لن نحار كثيراً في توصيف سنة أولى حكم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إنها بحق سنة الاعتراف، اعتراف العالم بشرعية الرئيس والنظام الجديد في مصر. لقد ولد هذا النظام من رحم المعاناة ووسط ظروف بالغة القسوة والتعقيد على كل المستويات الداخلية والخارجية والإقليمية. عوامل كثيرة ساعدت السيسي على تجاوز هذه الصعاب والعبور بالدولة المصرية إلى بر الأمان، نقول إن على رأسها الاعتراف بمشروع 30 يونيو وشرعيته خاصة على الصعيدين الإقليمي والدولي، ولم يكن ذلك ممكناً إلا في ضوء حقيقتين مؤكدتين. الأولى، خروج الشعب المصري بالملايين في ذلك اليوم دعماً للسيسي، ورغبة لخلع الإخوان من الحكم بعد سنة من التردي السياسي والاقتصادي والثقافي وكذلك الأمني، ما قدم مستنداً قوياً أمام العالم أجمع بوجود قاعدة جماهيرية ضخمة لهذا المشروع وأيضاً لصاحبه. أما الثانية، فتتمثل في شخصية الرئيس السيسي ذاته وقدرته الكبيرة على الاحتمال وصبره الهائل في مواجهة صعاب تنوء بالفعل بحملها الجبال. لقد أطلق السيسي مشروعه، بينما مصر على وشك الغرق في رمال ناعمة تفقدها توازنها لعقود عديدة مقبلة، ولكن إيمان هذا الرجل ببلاده وشعبه وبرؤيته الاستراتيجية الشاملة مكنته من التحرك الفعال في كل الاتجاهات. نجح السيسي في عامه الأول من توليه الرئاسة في الفوز بحب وثقة وتأييد الشعب المصري، بعدما أظهر من روح قومية تعلي فقط من شأن الوطنية المصرية، بعيداً عن انتماءات أو أهواء طائفية أو فئوية أو عرقية، وأيضا بعيداً عن الارتباط بأي تنظيمات دولية عابرة للقوميات كالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فكان ذلك عاملاً مشجعاً للغالبية العظمى للوقوف إلى جوار الرجل في أصعب الظروف وأشدها قسوة، أمنياً وأقتصادياً واجتماعياً، من أجل العبورإلى ما هو أفضل. وبالفعل، مصر اليوم تختلف بشدة عن مصر العام الماضي، وتختلف كلياً عن مصر ما قبل السيسي. اليوم نستطيع أن نتحدث عن دولة متكاملة الأركان والمؤسسات، برؤية واضحة للمستقبل وحرص شديد على الإصلاح الشامل، دولة تنعم بدرجة عالية جداً من الاستقرار الأمني برغم التحديات القائمة في شكل معارك شرسة مع الإرهاب والإرهابيين، خاصة على أرض شبه جزيرة سيناء. ولاشك في أن العائد من تلك المواجهات كان نجاحاً باهراً وضربات قوية للجماعات الإرهابية ليثبت بذلك أن دماء الشهداء من أبناء الشرطة والجيش لم تذهب هدراً، وإنما أثمرت وروداً وزهوراً من الاستقرار والقفزات التنموية نحو المستقبل. هذا الاستقرار، مع الاعتراف القوي بمصر الجديدة، نظنه الإنجاز الأكبر والأضخم للسنة الأولى، نختلف مع الذين يقولون أو يحاولون أن يختزلوا إنجازات تلك السنة في مشاهد مادية، مثل حفر قناة السويس الجديدة وإطلاق مشروع استصلاح المليون فدان للزراعة وبناء 3400 كيلومتر طولي من الطرق الحديثة والجديدة وتبني مشروع المليون وحدة سكنية وكذلك العاصمة الإدارية لمصر. نجزم ونبصم بالعشرة أنها مشروعات عملاقة على طريق التنمية، ولم تشهدها مصر ربما عبر عشرات السنين، وتعكس كذلك الرؤية التنموية الاستراتيجية للسيسي. ولكن أغلب الظن أن