صحيفة المرصد ــ متابعات: رأى الكاتب الأمريكي "جاكوب سيجل" أن الجنرال العسكري الإيراني قاسم سليماني، الذي يوصف بأنه القائد الاستراتيجي الفذ وقائد الحرب الإيرانية ضد داعش، يفقد الآن توازنه ويخسر أكثر مما يكسب. وتساءل الكاتب في مقاله صحفي نشرت في موقع "دايلي بيست" ما إن كان سليماني الذي عُرف بأنه "أحد أكثر العسكريين نفوذاً في الشرق الأوسط اليوم" والملقب بالقائد الفذّ لفيلق القدس الإيراني في طريقه إلى الهاوية بعد انحسار المكاسب العسكرية على أرض الواقع. وبعد زيارة الجنرال سليماني الأخيرة إلى دمشق لمناقشة الإستراتيجية العسكرية، نُقل عنه قوله: "العالم سيرى ما سنقوم به في الأيام القادمة بالتعاون مع القادة العسكريين السوريين". وفي يوم الأربعاء، ذكر مصدر أمني، رفض الكشف عن هويته، لوكالة فرانس برس أن "هناك حوالي 7000 مقاتل إيراني وعراقي وصلوا إلى سوريا خلال الأسابيع القليلة الماضية في مهمة للدفاع عن العاصمة دمشق، ثم استعادة السيطرة على "جسر الشغور"، لأنها الطريق إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط ومنطقة حماة". ويعتقد الكاتب أن الهدف من وراء هذه الدعاية المقصودة هو الاستفادة من مكانة سليماني البطولية بين الشيعة باعتباره الرجل الوحيد الذي يستطيع إنقاذ صراع خاسر، ولكن المحللين يشيرون إلى أن هذه الدعاية الصارخة تنافي الواقع الذي يقول بأن القائد الإيراني يفقد أرضية في الآونة الأخيرة. ويشير الكاتب إلى أنه منذ بداية الحرب في سوريا في عام 2011، عندما هاجمت قوات بشار الأسد جماعات المعارضة، كانت إيران هي الداعم الرئيس لحكومة الأسد وخط دفاعها الأخير على أرض الواقع، فأرسلت إليها مليارات الدولارات من المساعدات، فضلاً عن جنود "فيلق القدس" بغرض إرشاد أو دعم الجهود العسكرية السورية مباشرة. وقد أشرف سليماني شخصيا على إنشاء قوة الأسد للدفاع الوطني، وهي ميليشيات أُنشئت لدعم النظام ضد الثوار، واستعان سليماني بالميليشيات الموالية لإيران من العراق ولبنان ومقاتلين من مناطق بعيدة مثل أفغانستان، للحفاظ على نظام حلفائهم البعثيين. في الوقت نفسه، تصرف سليماني باعتباره القائد العام والمهندس الفعلي للحرب البرية العراقية ضد داعش، حيث دمج "مستشارين" إيرانيين في هياكل قوات الأمن العراقية وقوات الحشد الشيعي. كما تولى مهمة التنسيق لشن هجمات ضد داعش من مركز قيادة يُشاع أيضاً أنه داخل المنطقة الخضراء في بغداد، وهذا بمساعدة القوة الجوية للتحالف الذي تقوده أمريكا. وقد علت كفّة سليماني لفترة من الوقت، حيث تمكن من استعاد السيطرة على بلدات وقرى مثل قرية "أمرلي" وجرف الصخر من مقاتلي تنظيم الدولة، ولكن مع فقدان الأسد للأرض لصالح تنظيم الدولة في الآونة الأخيرة، وفي ظل تزايد خسائر الجيش العراقي، بدأت تتلاشى أسطورة سليماني التي تقوم على مكافحة الثورة السنية. وينقل الكاتب تعليق "توني بدران"، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات بواشنطن، على الدعاية الإيرانية الأخيرة وتلميعها لصورة سليماني، بالقول إن إيران تبعث برسالة مفادها أنها ستقف وراء الأسد حتى النفس الأخير. ولكن هذه الرسالة نفسها تؤكد "مشكلة أن الأسد ليس لديه العدد الكافي من الرجال القادرين على الدفاع عن العاصمة". "وترمي مثل هذه التصريحات من سليماني إلى طمأنة الحكومة السورية وقواتها أن إيران لن تتخلى عن الأسد"، كما قال المحلل السياسي الإيراني الأمريكي ماجد رافيزاده. ورسائل الطمأنة هذه ضرورية، كما أضاف، وذلك لأن الخسائر