يشهد المسجد النبوي الشريف هذه الأيام توافد أكثر من ربع مليون مسلم ومسلمة للصلاة والعبادة في كنفه، ويستمتعون بتناول إفطارهم فيه، منتشرين بين أروقته وساحاته في مشهد لإفطار جماعي يجسد معنى التلاحم والترابط والتآخي بين المسلمين، يجمعهم دين الإسلام باختلاف لغاتهم وألوانهم على مائدة واحدة في حرم المسجد النبوي الشريف. ومع هذا التلاحم والتآخي يتفنن أهل طيبة الطيبة بالمشاركة في تزويد موائد الإفطار داخل المسجد النبوي الشريف بجميع أشكال المأكولات والمشروبات منها الحيسة والدقة والشريك واللبن البقري، في تقليد توارثوه منذ سنين طويلة وتمسك به الأبناء بعد الآباء وتعهدوه جيلا بعد جيل بتسابق الغني والفقير فيهم مسارعين مبادرين إلى تفطير الصائمين طامحين في الأجر والثواب من الله. أوضح مدير العلاقات العامة بوكالة الرئاسة لشؤون المسجد النبوي الشريف عبدالواحد بن علي الحطاب أن الوكالة تنظم الإفطار داخل المسجد النبوي وفي ساحاته بتهيئة كافة السبل للقائمين على هذه السفر بطريقة مرتبة ومنظمة بتحديد مواقع لهم، كما تستقبل الزوار على مدار الساعة بكامل الخدمات كتهيئة الأجواء المناسبة للعبادة من حيث الفرش وتوفير حافظات المياه الباردة من مياه زمزم البالغ عددها 13 ألف حافظة داخل المسجد، إضافة لتجهيز 30 خزانا للمياه و2500 حافظة للمياه الباردة خارج المسجد، وبعد انتهاء صلاة العصر يتم استقبال موائد وسفر الصائمين من خلال أبواب معلومة من جهات المسجد الأربع لدخول هذه السفر المحتوية على التمر والقهوة واللبن الزبادي والخبز، وهذا في ما يختص بداخل المسجد النبوي الشريف. وأضاف الحطاب في خارج المسجد يسمح بمد السفر الرمضانية من خلال تقسيم الساحات إلى مربعات للصائمين الرجال وأماكن خاصة للنساء وممرات واسعة لعبور المشاة والعربات الخاصة بالخدمة، تحتوي هذه السفر على الأطعمة الساخنة المراقبة من أمانة المنطقة مثل الأرز واللحوم بأنواعها، بالإضافة إلى الفواكه، العصيرات المعلبة، التمر، لبن الزبادي، القهوة وحافظات مياه زمزم التي توفرها الوكالة. وقال محمد بن إبراهيم بغدادي أحد مسؤولي موائد الإفطار داخل المسجد النبوي «نحن نستعد لهذا العمل قبل شهرين، وقد ورثته عن والدي وأجدادي، وسأورثه لأولادي»، مضيفا أن المائدة تحتوي على «الحيسة» التي تعدها النساء في المنازل، وهي تمر مطحون يحمص مع الدقيق والسمن واللوز المحمص، إضافة إلى «الدقة المدينية» التي تجهز في شهر رجب عبر تنظيفها وتقشيرها وحمصها وطحنها وهي من اختصاص النساء أيضا، بالإضافة إلى الخبز المحبب من نوع «الشريك» المديني، خاصة مع «الدقة» واللبن البقري الطازج والقهوة العربية. ويقول متعهد السفر عبدالله قايد أبو هادي «تشرفت بتجهيز السفر الرمضانية منذ أكثر من 30 عاما، بواقع أربع سفر؛ واحدة داخل المسجد وثلاث خارجه، محتوية على الرطب والعجوة والسكري والروثانة والقهوة واللبن والدقة والزعتر والشريك والشاي، ونقدم هذه السفر طوال العام، وما أرجو إلا القبول من رب العالمين». من جانبه، عد أحمد البربوشي (أحد متعهدي السفر) خدمة زوار المدينة المنورة والمسجد النبوي الشريف، شرفا كبيرا يسعى إليه كل أبناء طيبة، مشيرا الى ان السفر الرمضانية موروث اجتماعي ويرجون منه الأجر والمثوبة. وأكد ناصر رشوان (أحد القائمين على الموائد الرمضانية) أن السفرة التي تخصه وعددا من أصدقائه تكمل هذا العام 25 عاما، مشيدا بمساعدة مشرفي ومسؤولي رئاسة المسجد النبوي الشريف من خلال الخدمات والتسهيلات التي تقدمها لجميع متعهدي السفر الرمضانية. من جانبه، أوضح طارق المدني صاحب مائدة رمضانية أنه اعتاد على تجهيز المائدة منذ 12 عاما، وتحتوي على الرطب والماء والعصير واللبن والشريك والدقة، مشيرا إلى أنه يهدي السبح يوميا للصائمين. وقال عبدالمحسن عبدالعزيز «تشرفنا بتفطير الصائمين منذ أكثر من عشر سنوات، ونبدأ في فرشها بعد صلاة العصر مباشرة وتضم التمر والشريك ولبن الزبادي والشاي الأحمر والقهوة وفطائر الجبن وكذلك التفاح والبرتقال والموز والعصائر المشكلة والسمبوسة والماء وأنواعا من الأرز بالدجاج أو اللحم». من جهة أخرى، يقف عدد من أهالي المدينة المنورة شيوخا ومسنين وشبابا وأطفالا على الطرق المؤدية إلى المسجد النبوي الشريف لتقديم أنواع مختلفة من التمور والمياه للصائمين قبل أذان المغرب، وعبر عدد من الصائمين عن سعادتهم بهذه التظاهرة الجميلة والإنسانية غير المستغربة من أهل المدينة المنورة المتمثلة في الموائد الكبيرة التي تقدم للصائمين بتنوع الوجبات الساخنة والباردة.