×
محافظة المنطقة الشرقية

«الائتلاف»: طيران الأسد يساند «تنظيم الدولة» في الهجوم على حلب

صورة الخبر

د.غسان إسماعيل عبد الخالق* بوفاة العلامة ناصر الدين الأسد يوم 21 مايو/أيار 2015، يسدل الستار -أو يكاد- على حقبة ناهزت نصف قرن من الحضور العلمي الأردني الرصين في المشهد الأكاديمي والثقافي العربي العام، وهي الحقبة التي وصلت عمّان -من خلال بعض العلماء المحققين- بمراكز العلم والثقافة في القاهرة وبغداد ودمشق. ورغم أن إنجازات الأسد (ولد عام 1922) في حقول التأليف والتحقيق وإدارة التعليم العالي والعمل الدبلوماسي والعمل الثقافي العام، هي من الوفرة بما لا يدع مجالا للشك في ريادة الرجل وألمعيته الشاهقة، فإن باكورة أعماله العلمية مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية ستظل المعلم الأبرز في سيرته الطويلة الحافلة بالإسهامات، إذ مكنته هذه المأثرة من تصدّر المشهدين الأكاديمي والثقافي من جهة، والحضور في الغرب والشرق من جهة ثانية، فضلا عن التواجد في الماضي والحاضر من جهة ثالثة. وحتى نضع القارئ الرصين في عين العاصفة التي اختار ناصر الدين الأسد أن يمخر عبابها عبر كتابه الأشهر مصادر الشعر الجاهلي، فسنعمد إلى تقديم مشهد مكثف جدا لها، استنادا إلى مأثرة الأسد نفسه. مرجليوث وطه حسين أقدم مرجليوث على التشكيك في صحة الشعر الجاهلي في مقالته الشهيرة الموسومة أصول الشعر الجاهلي التي نشرها في مجلة الجمعية العلمية الملكية عام 1925، وقطع فيها -أو كاد- بأن ما وصلنا من شعر جاهلي ما هو إلا شعر نظمه الرواة بعدما استقرت الدولة الإسلامية وانتفت أسباب الخوف من الارتداد عنه. وقد حشد للتدليل على صحة ما ذهب إليه العديد من الحجج العقلية والنقلية التي لا يستهان بها. ومن نافل الحديث القول بأن ما جوبهت به نظريته هذه من إنكار في الشرق خاصة، مردّه إلى ما تخللها من اتهامات تمس نبي الإسلام ومن ثم التشكيك التام في تفرّد الإسلام ومصدره الإلهي. ومن ذلك: أن العرب في العصر الجاهلي كانوا على درجة كبيرة من التحضّر والرقي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، وقد جاء الإسلام فقطف ثمار هذا الرقي ونسبها لنفسه، ثم صوّر العرب في العصر الجاهلي بُداة رعاة غاشمين. ومن ذلك أن العرب في العصر الجاهلي عرفوا الإسلام بصور متعددة، وأن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أعاد بناء وصياغة هذه المعرفة وقدّمها على أنها رسالته الجديدة غير المسبوقة، وأن الإسلام والقرآن ما هما إلا تحريفان صارخان لكل من اليهودية والمسيحية من جهة، والتوراة والإنجيل من جهة ثانية. ومن ذلك أن الحضارة العربية الإسلامية بوصفها حضارة بيانية تستند إلى القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف وديوان الشعر الجاهلي، مبنية على أكذوبة تاريخية جرى ترويجها وترسيخها عبر مئات السنين. لكن ما لم يكن في حسبان الباحثين العرب، أن يخرج عليهم باحث عربي شاب اسمه الدكتور طه حسين بكتاب عنوانه في الشعر الجاهلي، فلا يكتفي بأن يذهب بالجوانب الأدبية في نظرية مرجليوث إلى أقصى حدودها الممكنة فحسب، بل يخاطر بأن يدفع في الكتاب نفسه بمنهج الشك الديكارتي إلى أقصى حدوده الممكنة أيضا، فيقطع -أو يكاد- بأن كل أو جلّ ما نسميه الشعر الجاهلي ما هو إلا شعر مصنوع دُسّ على العصر الجاهلي لغايات دينية وسياسية وتاريخية وثقافية. وبكل ما أوتي هذا الشاب الضرير من بلاغة وقدرة على تقليب الحجج، راح يتساءَل عن أسباب الغياب الفادح لأبرز أوجه الحياة في العصر الجاهلي من ديوان الشعر الجاهلي. ضد التطبيع ورغم تعالي غبار الزوبعة التي أثارتها أطروحات مرجليوث ثم أطروحات طه حسين، فإن الرجلين لم يُعدما من الباحثين العرب المرموقين مَن يساجلها أو يحلّل خطابيهما بموضوعية وتؤدة العلماء، بدءا بمصطفى صادق الرافعي وشكيب أرسلان، مرورا بمحمد فريد وجدي ومحمد لطفي جمعة ومحمد الخضري، وانتهاء بالدكتور ناصر الدين الأسد في كتابه مصادر الشعر الجاهلي وقيمتها التاريخية الذي ما زال يمثل أفضل المراجع التي عرضت أطروحة مرجليوث وردود المستشرقين عليها من جهة، وأطروحة طه حسين وردود الباحثين العرب عليها من جهة أخرى، فضلا عما أبرزه المؤلف نفسه من مآخذ وجيهة على هاتين الأطروحتين. والطريف في الأمر أن الأسد أيضا لم ينجُ من بعض الشرر الذي تطاير من حول مرجليوث وطه حسين، فطاله بعض النقد الذي وصل حد التجريح أحيانا، مع أنه كان من السبّاقين لبسط أطروحتي مرجليوث وطه حسين بين يدي الباحثين وإبراز ملامح الخطورة ومكامن التهافت فيهما بذكاء شديد ودون انفعال أو تعصّب أو تحيز، مستندا في ذلك إلى أبرز ما ساقه الباحثون العرب الرصناء من دحوض وتفنيدات، رغم أن طه حسين كان أحد أبرز أساتذته، كما أن سلطته المعرفية كانت قد بلغت حدا تصعب المغامرة معه باستعدائه. ولم تقتصر مآثر ناصر الدين الأسد على البحث العلمي المتميز أو الإدارة الأكاديمية المرموقة أو التمثيل الدبلوماسي الرفيع أو الانخراط التام في القضايا العامة، بل امتدت لتشمل مناقبه الشخصية الفريدة، فقد كان معتدا بعلمه وشخصه، ومتواضعا لمن عرف قدره، في آن واحد. كما كان الأسد كريما جوادا دون منّة أو تباه، شديد البأس على من يتعمد معاضلته، لكنه طيّب المعشر ذكي النكتة حاضر البديهة سريع الجواب لمن أحب، يهش لضيفه ويحتفي به حتى يشعره بأنه هو المضيف، وإذا روجع في الحق راجع نفسه. ومما سنظل نذكره به -رحمه الله وغفر له- تصديه كتابة وقولا لدعاة التطبيع السياسي والثقافي مع الكيان الصهيوني، فضلا عن مقاومته الشديدة لرموز التفكيك السياسي والخصخصة الاقتصادية في زمن العولمة واقتصاد السوق. _______________ * باحث وأكاديمي أردني