على عكس المتوقع تعرض مشروع قانون تجريم التحرش الجنسي -الذي تقدمت به وزارة التضامن الاجتماعي في المغرب- إلى "نيران صديقة" أبرزها تحفظ رئاسة الحكومة عليه وتأخير إمكانية عرضه قريبا على البرلمان، وذلك إضافة إلى انتقادات جمعيات نسائية. وفي الوقت الذي قدمت فيه العديد من مكونات الحركة النسائية بعضا من مواقفها الخاصة بمشروع القانون هذا، لم تقدم الحكومة رسميا أسباب تحفظ رئيسها عبد الإله بنكيران عليه، وهو ما فتح جبهة انتقادات أخرى عليه. وينص مشروع القانون -الذي طرحته وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن المغربية بالتعاون مع وزارة العدل بداية الشهر الجاري- على أن "كل فعل مزعج للآخر في الفضاءات العمومية من خلال أفعال أو أقوال ذات بعد جنسي أو من أجل الحصول على فعل ذي طبيعة جنسية، يعاقب عليه بالحبس وغرامة مالية، أو بواحدة من العقوبتين". ويتضمن المشروع أيضا مجموعة من الإجراءات الزجرية غير المسبوقة ضد الرجال الذين يمارسون العنف على النساء بمختلف أشكاله، وعلى رأسهم الأزواج، منها تعرض الزوج الممارس للعنف إلى الطرد من بيت الزوجية. " ينص مشروع القانون على أن "كل فعل مزعج للآخر في الفضاءات العمومية من خلال أفعال أو أقوال ذات بعد جنسي أو من أجل الحصول على فعل ذي طبيعة جنسية، يعاقب عليه بالحبس وغرامة مالية، أو بواحدة من العقوبتين" " تيار محافظ وفي غياب أي توضيح لموقف الحكومة المتحفظ من مشروع القانون، أشارت تقارير صحفية إلى أن ما وصفته بـ"التيار المحافظ" داخل الحكومة، التي يقودها حزب العدالة والتنمية هو الذي اعترض عليه، رغم أن الوزارة التي تقدمت به تديرها بسيمة الحقاوي المنتمية للحزب. وعزت تلك التقارير المسؤولية الأساسية في الاعتراض الحكومي على المشروع إلى وزير الدولة عبد الله باها، قائلة إنه اعتبر أن "الفلسفة العامة لمشروع القانون تجاوبت مع مطالب المنظمات الدولية، وأغفلت خصوصيات المجتمع المغربي، الذي لا يمكن أن يقبل بعض الأمور التي جاء بها القانون الجديد". ولتجاوز هذا الموقف أعلن بنكيران عن تشكيل لجنة علمية تحت رئاسته تضم عددا من الوزراء لإعادة النظر في بعض مضامين مشروع القانون قبل عرضه مجددا على المجلس الحكومي للتصديق عليه. وكانت دراسة أعدتها مندوبية التخطيط بالمغرب (هيئة حكومية) كشفت مؤخرا أن 827 ألف امرأة مغربية تتراوح أعمارهن بين 18 و64 عاما، تعرضن مرة واحدة على الأقل خلال الـ12 شهرا الماضية للتحرش الجنسي. وفي هذا الإطار انتقدت الجمعيات النسائية والجمعيات المكونة لما يسمى "ربيع الكرامة والشبكات الوطنية لمراكز الاستماع" ما أسمته "إفراغ المشروع من المحتوى الذي كان من المفروض أن يتضمنه". واتهمت السلطات الحكومية المعنية بـ"إقصاء" الجمعيات النسائية من المشاركة في بلورة المشروع والتشاور بشأنه رغم كونها "فاعلا أساسيا في محاربة العنف القائم على النوع"، منتقدة أيضا "غموض المقاربة المعتمدة فيه تارة وتعارضها تارة أخرى". السيوري: تواجد المكونات النسائية ضروري لإعداد القانون(الجزيرة) حوار جدي وطالبت الجمعيات بمراجعة مشروع القانون وذلك بـفتح حوار جدي مع مكونات الحركة النسائية التي راكمت خبرات ومعرفة ومهنية في مجال محاربة العنف ضد النساء، في سبيل إصدار مشروع قانون يرقى لـ"مستوى التزامات المغرب الدولية في مجال الحقوق الإنسانية للنساء ومتطلبات الحماية الفعلية والناجعة للنساء من العنف". وجاء هذا الموقف رغم دعوة بسيمة الحقاوي -وزيرة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة المغربية- الجمعيات الحقوقية والنسوية والأحزاب للنقاش واقتراح"التعديلات الضرورية" على مشروع القانون. من جانبها، أعربت رئيسة جمعية "عدالة" جميلة السيوري، عن استغرابها للشكل الذي عرض به مشروع القانون وكذلك التحفظ الذي أبداه رئيس الحكومة بخصوصه، والذي فسرته بأن مشروع القانون "تجاوز الخطوط الحمراء للإيديولوجية التي يتبناها". واعتبرت في تصريح للجزيرة نت أن هذا القانون "غير مبني على منهجية وجاء في سياق مستعجل، ولم يتم استحضار مشاركات الحركة النسائية فيه، ولا يستجيب لمعالجة كافة الإشكاليات المرتبطة بالتمييز ومناهضة العنف ضد النساء". وقالت السيوري إن تملص بنكيران بإعلانه تكوين لجنة علمية تحت إشرافه لمتابعة مشروع القانون هذا "لا يبشر بالخير" مشددة على ضرورة وجود المكونات النسائية لإعداده بهدف تجاوز الاختلالات المحتملة، وبلورة قانون "يتلاءم مع التطورات التي يشهدها المجتمع المغربي".