الهدف الرئيسي لجميع القوات العسكرية بدون استثناء حماية جميع مواطني هذه الدولة والمقيمين فيها بدون تمييز، وتأتي في الأولوية الثانية الحفاظ على مرافق الدولة، وفي الأولوية الثالثة حماية موارد الدولة الاقتصادية من الهدر والضياع، وتتكامل جهود هذه القوات العسكرية لتصنع سياجا أمنيا متينا يحيط بالدولة وبمواطنيها في آن واحد. لكن المنظومة الأمنية لا يمكنها بأي حال من الأحوال تحقيق درجة مثالية من الأمن والاستقرار في حال تفعيل الجانب الأمني وحده، فبخلاف هذا الجانب توجد جهات أخرى غير سيادية يقع عليها عبء حماية أمن الوطن والمواطن، هذه الجهات تتمثل في عناصر عديدة، منها المنابر الإعلامية، ومنها برامج التوعية الثقافية، ومنها الأسرة، فكل هذه العناصر غير السيادية تتكاتف جهودها معا لتصنع منظومة أمنية وقائية، تمنع الشاب الغر من أن يقع في أحابيل الإرهاب وشباكه المضللة، فالإرهابي قبل أن يتحول لإرهابي كان مواطنا بسيطا، له أسرة ومجتمع، ولكنه تحول لإرهابي ربما في غفلة عن أعين أسرته ومجتمعه. لقد عبر الأمير نايف ــ رحمه الله ــ عن جيش الحماية المدني الشعبي بقوله إن "المواطن هو رجل الدولة الأول" ، ورجل الدولة يحميها بطرق عديدة، أهمها تربية أبنائه تربية سليمة تقيهم شر التطرف والإرهاب، وأيضا بإبلاغ الجهات المعنية عند اشتباهه بوجود متطرفين أو معرفته بأشخاص من ذوي التفكير المعوج، وذلك منعا لانتشار وتداول أفكار الإرهابيين المتطرفة، كما أنه هو من يقوم بالتبليغ عن الأسلحة المهربة والمجرمين الخارجين عن القانون الذين يقومون بعملية التهريب أو حتى تصنيع الأسلحة. وفي خضم التوتر الذي يخيم على منطقتنا، بوسعنا هنا قياس إنجازنا الأمني، وقبل أن نحاول عمل هذا القياس يجب أن ننطلق من قاعدتين أساسيتين، الأولى: أنه لا توجد دولة في العالم مهما بلغت من تقدم واحتراف أمني أن تخلو من الجرائم، والثانية: أن معدلات العمليات الإرهابية الداخلية تتصاعد عندما تعجز الأطراف المعادية عن تخطي حدود هذه الدولة؛ بسبب ارتفاع كفاءة أداء وأجهزة قواتها المسلحة، فمثلا ما يقوم به الحوثيون من استهداف للقرى الجنوبية بجيزان ونجران بالسعي لقصفها بمدافع الهاون "لعجزهم عن تخطي الحدود" لهو أكبر دليل على إنجازنا الأمني وامتيازه، ولنا أن نتخيل وضع المدن والقرى السعودية لو لم تكن عاصفة الحزم، فإيران قدمت كل ما في جعبتها بما فيها من صواريخ باليستية لمحاربتنا، ولولا إنجازنا الأمني لوقعنا فريسة لهذه الصواريخ بعيدة المدى. وعلى الجانب الأخرى، في أقصى الشمال، نجد أن فشل داعش في اجتياز الحدود جعلها تلجأ لخلايا الشر وتغير استراتيجيتها من الهجوم للانتحار، ولو لاحظنا أنه خلال عمليتي مسجدي القديح والعنود نجد أن الإرهابيين الجبناء لجأوا لتفجير أنفسهم لعجزهم عن المواجهة، والإنجاز الأمني هنا ينسب لوزارة الداخلية التي أحبطت عدة محاولات لتهريب السلاح، ونجحت في الكشف عن العديد من الخلايا بعد تتبع أفرادها، ولعل الكشف عن هوية منفذ العملية الإرهابية الذي أعلنت وزارة الداخلية منذ شهور عن أنه من المطلوبين للعدالة، لهو أبلغ دليل على أنها تسير في الطريق الصحيح. وما كانت داعش وغيرها تلجأ للعمليات الانتحارية لولا أن وزارة الداخلية أطبقت وضيقت الخناق عليها. المنظومة الأمنية الاحترافية لها عمادان، أحدهما أمني، والثاني وقائي، والجهات الأمنية لا يمكنها أن تدخل لكل بيت لتفتيشه، ولا يمكنها النفاذ لكل عقل لتسبر مكنوناته، وهذا الأمر عوضا عن استحالته ليس أحد مسؤولياتها أو اختصاصاتها، وهنا يأتي دور العامل الثقافي والوقائي، والذي يبدأ من فرد الأسرة العادي، حتى يصل لسلطة الإعلام الرابعة بكافة آلياتها وتعدد منابرها وتنوع وسائلها، ومنفذو جرائم المسجدين ليسوا كائنات فضائية، بل هم مواطنون مثلنا كانوا يعيشون بين ظهرانينا وكانوا يتلبسون بأقنعة خادعة يخفون خلفها أفكارهم المتطرفة، والإنجاز الأمني الخاص بالجهات السيادية قام به رجال أشاوس على أعلى درجة من الكفاءة والاحترافية، لكن علاج الإرهاب لا يتم إلا بالعودة للبحث عن مسبباته واقتلاعها من جذورها، وجذور الإرهاب قد تكون كامنة في كل بيت وأسرة، والمواطن العادي، سواء كان أبا أو أخا أو ابنا، هو وحده القادر على تتبعها منذ بداية ظهورها وحتى نهاية تضخمها، فليقم كل منا بعمله لتكتمل منظومتنا الأمنية بشقيها الوقائي والأمني، وتصل لأعلى درجة من الكفاءة والتكامل والفعالية.