يوصف فيلم "الفك المفترس" بأنه أحد أفلام الرعب وأفضلها من حيث تحقيق الإيرادات، كما أنه شكل طريقة أسهمت في رسم كثير منا طريقة رؤيتنا لأسماك القرش، لكن هذا الكائن قد لا يستحق هذه السمعة الشريرة التي اكتسبها، وفقا لرؤية ماري كولويل في متن التقرير التالي. في صيف عام 1975 أصبح إطعام سمكة الزينة الذهبية الصغيرة أمرا محفوفا بالمخاطر. وكان هناك توتر واضح من النزول إلى مياه البحر، بعد أن أصبحت الموسيقى التصويرية للفيلم تثير الرعب في النفوس. فمنذ 40 عاما ظهر فيلم "الفك المفترس" في دور العرض السينمائي التي امتلأت بالجمهور في كل مكان، وسادت فكرة أن سمك القرش الأبيض الضخم يتسم بالعدوانية وسيصل إلى الشاطئ القريب. ويقول أوليفر كريمين، المتخصص في الأسماك في متحف التاريخ الطبيعي في لندن لأكثر من 40 عاما بحسب "بي بي سي"، "فيلم "الفك المفترس" كان نقطة تحول في تاريخ القرش الأبيض الضخم". وأوضح أنه لمس تغييرا كبيرا في التصور العلمي ولدى الجمهور العادي لأسماك القرش عندما صدر كتاب "الفك المفترس" لبيتر بينشلي ثم تحول بعد ذلك إلى فيلم. وتسبب الفيلم في أزمة كبيرة تمثلت في تصوير أسماك القرش في صورة كائنات انتقامية، وتمحورت القصة حول قرش واحد يبدو أنه اتخذ موقفا عدائيا ضد أشخاص وتوجه نحوهم بدافع القتل. واعتمد الفيلم على قصة حقيقية وقعت عام 1916، عندما هاجم قرش أبيض ضخم سباحين على طول ساحل نيوجيرسي. ويروي جورج بيرجيس، مخرج برنامج فلوريدا لأبحاث القرش في جانسفيل، أن آلاف الصيادين خرجوا لصيد أسماك القرش كغنيمة بعد مشاهدة فيلم "الفك المفترس". وقال "كان صيدا جيدا، فلا تحتاج إلى قارب كبير أو معدات صيد حديثة، ولم تكن هناك رحمة، فالجميع كان يرى أنها تقتل البشر". وكان بيتر بينشلي، مؤلف الكتاب، منزعجا جدا من ذلك الأمر. وقال بعد أعوام من عرض الفيلم "لو كنت أعلم ما سيجري لما ألفت الكتاب أبدا على الإطلاق، فالقرش لا يستهدف البشر، وهو بالتأكيد لا يحمل أي ضغينة". وقضى المؤلف غالبية حياته بعد ذلك ينظم حملات لحماية أسماك القرش. ويشير بيرجيس إلى أن عدد أسماك القرش الكبيرة تراجع بنسبة 50 في المائة على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، خلال الأعوام التي تلت عرض فيلم "الفك المفترس". وكشف البحث الذي أجرته عالمة الأحياء جوليا بوم، أن المنطقة الواقعة شمال غربي المحيط الأطلنطي شهدت في الفترة ما بين 1986 و2000 تراجعا في أعداد أسماك قرش "رأس المطرقة" بنسبة 89 في المائة، وبلغ التراجع 79 في المائة للقرش الأبيض الضخم، وانخفضت أعداد قرش "النمر" 65 في المائة. ولا يرجع هذا التغير إلى ممارسة رياضة الصيد، التي تعد محدودة التأثير مقارنة بعمليات قتل القرش لأسباب تجارية ولصنع حساء زعانف القرش الذي يحظى بشهرة كبيرة في آسيا. لكن منذ فترة تسعينيات القرن الماضي نشطت عمليات حماية القرش الأبيض في عديد من المناطق حول العالم بما فيها كاليفورنيا في الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب إفريقيا، ما ساعد على زيادة أعدادها نوعا ما، لكن ما زال الشوط طويلا للوصول إلى معدلات ما قبل عام 1975. وقال جون مالاركي، أستاذ السينما والتلفزيون في جامعة كينجستون، "كانت أسماك القرش في السينما قبل عام 1975 كائنات مختلفة. وبعد ظهور سلسلة أفلام "الفك المفترس"، أصبح هذا المخلوق الهائل الذي يصل طوله من 20 إلى 30 قدما ويمكن أن يلتهمك بالكامل بمثابة اكتشاف غريب للخيال العام". وقال إدوارد وليسون، العالم الشهير في علم الحيوان في جامعة هارفارد، "نحن لا نخاف من الحيوانات المفترسة، بل يشلنا الخوف منها. نحن عرضة لنسخ القصص والأساطير والحديث عنها بلا نهاية، نحن نحب وحوشنا". في الواقع تهاجم بعض الأنواع الكبيرة من أسماك القرش الإنسان، ويموت نحو عشرة أشخاص سنويا، وغالبا تقتلهم أنواع القرش البيضاء وأنواع قرش النمر. ونادرا ما تأكل الأسماك ضحاياها، بل يموتون من الصدمة. وهناك سببان شائعان وراء مهاجمة القرش للإنسان، أولا تخطئ أسماك القرش وتعتقد أن السباحين فريسة لها مثل أنواع الفقمة، ولا سيما إن سبحوا وهم يرتدون أشياء لامعة تشبه جلد السمك. ثانيا، تأخذ أسماك القرش عضة استكشافية لتحديد ما إذا كانت تمثل غذاء مناسبا لها أم لا، وعندما تكتشف أن طعمنا غير ملائم، تبصقنا بعيدا.