مما لا شك فيه أن حملة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة في المملكة، أثمرت نتائج ممتازة في تقليص نسبة العمالة المخالفة لنظام الإقامة، وعلى الرغم من الصعوبات والمعوقات التي مرت بحملة التصحيح هذه، إلا أنها وإلى حد بعيد نجحت في أداء مهمة وطنية بالغة الأهمية. ولكن لا يخفى على متابع أو مهتم بهذا الشأن، أن هذه الحملة سيكون لها آثار جانبية عديدة ستنشأ جراء تناقص أعداد هذه العمالة المخالفة، والتي كانت السوق السعودية تعتمد عليها بشكل شبه أساسي، بل والأسر أيضا، نتيجة أعمال التستر التي تمارسها الشركات والمؤسسات الخاصة والأفراد الذين يؤون عمالة منزلية غير نظامية. والآثار السلبية التي ظهرت حتى الآن، والتي تتلخص في شح وندرة العمالة في بعض المواقع كالمخابز وأشياب المياه وقطاع الإنشاء والتعمير والمقاولات بشكل عام، جميعها مؤشرات توحي بتفاقم أزمة حقيقية، بدأت ملامحها تتشكل في توقف عدد من المشاريع، حتى الحكومية منها وليست الخاصة وحسب، نتيجة اعتماد تلك المشاريع على هذه العمالة المخالفة، وهي أخطاء الماضي التي تراكمت لعقود من الزمن حتى أصبح إيجاد حل لها هو المعضلة الحقيقية، والتي قد ينجم عنها أخطاء وأخطار قد تفوق في حجمها حجم المشكلة الأساسية، والمؤشر الأخطر والواضح حتى الآن هو في نشوء سوق سوداء ستبدأ في رفع أسعار العمالة النظامية الموجودة، سواء من قبل سماسرة السوق الذين يعرفون جيدا كيف يحركون أدواته ويتلاعبون به على حساب المستهلك، أو من قبل العمالة نفسها التي ستبدأ بمساومة أصحاب العمل على رفع أجورها، وهنا ستبدأ ازمة جديدة تبحث عن حلول لا تأتي في الغالب إلا بمشكلات جديدة، ومن ثم تتوالد المشكلات تباعا. ومن المؤشرات الخطيرة أيضا، نشوء عصابات الاحتيال والنصب بحجة توفير العمالة المأمونة وبطريقة غير نظامية أيضا، شريطة أن «تشخشخ جيبك» وكل ما تريده سيوفر لك، وسيبدأ مسلسل الدفع وتوفير عمال اليوم الواحد الذين يحضرون ومخطط الهروب في جيوبهم أساسا، وسيبدأ معه مسلسل الشكاوى والمطاردات والملاحقات القضائية التي تبدأ ولا تنتهي عادة. كما ستنشأ مشكلة كبيرة في المنازل، تتمثل في البحث عن عمالة منزلية تسد الفراغ الذي تركه السائقون والخادمات المخالفون الذين تم ترحيلهم، وستنشأ سوق سوداء جديدة بالتأكيد، وسترفع أسعار العمالة المنزلية التي ستخالف مجددا لأرقام كبيرة ستلتهم جزءا كبيرا من مداخيل هذه الأسر، مما سيتسبب في نشوء أزمة اقتصادية لهذه الأسر في ظل ارتفاع الأسعار وتضخم مستوى المعيشة، علاوة على نشوء أزمة اجتماعية حقيقية. صحيح أن حملة تصحيح أوضاع العمالة المخالفة في المملكة كانت ضرورية بالفعل، ولكن ما كان ضروريا أكثر هو دراسة الآثار الجانبية التي ستنجم عنها، وكل ما نتمناه أن تكون الجهات التي تبنت تنفيذ قرار الحملة، قد أخذت في حسبانها معالجة هذه الآثار والتصدي لها، وإلا فمن الصواب أن لا نعالج خطأ واحدا بخلق عدة أخطاء ستحتاج إلى حملات وحملات لتصحيحها.