اللغة ظاهرة بشرية مكتسبة. تتكون من رموز صوتية وظيفتها التواصل بين أبناء الجماعة اللغوية الواحدة. واللغات البشرية في أصل نشأتها رموز صوتية وقد تتحول إلى رموز مكتوبة. وكل لغة تنمو وتكبر باستخدامها، وتنقرض أو تموت حينما يهجرها أهلها أو تحتلّ لغة أخرى مكانها. انتقال المعنى إننا نستخدم اللغة إذا أردنا أن نعبر عن مشاعرنا، أو نتحدث عن أفكارنا أو ننقل بها المعلومات والمعرفة ونستقبلها. نختار ما يناسب ما نشعر به أو ما نريد التحدث عنه من كلمات اللغة التي نجيدها ثم نعبّر بها لننقل المعنى من إدراكنا إلى إدراك السامع أو المتلقي. وهذا يحدث صوتيا في الحدث الكلامي الطبيعي حيث يرى المتلقي ملامح المتكلم وتعبيرات وجهه وحركات جسده. لكن ذلك لا يحدث في التواصل الكتابي في المحادثات الإلكترونية السريعة إذ تغيب في هذه المحادثات ملامح المتحدث وإشارات جسده وكذلك يغيب تأثير الكلام على المتلقي، وبذلك قد يحدث سوء الفهم لما يقال. والمشاعر والحركات أو إشارات الجسد المصاحبة للكلام تؤثر دون شك في معناه. ومن منطلق هذه الحاجة التواصلية اخترع الياباني كوريتا عام 1999م ما نسميه اليوم بالرموز التعبيرية أو Emoji. وقد كان الهدف من هذا الاختراع نقل المشاعر التي لا يمكن أن تظهر إلا في المحادثات المباشرة وجها لوجه. ومصطلح(Emoji) مكون من (E) وتعني صورة و (moji) وتعني رمز أو حرف. وهذه الرموز التعبيرية هي تلك الصور الرمزية أو الوجوه الضاحكة المستخدمة في كتابة الرسائل الإلكترونية. وتختلف الرموز التعبيرية عن تعبيرات الانفعال الرمزية (Emoticon) التي ابتكرها سكوت فاهلمان 1982م مثل: :) :-) _ =D =] ^_^:D وأهم ما يميز الرموز التعبيرية عن هذه الرموز أنها لا تأخذ من حيز الرسالة إلا حرفا واحدا، في الوقت ذاته تغني عن دلالة جملة أو مجموعة من الجمل. تحرر القواعد إن ما يعنينا في استخدام هذه الرموز التعبيرية من وجهة نظر لغوية هو فيما يتعلق بالاستخدام التواصلي لهذه الرموز وهل تدخل هذه الرموز ضمن نظام الترميز اللغوي؟. إذا كان يمكننا أن نعرّف اللغة كما عرّفها دي سوسير بقوله:" اللغة نظام من العلامات أو الإشارات للتعبير عن الأفكار" فإن هذه الرموز التعبيرية تدخل ضمن نطاق هذا التعريف وإن كانت متحررة من النظام الصوتي والصرفي والنحوي. ثم إنه يصدق عليها وصف المؤسسة الاجتماعية حتى وإن كانت تستخدم في دردشات التسلية أو التواصل غير الرسمي. يقول فخر الدين الرازي عن وظيفة اللغة وحاجة الإنسان إليها:" الإنسان الواحد، وحده، لا يستقل بجميع حاجاته، بل لا بد من التعاون، ولا تعاون إلا بالتعارف، ولا تعارف إلا بأسباب، كحركات، أو إشارات، أو نقوش أو ألفاظ توضع بإزاء المقاصد. وأيسرها وأفيدها وأعمها: الألفاظ" وفي مقولة الرازي نرى اشتراك هذه الرموز مع اللغة في الوظيفة التواصلية ذاتها، ويمكن أن تصنف ضمن الإشارات أو النقوش التي توضع بإزاء المقاصد. واللغات عموما تنشأ في مجتمع بشري بمعنى أن الناس يتواضعون أو يصطلحون عليها تدريجيا شيئا فشيئا حتى تصير نظاما متكاملا في التواصل بين الأفراد. ويبدو أن هذه الرموز التعبيرية غدت مكونا أساسيا من مكونات التواصل الاجتماعي اليومي على الأجهزة الذكية فهل يمكننا أن نطلق عليها (لغة) وقد اتخذت لها مكانا بجوار اللغات الأخرى على لوحة المفاتيح. أو نسميها علامات ترقيم لأنها تشارك علامات الترقيم في الظهور في اللغة المكتوبة فقط؛ فتكشف عن مقاصد الكاتب، وتغني عن الإشارة بالوسائل الأخرى التي تظهر في الحدث الكلامي وجها لوجه فيستخدم علامة الاستفهام (؟) بدلا من التنغيم الصوتي في أداء الجملة التي تدل على الاستفهام أو التساؤل. ويستخدم علامة الانفعال (!) في نهاية الجملة الدالة على التعجب أو التأثر تعويضا عن غياب ملامح وجهه التي تجعل دلالة الجملة دقيقة وصادقة. تلوين المشاعر إن لغة الرموز التعبيرية هي دون شك ليست (لغة طبيعية) وبالتالي ليست لها بنية صوتية ولا صرفية وإنما هي لغة حافلة بالألوان والمشاعر تغزو أجهزتنا الذكية. نستبدل بها بعض الجمل