منذ قرابة عام، كل يوم تقريبًا، في نشرة أخبار الساعة الثامنة صباحًا في تلفزيون «سي إن إن»، تظهر المراسلة في البيت الأبيض، الشقراء جدًا ميشيل كوزنسكي تسمى «مورننغ بلوند» (شقراء الصباح). تقف أمام البيت الأبيض، وتنقل، على الهواء مباشرة، آخر الأخبار، وتجيب على أسئلة كريس كومو، كبير مذيعي النشرة الصباحية. مرات، تجري كوزنسكي مقابلة مع جين ساكي، المديرة الجديدة لمكتب الاتصالات في البيت الأبيض. لكن، أخيرًا، ومن وقت لآخر، صارت ساكي نفسها تظهر في نشرة الأخبار الصباحية، على الهواء، وتجيب على أسئلة كومو مباشرة. وكأنها مراسلة «سي إن إن» في البيت الأبيض. هذا «انقلاب إعلامي»، ليس فقط في البيت الأبيض، ولكن في كل واشنطن، وسط كبار المسؤولين. لم يحدث من قبل أن ظهر مسؤول كبير في نشرة أخبار قناة تلفزيونية، وكأنه مراسل القناة، وأجاب مباشرة على أسئلة مقدم نشرة الأخبار. إذا استمرت هذه الظاهرة الجديدة، ربما سيأتي يوم يظهر فيه كل مسؤول كبير، أمام المبنى الذي يعمل فيه، ويقف أمام كاميرا تلفزيونية، ويجيب مباشرة على أسئلة مقدم نشرة الأخبار. وربما لن تكن هناك حاجة إلى مراسل. وربما سيظهر جون كيري، وزير الخارجية، وهو يقف أمام مبنى الخارجية، ويجيب على أسئلة كومو، مقدم نشرة أخبار الصباح في تلفزيون «سي إن إن». * سيستفيد الجانبان في جانب، يستفيد كومو لأنه تحدث مباشرة إلى وزير الخارجية، بدل أن يتحدث مع المراسلة التي كانت تحدثت إلى الوزير (في وقت سابق). في جانب، يستفيد الوزير لأن السياسيين لا يحبون شيئًا مثل تحاشي الصحافيين، والحديث مباشرة في قناة تلفزيونية. (من أسباب نجاح مقابلات يوم الأحد في القنوات الأميركية الرئيسية). من هي جين ساكي، قائدة هذا «الانقلاب الإعلامي»؟ والدها يوناني، ولد في ميسينيا (اليونان)، وبعد أن هاجر إلى أميركا، صار صاحب شركات في ولاية كونيتيكات. درست هي في جامعة ويليام آند ماري (ولاية فرجينيا). وأحبت السياسة (والحزب الديمقراطي) منذ البداية. في عام 2004، عملت مع مرشحين ديمقراطيين، مثل: السناتور توم هاركين. وفي عام 2008، عملت في حملة السناتور باراك أوباما. وعندما فاز رئيسًا للجمهورية، اختارها للعمل في البيت الأبيض، مساعدة لمديرة قسم الاتصالات (كوميونيكيشن). ثم انتقلت إلى وزارة الخارجية، متحدثة باسم الوزارة. وفي بداية هذا العام، عادت إلى البيت الأبيض، مديرة لقسم الاتصالات. عندما انتقلت من الخارجية إلى البيت الأبيض، نشرت أخبار بأن الرئيس باراك أوباما أعجب بأدائها في الخارجية. هذا بالإضافة إلى أنها وزوجها، من المتحمسين للحزب الديمقراطي. وكتبت «بوليتكيو» (صحيفة يومية صغيرة تصدر في واشنطن، وتركز على أخبار الكونغرس والبيت الأبيض): «يتحدث الناس في البيت الأبيض عن عودة ساكي إلى العائلة. ربما في آخر عامين له في البيت الأبيض، يريد أوباما جمع الذين ساعدوه في حملته الانتخابية عام 2008. قد يريد أوباما، أيضًا، أن يعوض عن تقصيره نحو واحدة من أفراد العائلة: ساكي». هذه إشارة إلى أن ساكي، بعد انتصار أوباما عام 2008، كانت تريد أن تكون المتحدثة باسم البيت الأبيض. لكنها خسرت ثلاث مرات: في عام 2008 أمام روبرت غيبس، وفي عام 2001 أمام جاي كارني، وفي العام الماضي أمام جوش إرنست (المتحدث الحالي). وها هي تعود مديرة لقسم الاتصالات (الذي يشرف على مكتب المتحدث الصحافي). عن «الانقلاب الإعلامي»، حتى عندما كانت ساكي متحدثة باسم الخارجية الأميركية، كانت تفضل مقابلات مباشرة مع الصحافيين، بالإضافة إلى المؤتمر الصحافي اليومي. وذلك لأن المقابلات المباشرة فرصة لتتحدث هي، لا ليتحدث المراسل باسمها. وها هي في البيت الأبيض، تريد أن تتحدث، ليس فقط مع مراسلي البيت الأبيض، ولكن، مع الشعب الأميركي مباشرة. وذلك بوسيلتين: أولاً: تظهر أمام البيت الأبيض وتجيب مباشرة على أسئلة مقدمي نشرات الأخبار. ثانيًا: تستعمل مواقع الاتصالات الاجتماعية. حسب لاري بارتلز، أستاذ العلوم السياسية في جامعة برنستون (ولاية نيوجيرسي): «منذ بداية الخليقة، توجد علاقة حب وكراهية بين السياسيين والصحافيين؛ يريدهم السياسيون لنقل أخبارهم وآرائهم، لكن، من دون أن يلخصها الصحافيون، أو ينتقدونها». وأضاف: «يحلم كل سياسي أن تكون له صحيفته الخاصة به، وقناة تلفزيونه الخاصة به. لكن، ربما سيكون هو الوحيد الذي سيقرأ الصحيفة، أو يشاهد القناة». لهذا، قال بارتلز: «قليلاً قليلاً، يتجه السياسيون نحو مواقع الاتصالات الاجتماعية. لأكثر من سبب: أولاً: كل يوم يستعمل مليار ونصف مليار شخص هذه المواقع. (كل يوم يزيد العدد). ثانيًا: يتحاشى هؤلاء الإعلام التقليدي، ويتجهون مباشرة إلى مصادر الأخبار (مواقع السياسيين، والفنانين، إلخ...)«. حتى الأسبوع الماضي، يتابع ساكي في موقع «تويتر» ستة عشر ألف شخص. لكن، أهم من ذلك: في موقع «تويتر»، يتابع البيت الأبيض قرابة سبعة مليون شخص. وفي موقع «فيسبوك»، قرابة أربعة مليون شخص. وساكي هي التي تدير مكتب الاتصالات الذي يدير صفحات مواقع «تويتر» و«فيسبوك».. إلخ. في المستقبل، ربما حتى لن تحتاج ساكي إلى كومو، صحافي قناة «سي إن إن»، وغيره من الصحافيين التقليديين، وغيرها من القنوات التلفزيونية التقليدية. ناهيك بـ«شقراء الصباح» كوزنسكي، مراسلة «سي إن إن» في البيت الأبيض.