الإنجازات الأكثر أهمية من كل تلك المشروعات هي استعادة الدولة المصرية ذاتها، استعادة الدولة لهيبتها، استعادة الدولة لروحها، استعادة الدولة لقدرتها على الحركة والعمل، استعادة الدولة لاستقرارها الأمني الذي يمكن البناء عليه. وإذا كان من الممكن الحديث عن المشروعات التنموية السابق ذكرها بأرقام تقدر بعشرات المليارات من الدولارات، إلا أن حالة الاستقرار الأمني والمجتمعي يصعب قياسها بأية مبالغ مالية، لأنها لا تقدر بثمن، والعائد من ورائها كذلك يفتح الآفاق أمام وضعية التنمية المستدامة، وهي كذلك لا تقدر بثمن. وإذا ما كان الحديث عن الإنجاز الثاني الذي يصعب تقديره بأية أرقام مالية، فنظن أنه أدخل مصر في ظل الرئيس السيسي في بؤرة الاهتمام العالمي، وهو كما سبق الذكر في مبتدأ الحديث الاعتراف بشرعية السيسي ونظامه الجديد، ولم يكن ذلك ممكناً إلا بكثير من الجهد والعمل والاتصالات الشاقة، وبالتحركات الواعية والواثقة للسيسي نفسه وزيارته التي تجاوزت بالفعل وصف النجاح إلى روسيا وشرق آسيا والأمم المتحدة والدول الأوروبية المختلفة، التي استقبلته مؤخراً بحفاوة غير معتادة لأي زعيم دولة، خاصة في ألمانيا والمجر ومن قبل فرنسا وايطاليا واليونان. وكذلك جولاته الإفريقية التي ذللت الصعاب، وأعادت مصر للساحة الإفريقية بقوة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى المؤتمر الاقتصادي الدولي في شرم الشيخ في مارس الماضي ومنح مصر صكاً دولياً شرعياً بمكانتها على الخريطة العالمية سياسياً واقتصادياً ومالياً، وما كان ذلك ممكنا لولا حالة الاعتراف المتزايدة الذي حظيت به مصر في ظل السنة الأولى من حكم السيسي. وحتى تكتمل الصورة، فإن حالة الاعتراف تلك أصبحت ممكنة وأكثر يسراً بفضل الموقف الإقليمي العربي والخليجي على وجه الخصوص من مشروع 30 يونيو، واختيار الشعب المصري للسيسي رئيساً. فقد احتضنت الدول الخليجية وخاصة السعودية والإمارات والكويت والبحرين ومعها الأردن الرئيس السيسي، وقدمت له كل دعم ممكن ساعد مصر كثيراً على كسر الحصار الدولي حولها. والإشارة واجبة هنا على وجه الخصوص لبيان الرياض الصادر في أغسطس 2013 باسم خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز، محذراً من مؤامرة كبرى تستهدف مصر وشعبها، معلناً دعم المملكة التام للدولة المصرية. وعلى النهج ذاته سارت الإمارات والكويت، فكانت البيانات السياسية المتوالية وزيارات وزراء الخارجية الأمير سعود الفيصل وسمو الشيخ عبدالله بن زايد، والدعم المالي السخي للاقتصاد المصري، كلها عوامل ساعدت مصر على الخروج من المأزق والحصول على الاعتراف الدولي، ومساندة مصر كذلك على تحدي الصعاب، وذلك باعتراف السيسي نفسه في مناسبات عدة. إن عودة الاستقرار والأمن والفوز باعتراف العالم بشرعية السيسي هما أقوى إنجازات السنة الأولى من حكمه، وهي تمهد الطريق بقوة في السنة الثانية أمام انطلاقة حقيقية بخطوات محسوبة ومدروسة، بجهد أكبر ومعاناة أقل، وصولاً إلى دولة حديثة مكتملة المعالم والأركان وبنظام سياسي واضح ومتزن، وتلك مهمة أخرى لا تقل أهمية عن المهام الجسام الأخرى.