المكتوبة حتى لا يقع فيما نكتبه سوء الفهم. أو رغبة في الاقتصاد اللغوي الكتابي. فإرسال وجه مبتسم أو ضاحك تعليقا على رسالة طريفة يغني عن كتابة جملة أو مجموعة جمل يعبر فيه المتلقي عن إعجابه بالطرفة. وقد يضع كاتب الرسالة وجها ضاحكا في آخر الرسالة حتى يوضح أن الهدف من الرسالة الضحك وأن النص ليس جادا أو يعبر عن حدث طريف حتى وإن بدا في ظاهره غير ذلك. إن ظهور مثل هذه الرموز أو الوجوه الضاحكة والباكية أو الساخرة التي تختم بها الجملة أو يستفتح به النص أو تتوزع في النص مثل علامات الترقيم لها قيمة دلالية تواصلية لا يمكننا تجاهلها. وقد تكون الرسالة النصية عبارة عن مجموعة من الرموز التعبيرية، وأحيانا يكون كل النص في الرسالة القصيرة رمز تعبيري واحد. ولم تعد الرموز التعبيرية مجرد صور تعبر عن الحالة المزاجية لكاتب الرسالة بل يمكنها أن تحل محل المحادثة الطبيعية فتمنحنا شعور التواصل اللغوي وجها لوجه. وهذا يجعلنا نتساءل هل من الممكن أن تحل هذه اللغة الرمزية الجديدة محل اللغات الأخرى في المحادثات الإلكترونية بين جيل الشباب؟ خاصة أن هذه اللغة الرمزية الجديدة لغة متحررة من القواعد النحوية والصرفية والإملائية. وهي لغة عالمية ممكن أن يفهمها أي شخص دون حاجة إلى تعلمها. وقد صارت الآن هذه الرموز لغة مساندة إضافية لها لوحات مفاتيح مستقلة يمكن إضافتها من ضمن خيارات اللغات في الأجهزة الذكية بجانب اللغة الإنجليزية والألمانية والصينية والعربية. حيث تزاحم اللغات الأخرى في النصوص القصيرة التي نكتبها ونتواصل بها كل يوم. إغراء الصورة يثير الرمز التعبيري داخل السياق اللغوي تداعيات ذهنية وانفعالية تجعل السياق اللغوي يتداخل مع سياقات أخرى متعددة زاهية بالرسوم والألوان، وكل رمز يمكن أن يؤدي وظائف مختلفة بحسب وضعه في الموقف التواصلي؛ فهل يمكننا اعتبار هذه الرموز التعبيرية (عناصر لغوية) أي إنها تدخل ضمن السياق اللغوي للنص أو (عناصر غير لغوية) قادمة من خارج السياق اللغوي للنص ويولدها السياق العاطفي أو الثقافي أو سياق الموقف بشكل عام. إن هذه العناصر غير الكلامية مهمة في تحديد معنى الكلام كأهمية معنى الكلمة والمعنى النحوي. وإن كانت هذه اللغة الرمزية الآن ليست لها قواعد معلومة إلا أن لها نظاما يعرفه مستخدموها. ويوجد حاليا مترجم إلكتروني للرموز التعبيرية من اللغة الإنجليزية وإليها. وهناك أدلة شاملة مؤلفة باللغة الإنجليزية للكشف عن أسرار الرموز التعبيرية ومعانيها. ومؤلفات تشهد بانتصار هذه اللغة الجديدة على اللغات المكتوبة. ومما يجدر ذكره في هذا السياق انتقال هذه الرموز التعبيرية من الوسائط الإلكترونية إلى النصوص المكتوبة على الورق واستخدامها في كتاب يحول أغاني الأطفال إلى نصوص مدعمة بهذه الرموز لتسهيل حفظها. وقد حاول أحد الباحثين بناء محرك عالمي لترجمة أي لغة في العالم إلى نص من الرموز اللغوية. ربما تشكل هذه اللغة التعبيرية الجديدة خطرا يهدد اللغات على مستوى الاستعمال اليومي، حيث إن إغراء الصورة لا يمكن أن يقارن بالحرف المكتوب الذي يحتاج إلى جهد ومعرفة لاستخدامه في وصف المشاعر أو نقل المعاني التي يريد الكاتب إيصالها للمتلقي. إننا نستهلك هذه اللغة التعبيرية الجديدة بشكل كثيف كل يوم ليس في الكاتبة فقط؛ بل باتت دلالتها حاضرة ذهنيا في تواصلنا اليومي الشفهي دون أن نشعر. لأن هذه الرموز عبارة عن صور صغيرة تحمل قوّة دلالية يمكن توظيفها للتعبير عن مشاعر صادقة أو لتغطية مشاعر لا يرغب المتحدث في إظهارها. وبذلك تسهم هذه الرموز في الإخلال بالمعنى وتعطي معنى مخالفا للحقيقة ولكنها تعبّر بشكل صادق عمّا يريده كاتب الرسالة. وربما تسهم كثرة استخدام الرموز التعبيرية في النص الواحد إلى ضياع المعنى المقصود. وهنا نطرح سؤالا مهما حول هذه اللغة: هل يكون لهذه اللغة يوما قواعد تركيبية معيارية نحدد بها الاستخدام النموذجي الصحيح والاستخدام الخطأ؟ هل تتطور هذه اللغة أو تنقرض وتموت؟ وأخيرا: ما تأثيرها في اللغات البشرية الطبيعية؟ *أكاديمية سعودية