المتزايدة للنظام تشكل خطرا كبيرا على المصالح الإيرانية، وليس أقلها تأمين المرور الآمن للأسلحة وضمان ممر إستراتيجي من بلاد فارس إلى بلاد الشام. وأوضح: "لقد خسرت الحكومة السورية في الأسابيع القليلة الماضية، وتخشى إيران من أن تتمكن جماعات الثوار من شن هجمات على اللاذقية من الحدود التركية وإدلب"، إذ إن "اللاذقية ميناء إستراتيجي بالغ الأهمية بالنسبة لإيران". وبالنظر لخسائر نظام الأسد وتقدم الثوار ومقاتلي داعش، فإن هناك حدودا لما يمكن لإيران تأمينه وضمانه، حتى بالنسبة لحليف رئيس مثل سوريا: "ما وراء حملة الرسائل، أن الهدف الفعلي هو أقل محدودية بكثير مما يوحي به الخطاب"، وفقا لرأي الباحث "بدران". وأضاف: "خلاصة القول أن هؤلاء هم هناك ليس لمساعدة النظام على تعويض خسائره بقدر ما هو مساعدة النظام على الانكماش والتقشف والتوحد في غرب سوريا، ممتدا من دمشق على طول الطريق إلى الجبال الساحلية". في عام 2013، عرض "ديكستر فيلكنز" لمحة عن سليماني في مجلة نيويوركر، وصوره على أنه إستراتيجي الاستراتيجي لامع وماكر. في ذلك الوقت، قال الضابط السابق في المخابرات المركزية، جون ماغواير فيلكنز: سليماني هو أحد أكثر الناشطين قوة في منطقة الشرق الأوسط اليوم، ولا أحد سمع عنه"، وكان ذلك حينها، كما علق الكاتب. منذ استيلاء تنظيم الدولة على الموصل في شهر يونيو عام 2014، انتشرت صور سليماني في ساحات القتال في جميع أنحاء المنطقة على وسائل الإعلام الاجتماعي. بل راجت شائعات بأنه يُعد نفسه لدور سياسي محتمل مع انتهاء هذه الحروب متعددة الجبهات. فقد كان سليماني رمزا للسلطة والنفوذ الإيراني معا، ولكنه الآن ارتبط بانتكاسات إيران بقدر ما كان ملازما لتقدمها في وقت سابق. قبل سقوط الرمادي، خرجت حملة عراقية يقودها سليماني ضد داعش لاستعادة السيطرة على مدينة تكريت، مسقط رأس صدام حسين. ووصفت وسائل الإعلام العراقية والإيرانية تلك المعركة، التي خطط لها القادة الإيرانيون وقيادات الميليشيات الموالية لطهران، بأنها ناجحة ولكنها في الواقع كانت أشبه بالكارثة. ومع ما يُقدر بنحو 30 ألف جندي من القوات العراقية، أغلبهم من الميليشيات التي يشرف عليها فيلق القدس الذي يرأسه سليماني، تعثرت معركة استعادة تكريت أمام قوة داعشية صغيرة قوامها 400-750 جندي من الجهاديين الذين صمدوا على الأرض لما يقرب من ثلاثة أسابيع. ولكسر الجمود، استدعت بغداد للمعركة الدعم الجوي الأمريكي الذي وصل بشرط انسحاب الميليشيات وترك قوى الأمن الداخلي والشرطة العراقية تتقدم عند التوجه لضرب داعش. لكن الميليشيات لم تتزحزح من مكانها، ومع ذلك جاء الدعم الجوي. استُعيدت تكريت، ولكن ذهب المجد كله للميليشيات وليس للسلاح الجوي الأمريكي. فقد عادت الطائرات الأمريكية إلى قواعدها، وبقيت الميليشيات ومعها سليماني على الأرض يرفعون الأعلام واللافتات لجني مكسب سياسي. لقد تعثرت الخطة الإيرانية في ساحة المعركة في تكريت، لكن سليماني استغل الموقف لرفع معنويات وكلائه، وهما فيلق بدر وعصائب أهل الحق، وهما من الميلشيات الرئيسة، ويقال الآن إنهما يشكلان رأس حربة في الهجوم البطيء لاستعادة مدينة الرمادي من تنظيم الدولة. ومع ذلك، ففي سوريا لم تكن هناك أي مكاسب سياسية واضحة للتعويض عن الخسائر التكتيكية لسليماني. ورغم التمدد السياسي الإيراني في العراق تحت نفوذ سليماني، فإن مخططه الأخير لشن حملة محاربة الثورة في سوريا تعكس الرغبة في إيقاف أي خسائر جديدة لنظام الأسد إن لم يكن التفكك الصريح.