تناقلت وسائل التواصل مؤخرا صورة لرجل ثري يستيقظ كل يوم لينظف المنطقة الواقعة أمام منزله. وقال الرجل عندما سئل عن ذلك بأن ذلك العمل يسعده فهو يرتاح حينما يرى ماحول منزله نظيفا. وقال بأنه حينما كان شابا كان يسكن في منطقة متواضعة تكثر فيها المهملات وكان بجانب منزله مجمع للقاذورات اعتاد الناس إلقاء مهملاتهم فيه وكان كلما مر من ذلك المكان تنكد وكان لا يستطيع فتح الشباك ولا النظر من الشرفة أو الجلوس فيها بسبب القاذورات. فقضى سنوات من عمره وهو تعس ينتظر اليوم الذي يرحل فيه من ذلك المكان. وفي يوم ما قابل صديقا له لم يره من فترة فسأله عن أحواله فقال له صديقه بأنه اشترى سيارة شحن مكشوفة لنقل البضائع ولكن لم يوفق في ذلك العمل والآن لا يجد قوت يومه. فكر صاحبنا في مخرج لورطة صديقه وخطرت له فكرة. ذهب لجيرانه يطرق أبوابهم وقال لهم بأن لديه صديقا يريد تخليصهم من المهملات التي يعيشون بجوارها مقابل مبلغ بسيط يدفعه كل بيت، وافق البعض وامتنع البعض ولكنه جمع مبلغا جيدا دفعه إلى صديقه الذي فعلا قام بتنظيف المكان. ندم البعض وقاموا بالدفع، بيما ظلت فئة عنيدة مصرة على عدم الدفع. وفي خلال أيام تنظفت البقعة من آثار المهملات وزالت الروائح وأصبح بإمكان الجميع فتح الشرفات والنوافذ. استفاد الجميع: من دفع ومن لم يدفع. ولكن لو ظل من يريد التغيير مصرا على إجبار من لا يريد التغيير فسوف يتضرر الجميع ولن يتغير الحال. ولكل شيء ثمن وبعض الأحيان التنازل مطلوب لتحقيق السعادة. ذكرني هذا بموقف ذات مرة على شاطئ البحر حينما رأينا أشخاصا يرمون مهملاتهم ويتركون المنطقة التي وجدوها نظيفة قبلا من أبشع مايكون. أذكر يومها أن إحدى قريباتي شعرت بالغضب ووجهت لإحدى السيدات منهن ملاحظة بلباقة تذكرها بأن الدولة تتكلف ملايين الريالات للحفاظ على نظافة الشوارع والأماكن العامة ويعمل عمال النظافة ساعات طويلة لتأمين بيئة نظيفة صحية لنا فيجب أن نقوم بدورنا وهو بكل بساطة رمي المهملات في أماكنها المخصصة (وهي للقهـر تبعد أمتارا قليلة عن الموقع الذي رموا فيه مهملاتهم بالأرض)، وطبعا كان الرد في منتهى قلة الاحترام بأن نسد حلوقنا ونخلينا في حالنا وننقلع!. لن أقول لكم أصدقائي عن الصدمة التي حلت بنا ونحن نهان علنا ولكنني قد فقدت الأمل للأسف في الناس، فمن ينصح اليوم أحيانا يصبح هو الغلطان وهو الذي يعرض نفسه للإهانات وأصبح الإنسان يخاف حتى من إبداء النصيحة فأصبح المخطئ أحيانا هو «ذو العين القوية» والناصح «خفيض الصوت، متردد و يريد تقريبا أن يختبئ خوفا من أي صاروخ موجه نحوه»!. والغريب أننا نحن العرب من أكثر الناس محافظة على نظافة بيوتنا فنقضي الساعات الطويلة ونحن نكنس ونزيل الغبار ونلمع الأسطح ونعقم التواليتات ونجلي الأرضيات ونليف الحيطان ونعطر الجو وبيوتنا عموما تلمع من النظافة، ولكن من يرى تصرفاتنا في الأماكن العامة يعتقد أحيانا بأننا نحيا في وسط القاذورات بلا مشكلات وهذا أبعد مايكون عن الحقيقة. فبصفتي امرأة فأنا أؤكد لكم أصدقائي بأنني لا أحضر تقريبا أي جلسة نسائية إلا ويكون أحد مواضيعها يتعلق بالنظافة والتنظيف: فتلك تشكو من الخدم وقلة نظافتهم، وأخرى تتحدث عن أفضل مستحضرات التنظيف ومساحيق الغسيل، وثالثة تقارن أنواع الغسالات باهتمام شديد، ورابعة تبحث عن حل لمشكلة النمل في بيتها، وخامسة تسألنا عن اقتراحاتنا لتلميـع الفضيات وغير ذلك. هذه المواضيع تحتل مساحة كبيرة وضخمة وهامة في حياتنا، بل وعادة توجد في كل عائلة أو «شلة» من تشتهر بشطارتها في هذا المجال وتعتبر مرجعا فهي زعيمة ومعلمة في التنظيف وأساليبه وأدواته ومستحضراته. فلِـم نهتم بتنظيف منازلنا ولا نهتم بنظافة الأماكن العامة؟ ولِـم نعطر ونعقم حماماتنا بينما لا يتورع بعضنا عن إلقاء الكلينيكس بإهمال على أرض التواليتات العامة؟ فلنتعاون جميعا على تغيير النظرة إلينا كشعوب عربية فوضوية وهي الصورة التي نشكو أن الغرب يرسمها عنا. ويجب أن نتذكر: لن يغير الله مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم..