×
محافظة المنطقة الشرقية

العجوز البولندي يدخل أجندة الاتحاديين

صورة الخبر

يكاد يقترب من نهايته العمل في المرحلة الأولى لتوسيع قناة السويس، ويكاد يبدأ العمل في بناء عاصمة إدارية جديدة لمصر في صحراء شرق القاهرة، والحركة دائبة للانتهاء من مشروع تحديث الطريق الصحراوي وطرق أخرى والتخطيط لمشاريع هندسية أخرى. يلفت النظر في تنفيذ المشروعات أن رئيس الدولة يبذل جهداً ويخصص وقتاً لمتابعة التنفيذ، وإن كان اهتمامه الأساسي حتى الآن يتركز على عنصر الوقت، ورغبته في أن يحقق الإنجاز في أقل وقت ممكن للحصول على أكبر عائد ممكن من الدعم الشعبي والرضاء العام. تقليد جيد استنه النظام الحاكم في مصر، مستفيداً من سمعة حضارات مصر القديمة، ومن سمعة الدور الحضاري والتحديثي الذي لعبته الهندسة المصرية عموماً والمعمارية خصوصاً في بناء الدولة. هناك انتقادات مشروعة لترتيب أولويات المشروعات الجاري تنفيذها، أهمها في رأيي التقصير الواضح في إدارة حوار عام حول هذه المشروعات عندما تكون في مرحلة الأفكار والأحلام، أقول هذا وأنا مدرك تماماً الاعتراض، وهو أيضاً مشروع، من جانب السلطة المسؤولة عن الحوار باعتبار أنه يعطل التنفيذ وبخاصة إن طالت مدته وجرى تسييسه. الرد الوحيد على هذا الاعتراض هو أن عدم كفاءة الشخصيات والمؤسسات التي تكلف بإدارة هذا الحوار هو في الغالب سبب التعطيل وليس مبدأ الحوار. الحوار شرط ضروري ليخرج المشروع مزوداً بحصانة جماهيرية وبحماسة ورغبة في الاستدامة، واستعداداً لجهود تحديثية أخرى، ويستحق بالتأكيد أن تخصص له عقول مدربة تدريباً جيداً، ومزودة بإمكانات إعلامية معتبرة وليست ترويجية أو تعبوية. أقول هذا واثقاً من أن الخلط بين الإعلام والتعبئة يقف الآن كأحد أهم عناصر سقوط المؤسسة الإعلامية المصرية. تحدثنا عن مشاريع قائمة جارٍ تنفيذها، لا نعرف تماماً حجم ما دخل على كل منها من تحسينات وتطوير منذ كانت فكرة، ولا نعرف بالدقة اللازمة أسماء الأشخاص المكلفين بقيادة التنفيذ ربما باستثناء مشروع واحد وهو القناة، ولا نعرف حجم العقبات التي تقف في طريق التنفيذ وتسببت في تعطيل التنفيذ أو الوقوع في أخطاء جسام، ولا نعرف بالدقة اللازمة حجم الأموال والاعتمادات المعتمدة ونسب تجاوزها، وهو التجاوز المعتاد في مثل هذه المشروعات الكبرى، وبخاصة في ظروف تعقيدات نقدية تعانيها مصر وبلدان كثيرة. جدير بالمسؤولين السياسيين أن يوفروا قدراً لا بأس به من الشفافية. ليس صحيحاً على الإطلاق أن التعتيم على الأعمال يضمن لها النجاح، فالكتمان المبالغ فيه، يحرم المشروع من الدعم المطلوب ومن مخزون الإبداع المتوفر لدى عشرات الأفراد في الداخل والخارج، ومنهم كثيرون تقدموا الصفوف في مطلع ثورة الربيع مستعدين للتخلي عن وظائفهم وأعمالهم والتفرغ لإعادة بناء مصر. كانت إحدى العلامات المضيئة في الشخصية المصرية كشفت عنها ثورة الربيع، وهي الثورة الجاري وأدها على أيدي تحالفات قوى إقليمية وداخلية. أعرف، أو على الأقل نما إلى علمي، أن بعض المشروعات الجاري تنفيذها لم يسمح الوقت بأن يناقشها متخصصون في العلوم الإنسانية، أي العلوم الأخرى غير الهندسية والفنية. لم أسمع مثلاً خلال إقرار خطط تنفيذ عديد المشروعات الكبرى عن مشاركة جادة ومتعمقة من جانب خبراء في الفقر ومستقبله والإرهاب بأسبابه الموروثة والمستوردة، وخبراء في ظاهرة استمرار صعود نسبة عنصر الشباب في التكوين الديموغرافي للشعب المصري، وممثلون عن جمعيات تمكين المرأة ورعاية المعاقين، وقبل كل هؤلاء الخبراء والمتخصصون. لم أسمع عن نقاش جاد وبعيد عن الأغراض السياسية يدور حول مسألة