×
محافظة المنطقة الشرقية

هدم البيوت الـ«آيلة للسقوط» بالمحرق يهدد الهوية الوطنية

صورة الخبر

من منا لا تمر عليه فترة تشاؤم أو يأس، فترة تراجع وإعادة الحسابات، متسائلا: هل ما أفعله مجد؟ خاصة وهو يعمل بكل جدية من أجل الارتقاء بذاته أولا وبغيره ثانيا، ولو على مساحات ضيقة مما تسمح له الحياة أو ربما قدراته، بأن يشارك في البناء، ولكن في واقع الأمر وبعدما كان نادرا ما يقابل السلبية أصبح غالبا ما يقابلها وكثيرا ما تكون مصاحبة بهجوم قد يصل حد الإقصاء أحيانا! السؤال المحوري هنا: كيف لصرح أن يصمد إن كنا نبني وغيرنا يهدم؟! إن عملية الهدم أسرع بكثير من أي عملية بناء، سواء كان ذلك ماديا أو فكريا أو روحيا أو ثقافيا، تقابلها عملية البناء التي تحتاج الكثير من المجهود والوقت، عملية البناء منطقية متتابعة تضع المنتج النهائي كهدف رئيس، فالبناء يحتاج لتفكير وتخطيط وتنفيذ، لكن الهدم غالبا ما يكون عشوائيا وغير منطقي أو مترابط، وهنا أتحدث عن أدوات التدمير لأن من يخطط للتدمير قد فكر ودبر وأخذ كل وقته، ثم سعى بكل ثبات إلى تحقيق أهدافه الشيطانية! فأصبح لدينا ثلاث فرق، فريق يبني وفريق يهد وفريق يراقب وينتشي! نحن بالنسبة للفريق الثالث بمثابة ضريبة حرب، وجودنا ليس إضافة كما أن دمارنا ليس خسارة! فإذا كنا لا نُعتبر في قاموسهم ربحا أو خسارة، ماذا نتوقع منهم؟ أن يتوقفوا عن التحريض أو دس السموم! وبما أنهم لن يتوقفوا، هل نيأس نحن ونتوقف عن البناء؟! ما الناتج إن نحن تخاذلنا أو يئسنا؟ سوف ينهد الصرح على رؤوس الجميع بما فيه الفريق الثاني، الأدوات! لكي نُبقي على هذا الصرح يجب أن نستمر بالبناء، نرتقي على الألم على الخيبة ونبني، نسعى لنفهم لنتعرف لنقترب لنستطيع أن نتدخل إيجابيا، فلقد اتسع الشق ولم نعد نعرف الكثير عن بعضنا البعض لدرجة أننا لم نعد نهتم كيف نتواصل وكيف نبني! وحين أتحدث عن التدخل أعني هنا البناء والارتقاء، ولن تستطيع أن تساعد من يرفض المساعدة أو من يشعر بأنه ليس بحاجة أصلا للمساعدة بل يعتبرك أنت المشكلة وأنت التحدي! وهنا نصل للكلمة المفتاحية، "التواصل"، كيف لأي فرد منا أن يفهم الآخر، أن يتواصل معه، إذا كنا نجهل خلفيات وثقافة والتحديات التي تواجه هذا الآخر؟ كيف يمكننا أن نتقابل لنجد أرضية مشتركة ونحن نحمل في دواخلنا، كدليل يرشدنا، مخزونا من الصور النمطية والمعلومات غير الدقيقة، بل أحيانا كثيرة خاطئة لدرجة مخيفة؟! ما يجب فعله أولا هو تنقية ذاكرتنا من خلال المراجعة والتدقيق لكل ما تجمع في هذه الذاكرة، فلم يعد لدينا عذر نتحجج من خلاله بعدم المعرفة أو الجهل، أو ليس العالم عند أطراف أصابعنا، وكل ما علينا هو البحث والقراءة! سألتُ إحداهن يوما ما الذي يدفعها للاستمرار في العمل والبناء وهي محاطة بالموت والدمار، أجابتني: "لأنني أحب أهلي.. مجتمعي.. وطني، يا عزيزتي إنها المحبة التي أكنها للجميع في قلبي"! حقا كيف الناس ينسون أنه حتى في قلب الظلام، هنالك من يحب ويعمل لأنه يحب! فكيف نيأس نحن والحياة من حولنا ما زالت تنبض! هل يجب أن نعيش الدمار من حولنا كي نقدر ما لدينا؟! ألا يكفينا أن نراقب أبناءنا في المدارس ونسمع ضحكاتهم وهم يلعبون ويمرحون، ألا يكفينا صوت المآذن والناس تلبي في المساجد، ألا يكفينا تجمعات الأسرة والأصدقاء، ألا يكفينا زحمة الشوارع، التي نعتبرها مزعجة ونتذمر ونشتكي كلما خرجنا من المنازل قاصدين أعمالنا أو مشاورينا اليومية، ولكنها زحمة الحياة.. أرواح مثلنا بقصص تحكي أفراحنا كما تحكي أتراحنا، وحين تحاصرك أصوات الحياة كيف تستطيع أن تتجاهلها؟ كيف تستطيع أن تنتزعها من ذاتك وتقف متفرجا لأنك ربما يئست أو تأذيت أو تعبت من المحاولة! يقول المثل الصيني: "حين تشتد الرياح بعض الناس يبنون جدرانا ولكن آخرون يبنون طواحين هواء"، المغزى هنا لنتعلم كيف نحول مسار التحدي إلى صالحنا، من يريد دمارنا يعتمد على بناء هذه الجدران ليُفرق ويسُد، وستستمر هذه الجدران في الظهور والتكاثر إن نحن لم نتقدم ونتواصل، وإن فكر كلّ بمصلحته الشخصية ونسي أنه فرد من نسيج متنوع جماله كما قوته في هذا التنوع، إذن لنصمد ونستمر في البناء ولنبحث ونجتهد في البحث إلى أن نلتقي ونتحد وبدلا من الجدران لنكون سدا منيعا في وجه التحديات خاصة تلك التي تعمل على الهدم، ولكنه في الوقت نفسه خزان فكر وعلم وثقافة ومحبة وعطاء، تغرف منه الأجيال القادمة وتكمل المسيرة. كيف يصمد الصرح؟ يصمد حين نفكر بمصلحة الجميع دون استثناء، ونجعلها فوق مصالحنا الشخصية.