تعود طارق على تلقين ابنه الصغير منذ نعومة أظفاره ما يراه راقياً من سلوك وتعامل أملاً منه في أن يشب صغيره وهو متشبع ومؤمن بتلك المبادئ مطبقاً لها في جميع أمور حياته، فكان طارق إذا وقف عند الإشارة الحمراء وبجواره ابنه قال له: إن هذه الإشارة تعني أن من يقف أمامها لا يحق له تجاوزها حتى تصبح خضراء لأن هناك سيارات في الاتجاه الآخر لها حق التحرك بعد أن فتحت لها الإشارة الخضراء، فإذا تحرك الذي يقف أمام الإشارة الحمراء فإن سيارته قد تلتحم بسيارات الآخرين السائرين في الاتجاه المعاكس أو الجانبي فيحصل موت وأضرار وتدمير للسيارات، وكان الطفل يصغي لما يقوله بإمعان، ولكن الذي يحصل في كثير من الأحيان أن الطفل يشاهد عدداً من السيارات الواقفة أمام وبجوار سيارة والده وهي تتجاوز الإشارة الحمراء، حتى أن ما يزيد على عشر سيارات تجاوزت الإشارة في لحظة واحدة وإن إحداها ارتطمت بسيارة مقابلة، وهنا برز سؤال في ذهن الطفل عن مدى انطباق ما يقوله والده على الواقع وعن أولئك الذين قطعوا الإشارة الحمراء وعما يميزهم عن غيرهم من الواقفين أمام الإشارة نفسها انتظاراً لإضاءة الإشارة الخضراء ويقول طارق إن أسئلة الصغير أحرجته فهل يقول له إن قاطعي الإشارة الحمراء الذين رآهم ما هم إلا مجموعة من المتهورين، أم يلتمس الأعذار لهم بأن لديهم مشاغل ومسؤوليات جسيمة تجعلهم مضطرين إلى قطع الإشارة الحمراء فيكون قد كذب على ابنه ونهاه عن خلق ذميم ثم أتى بمثله، أم يسكت فلا يجيبه على أسئلته فيظل الطفل حائراً بين ما يسمع وبين ما يرى. ويقول طارق إن من الصعوبة بمكان أن يربي الإنسان بنيه على المبادئ الفاضلة إذا كان المجتمع الذي يعيش فيه يحتضن الكثير ممن لا يقيمون للمبادئ الفاضلة والسلوك الحسن والتعامل الراقي أي وزن، وأنه أراد بإيراد ما لاحظه صغيره من تناقض بين أقواله عن وجوب احترام الإشارة المرورية وبين ما هو واقع ميدانياً، مجرد ضرب مثل بسيط على اتساع المسافة بين القول والعمل ولا شك أن المجال واسع لضرب العديد من الأمثال.. والله المستعان!!