انتقال الإنسان المصري من السلبية إلى الإيجابية في المشاركة السياسية على كافة المستويات. لا فائدة من الهروب من مواجهة هذه الحقيقة، فالإنسان الذي سوف يتعامل مع العاصمة الإدارية الجديدة، ومع الطرق الجديدة والسريعة ومع المبنى أو المشروع الذي سيحل محل مقر الحزب الوطني، إنسان مختلف عن الإنسان الذي عرفه واعتاد التعامل معه المهندس المكلف بتنفيذ جوانب في هذه المشروعات، إنسان لم يقابله وهو طالب في كلية الهندسة، ولم يعرفه وهو ضابط في سلاح المهندسين أو وهو مسؤول صغير في شركات المقاولات المصرية، أو وهو جالس على مكتبه في وزارة الإسكان. أخشى أننا نبني ونشيد، بكل النوايا الطيبة، من أجل إنسان لم نبذل جهداً حقيقياً ومخلصاً لنتعرف إليه ونحترم رأيه ونشجعه على المشاركة في أمن وأمان. أكتب هذه السطور، وبين يدي الدعوة لحضور أعمال المنتدى المصري الحضري الأولى الذي سوف تبدأ أعماله يوم ١٤ يونيو/حزيران الجاري، وهو المؤتمر الذي أعد لإقامته تحت عنوان أوضاع المدن في مصر برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية ووزارة الإسكان. اطلعت على جدول الأعمال المشحون ببنود عديدة، أغلب عناوينها قيد الاهتمام ومطلوبة منا كأصحاب مصلحة مباشرة في المدن المصرية. بند معين لفت انتباهي، وهو بند التعليم.. وأغلب الظن أن المقصود به الدعوة للاهتمام بمنشآت التعليم ودورها في حياة أهل المدن، إلا أنني تمنيت لو أن منظمي المؤتمر والمناقشين اهتموا عند مناقشة هذا البند بحلم كثيراً ما يراودني كما راود عديد المهتمين بمستقبل التنمية في مصر. نريد ونتمنى أن يجري فرض تعليم بعض العلوم الإنسانية، كمواد إجبارية على طلبة كليات الهندسة في كافة جامعات مصر ومعاهدها المتخصصة. أكثر من هذا نريد ونتمنى أن تخصص دورات تدريبية لكافة العاملين في مهنة الهندسة يدرسون فيها تاريخ الفكر الإنساني وخلاصات العلوم الاجتماعية، وبخاصة ما يتعلق بقضايا الفقر واللامساواة وحرية التعبير وحقوق الإنسان والتكوينات الطبقية في مصر وطبيعة المشاركة الشعبية والدور المدمر للفساد في تنمية الأمم. يدرسون أيضاً علاقات العمال بأرباب العمل، وتأثيرات الهجرة على توزيع السكان في المدن والمراكز الريفية، ويطلعون على أحدث ما توصلت إليه منظمة الصحة العالمية في شؤون الصحة العامة وانتشار الأوبئة وما يعرف بأمراض الزحام والتكدس. هذا المهندس، الذي يضع خطة إنشاء مدينة جديدة أو التوسع في مدينة قائمة أو التخلص من أحياء عشوائية، يجب أن يكون على دراية بالمشكلات الاجتماعية والإنسانية التي تمسك بخناق الإنسان المصري الذي يشيد من أجله ويتوسع أو يعيد إحياء المدن، وليس من أجل المستثمر الأجنبي والمحلي أو من أجل تحقيق نصر سياسي داخلي مؤقت. يجب أن يعاد تلقين هذا المهندس أن المواطن الفرد هو الهدف، هدف تعليمه وتدريبه وهدف مشروعه الهندسي. تصورت مثلاً أنه حين قرر رئيس الوزراء تحديث مستشفى القلب، بعد أن عشنا سنوات نسمع عنها وعن غيرها الأهوال، فإنه وهو المقاول ذو التطلعات التحديثية والمتحضرة، سوف يعين في مجموعة التخطيط لتحديث المستشفى علماء متخصصين في علم اجتماع الصحة، وعلم اجتماع المسنين، ومتخصص في علم الجماليات، هذا الأخير نتمنى ونريده عضواً دائماً في جميع المشروعات العظمى والصغرى الجاري والمزمع تنفيذها. أدعو المشاركين في منتدى المدن إلى توجيه رسالة إلى المسؤولين في حكومة مصر تحثهم على إعادة النظر في مناهج التدريس بكليات الهندسة والطب بهدف إدماج علوم إنسانية في الدراسة بأمل أن نرى في يوم قريب خريجين من المهندسين والأطباء واعين بحقوق الإنسان الذي أعدوا أنفسهم لخدمته.