×
محافظة المنطقة الشرقية

«بني معن» تكرم أبناءها المتفوقين

صورة الخبر

حين نقرأ تاريخنا خلال قرن واحد فقط هو القرن الماضي،‮ ‬نجد أن هناك من استبقوا زمنهم ورأوا عن بعد كزرقاء اليمامة ما لم‮ ‬يره الآخرون،‮ ‬ومنهم من حذر مما‮ ‬يجري‮ ‬الآن،‮ ‬لكن أحداً‮ ‬لم‮ ‬يسمعهم وذهبت صيحاتهم سدى،‮ ‬هذا إذا لم‮ ‬يعاقبوا‮!‬ فهل أصبح قدرنا أن نعتذر دائماً‮ ‬بعد فوات الأوان لمن احترقوا كي‮ ‬يضيئوا الظلام‮.‬ ولو عاد القارئ العربي‮ ‬اليوم إلى ما كتبه عبدالرحمن الكواكبي‮ ‬في‮ ‬طبائع الاستبداد‮ ‬وأم القرى‮ ‬قبل أكبر من قرن أو ما حذر منه الإمام محمد عبده الذي‮ ‬قال إنه‮ ‬يخاف على الدين من بعض العمائم وليس من أعدائه،‮ ‬لو عدنا إلى ما قاله هؤلاء لكررنا الاعتذار لهم عما لحق بهم من نسيان أو إهمال،‮ ‬فهم ساهرون في‮ ‬قبورهم وربما كانوا أكثر حياة وعنفواناً‮ ‬ممن‮ ‬يسعون في‮ ‬الأرض ويظنون أنفسهم أحياء‮!‬ إنها حوارية خالدة تلك التي‮ ‬تدور بين الأحياء الموتى والموتى الأحياء‮.‬ وما عوقب عليه رواد معرفة وتنوير منذ قرن‮، ‬يتكرر الآن، حتى لو اختفلت الأطروحات وأساليب العقاب،‮ ‬فهل علينا أن ننتظر عقوداً‮ ‬كي‮ ‬نعترف لمن‮ ‬يعيشون بيننا بالفضل؟ وبالتالي‮ ‬نعطي‮ ‬لما قاله مستشرق بريطاني‮ ‬مصداقية ولو بأثر رجعي،‮ ‬فالرجل قال إنه‮ ‬يتمنى أن‮ ‬يعيش بريطانياً‮ ‬وأن‮ ‬يموت عربياً‮ ‬لأن العرب لهم شغف خاص بالموتى‮. ‬وهم الذين قالوا‮ ‬تسمع بالمعيدي‮ ‬خير من أن تراه‮ ‬أو‮ ‬مغنية الحي‮ ‬لا تُطرب‮ ‬أو‮ ‬لا كرامة لبني‮ ‬في‮ ‬وطنه‮.. ‬وهذه ثالثة الأثافي‮!‬ ولا‮ ‬تشبه هذه الظاهرة المزمنة‮ ‬غير تلك الظاهرة التي‮ ‬تتلخص في‮ ‬نقد الساسة والقادة بعد رحيلهم أو خروجهم من السلطة،‮ ‬بحيث‮ ‬يصبح هذا النقد مجرد نميمة مشحونة بالشماتة لا أكثر ولا أقل،‮ ‬ولا‮ ‬ينتفع بها المنقود لأنه أصبح خارج النص والسياق كله‮!‬ إن ما كتبه التنويريون قبل أكثر من قرن كان جديراً‮ ‬بأن‮ ‬يتحول إلى أمصال فكرية تتلقح بها أجيال عدة أجيال ضد الإصابة الوبائية بالفيروس الطائفي‮ ‬وكل جراثيم التخلف‮. ‬لكن هؤلاء لم‮ ‬يقرأهم أبناء جلدتهم وحتى ذووهم كما‮ ‬يستحقون،‮ ‬وحين نعيد اكتشافهم بعد قرن من رحيلهم فذلك موقف له وجهان،‮ ‬وجه اعتذاري‮ ‬يندرج في‮ ‬خانة الأخلاق،‮ ‬ووجه آخر‮ ‬يندرج في‮ ‬خانة العقوق والنكران،‮ ‬وهناك بيننا أناس‮ ‬يجازفون بالجهر بما‮ ‬يفكرون وينحازون إلى الحقيقة على حساب أي‮ ‬شيء آخر،‮ ‬فهل ننتظر قرناً‮ ‬آخر كي‮ ‬نعيد اكتشافهم ونعتذر لعظامهم وهي‮ ‬رميم؟