يحاول كتاب (الهُويَّة العربيّة: صراع فكري وأزمة واقع)، لمؤلفه عهد كمال شلغين، الإحاطة بجملة المسائل والقضايا والهواجس المتعلقة بالهوية العربيّة، انطلاقاً من مفهومها النظري، وجملة الشروط التي ولّدت السؤال حولها، مروراً بمسألة الانتماء، والشعور به، وتعدد الهويات، وانتهاءً بعلاقة الهويّة بالإيديولوجيّة.. ومستقبل الهويّة في الوطن العربي، خاصة بعد اجتياح ظاهرة العولمة لبلدانه، ووقوع الإنسان العربي في حيرة الانتماء التي دفعته للانغلاق على نفسه، والعودة إلى انتمائه الخاص، سواءكان هذا الانتماء قبلياً، أو عشائرياً، أو طائفياً، أو مذهبياً، أو عرقياً. على هذا الأساس، يتساءل الكتاب: أية هويّة يمكن أن تسود؟ وأي خطاب يمكن أن يسيطر؟ وأية عقيدة يمكن لها أن تحكم العقول في عالم عربي يحكمه التمزق.. ويعاني سكانه اليوم جملة من المشكلات المعلقة منها: الوحدة القوميّة، تحرير فلسطين، التبعيّة، الحكم، الهوية الحاضرة في الوعي والسلوك في الخطابين الفلسفي والإيديولوجي، في حين تجاوزت شعوب عديدة هذه المشكلة منذ زمن طويل. ولأن حل مشكلة الهويّة (بحسب الكتاب) لن يكون حلاً نظرياً، لأن الهويّة ظاهرة موضوعيّة متحولة ومتجددة، وليس الارتداد إلى هويات ماضية إلا تعبيراً عن أزمة الهويّة نفسها. فمن هم العرب؟ وما السمات الأساسيّة التي تجمعهم؟ هل الهويّة هي اللغة؟ أم الدين؟ أم الانتماء إلى إيديولوجيا فكريّة معينة؟ هل الهويّة تنبع من ما هو جوهري، وأنها ذات ماهيّة ثابتة؟ أم هي أمر يجري بناؤه باستمرار؟! يحصر الكتاب ظهور وعي الهويّة في الفكر العربي المعاصر بثلاثة تيارات رئيسة: الأول هو الفكر الديني السياسي (الإسلام السياسي) الذي عمل على بناء دولة دينيّة ذات طابع إسلامي بكل اتجاهاتها. الثاني: هو الفكر القومي الذي حمل على عاتقه قضية الأمة-الدولة وفكرة العروبة. الثالث: هو الخطاب الإقليمي القطري، الذي يقوم على تأسيس وعي محلي يُعطي كل قطر هويّة خاصة مختلفة عن الأخرى، مستقلة عن غيرها، وتتميز بطابعها الخاص. وحول مستقبل الهويّة في الوطن العربي، يُشير الكتاب إلى أن العرب كتبوا في غضون عقدين من الزمن ما لم يُكتب في قرن عما يُسمى اليوم (بالعولمة) أو (الكوننة) أو (الأمركة). وكلها عندهم مرادفات لكلمة واحدة هي (الهيمنة) وهذا كله جعل الهويّة مرتبكة، مأزومة، في عالم يتقاذفه التغيير المتسارع، والتقدم غير الملحوظ، لفرط تعقيده والتباسه أحياناً. ولما كان الخطاب الإيديولوجي العربي في الهويّة، سواء القومي، أو الديني، أو الطائفي، أو القطري: فاعلاً في الوعي العربي، فإن حل مشكلة الهويّة لن يكون حلاً نظرياً بلا شك، لأن الهويّة ظاهرة موضوعيّة، متحوّلة، متجددة، وليس الارتداد إلى هويات ماضية سوى تعبير عن أزمة الهويّة. والهويّة (بحسب الكتاب) مجموعة من الخصائص التاريخيّة واللغويّة والنفسيّة، التي تؤدي إلى الفصل بشكل حاسم بين جماعة من الناس وأخرى، ناتجة عن عاملين رئيسين: ا لأول داخلي يتمثل في تقاليد ومواريث تراكمت عبر حقب تاريخيّة ممتدة، والثاني خارجي يعكس تفاعل الأمة مع وضع عالمي متجدد ومتغير، مفرزاً موجات ثقافيّة متعددة، ونماذج حضاريّة مختلفة، ينتج عنها ردود فعل ذاتيّة، تفرض التعامل بخصوصيّة مع تلك التقاليد، مانحةً إياها هويّة جديدة. ويرى الكتاب، أن انتصار الغرب (وخاصة الدول الكبرى) في الحروب، دفعها الى صياغة العالم على شاكلتها. فمنذ الحرب العالمية الأولى، عملت الدول المنتصرة على عولمة المنهزمين، خاصة بعد سقوط أربع إمبراطورات كبرى. وفي الحرب العالمية الثانية، بدأ ظهور جبهتين متعارضتين منتصرتين هما: الاتحاد السوفييتي، والحلفاء الغربيين بزعامة الولايات المتحدة الأميركيّة. هذا الوضع الجديد، انعكس على العالم العربي، وازداد تعقيداً بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، وظهور عالم ذي قطب واحد : الولايات المتحدة الأميركيّة. فمع هذا التشكل الجديد للعالم في هوياته وانتماءاته والتحولات الهائلة في مجرياته، سواء على صعيد الواقع أم الأفكار، وضع الإنسان العربي أمام خيار تشكل وعي جديد لانتمائه وهويته التي أصبحت اليوم محصورة فيما يُنجز وليس فيما يحافظ عليه. على هذا الأساس، يمكن اعتبار المرحلة الجديدة مرحلة تقويضيّة، هدّامة، مدمرة، خاصة بعد فشل الإيديولوجيات العربيّة في المنطقة، ما عرّض الهوية العربيّة للخطر، وزاد هذا الخطر اليوم، بالغزو الثقافي الخارجي الممنهج للإنسان العربي، ما يُحتّم على العرب السعي لإيجاد خطاب في الهويّة، وإقامة دولة أمة تمل هوية حقيقيّة منتصرة.