيط بالأمة الإسلامية والدول العربية في السنوات ال (20) الأخيرة، طرأت أحداث وظواهر غريبة على هذه المجتمعات، ومعظم هذه الأحداث والظواهر أثَّرت بشكل سلبي على هذه المجتمعات، حتى نال تأثيرها البنية التحتية والأساسية، بل وتأثر حاضر الأمة ومستقبلها بهذه التغيرات التي عطلت تقدم شعوب المنطقة وخططها وحاضرها، بل إنَّها شوَّشت على تاريخ الأمة وماضيها العتيد المجيد". وأشار إلى أنَّ ظاهرة الفكر المتطرف المنحرف أثَّر على سلوك الشباب الذين اعتنقوا هذه الأيديولوجيات والأفكار وشكلوا تهديداً حقيقياً لأنفسهم وأمتهم وللعالم بما ارتكبوه ويرتكبونه من أفعال أصبحت تسيء بشكلٍ واضح لرسالة الإسلام الصافية، مُضيفاً: "لو درس الإنسان ولاحظ ونظر وحلل هذه الظواهر لوجد أنَّها لم تأت من فراغ، بل جاءت من محاضن وتأثيرات غير طبيعية، حيث أصبح بعض الشباب رهينا لمثل هذه الأفكار حبيسي تأثيراتها وغير قادرين على الخروج من حدّتها وتطرّفها". وأضاف أنَّ المدارس والجامعات تؤدي رسالتها التقليدية في التعليم وتخريج الأجيال بشكل تقليدي، إذ إنَّ منح الشهادات هو أساس عملها وغاية أهدافها، حيث لم تستقرئ واجباتها وحقيقة رسالتها الوطنية والدينية نحو الشباب والأمة ودورها نحو التربية الحقيقية والواجب الحقيقي في التدريس والتعليم، كما أنَّها لم تُخطِّط في بناء مناهجها ومفردات مقرراتها بما يحقق الأهداف السامية والتعليم الوسطي للدين والسلوك، ولم نلحظ اهتماماً كافياً لإعداد المعلم المربي الذي يُحقِّق رسالة الوطن والأمة في قدوته وفي أبنائه وطلابه. وبيَّن أنَّ نتيجة هذه الفجوة بين دور المدارس والجامعات وبين الجهات غير الرسمية التي تستقطب الشباب، بل وبين الشباب أنفسهم تمثَّلت في ضياع كثير من الشباب، حيث تمَّ غسل أدمغتهم وتشكيل شخصياتهم وهُويَّاتهم من مجهولي الهوية والانتماء، كما أنَّ بعض الشباب الصغار أصبحوا فريسةً وأدوات لغايات تدميرية، موضحاً أنَّ الواقع المر الآن والنتائج المؤسفة تقتضي وقفة حقيقية من المؤسسات التعليمية وقادتها لإعادة صياغة الأهداف والرسائل والغايات، ليتم بناء استراتيجيات واضحة وإعداد خطط بعيدة وقريبة المدى لبناء الشباب المُتعلِّم المُتربِّي المُحصَّن بتضمين المناهج والوسائل والمعلم الكفء والكتاب المناسب لشخصية سوية فاعلة بناءة في المجتمع. مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني :بعض الجامعات نشيطة في التعاون معنا وبعضها دون المأمول أكَّد د.سلطان بن أحمد الثقفي -مدير عام الشراكات والعلاقات الثقافية بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني- على أنَّ هناك شراكات علمية وثقافية بين مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني والجهات الحكومية والأهلية والخيرية، مُضيفاً أنَّ المركز وقّع حتى الآن نحو (30) مذكرة تفاهم، حيث إنَّ عددا كبيرا منها تمَّ مع جامعات المملكة الحكومية والأهلية، موضحاً أنَّ لدى المركز العديد من طلبات توقيع مذكرات التفاهم. وأوضح أنَّ من هذه الطلبات ما سيتم استكمالها وتوقيعها قريباً، ومنها ما ينتظر التقييم الشامل لمدى تفاعل وتكامل هذه الجهات في تفعيل مذكرات التفاهم، وذلك من خلال الاتفاق على خطط تنفيذية تُحدِّد نوعية الفعاليات والبرامج وتواريخ إقامتها ودور كل جهة في ذلك، مشيراً إلى أنَّ مدى تفعيل هذه المذكرات يختلف من جهة إلى أخرى، إذ إنَّ منها ما هو نشط جداً ومنها ما هو متوسط النشاط ومنها ما هو ضعيف، وذلك على الرغم من قلة عدد هذه الجهات في التعاون والتكامل مع المركز. ولفت إلى أنَّ هذا القول ربَّما كان نابعاً من قناعات القائمين على المركز وطموحاتهم بأنَّ تلك الجهات تستطيع عمل الكثير من البرامج المشتركة، وفقاً لإمكاناتهم المادية والبشرية وكثرة عدد منتسبيهم من مختلف فئات المواطنين العمرية -ذكوراً وإناثاً- والاجتماعية الذين يقدمون خدماتهم لهم، مُضيفاً أنَّ المركز يدرك أنَّ نشر ثقافة الحوار وقيمه من وسطية واعتدال وتسامح والتصدي للأفكار الإرهابية المنحرفة هي مسؤولية وطنيه لجميع مكونات المجتمع، حيث إنَّها تأتي من جميع مؤسسات المجتمع الرسمية والأهلية. وبيَّن أنَّ وزارة التعليم من الجهات المتعاونة جداً مع المركز ومختلف برامجه الحوارية والتدريبية والشبابية والتطوعية، وغيرها، مُضيفاً أنَّ بعض الجامعات نشيطة في التعاون مع المركز وبعضها دون المأمول، لافتاً إلى أنَّ طموح المركز كبير في تحقيق أهدافه، التي من أبرزها: تكريس الوحدة الوطنية المبنية على العقيدة الإسلامية ونشر قيم الوسطية والاعتدال والتسامح، مؤملاً أنَّ تُقدِّم الجامعات السعودية الكثير في سبيل تحقيق هذه الأهداف. وأضاف أنَّ لحمتنا الوطنية هي القاسم المشترك لكل أفراد ومكونات ومؤسسات المجتمع السعودي، مُشيراً إلى أنَّ الجامعات السعودية تدرك أكثر من غيرها ما يُشكِّله الفكر المنحرف والغلو والتطرف والإرهاب بجميع أشكاله وصوره من خطورة على الفرد والمجتمع، داعياً المولى –عزَّ وجلَّ- أن يحفظ لنا ديننا ووطننا وقيادتنا من كل سوء ومكروه.