تحدثت في آخر مقال عن فكرة وجود عائلات عريقة ينحدر منها معظم الأثرياء والمتنفذين في أي مجتمع.. ونبهت حينها أن عائلات كهذه أكثر نفوذاً من الأفراد (مهما بلغ ثراؤهم ومركزهم السياسي) كون "العائلة" أطول عمراً، وأكثر تغلغلاً، وأبعد نظراً، وتخطط لاستمرار نفوذ سلالتها التالية.. وضربت حينها مثلاً بعائلة والتون (أغنى عائلة في أميركا) التي عرفت دائماً بمساندتها للحزب الجمهوري وحماية مصالحها من خلاله، وعائلة بوش التي عرفت برعايتها لمصالح شركات النفط والأسلحة.. وختمت المقال بعائلة روتشيلد التي تمتد جذورها إلى القرن السادس عشر ولعبت دور الممول لكافة الحروب الأوروبية (بما في ذلك الحربان العالميتان واحتلال فلسطين). واليوم سأستعرض معكم عائلتين جديدتين تملكان تأثيراً عالمياً قوياً من خلال استثماراتها وعلاقاتها القوية مع أصحاب النفوذ حول العالم. الأولى هي عائلة روكفلر التي ظهرت فعلياً عام 1870 حين أسس جون روكفلر شركة ستاندرد أول للتنقيب عن النفط. وبحلول عام 1879 تمكن من السيطرة على نحو 90% من صناعة النفط في أميركا وتحول بسرعة إلى أغنى رجل في التاريخ بثروة فاقت 400 مليار دولار (علماً أن أغنى رجل هذه الأيام لم تزد ثروته عن 90 مليار دولار). ولم يقتصر نفوذ روكفلر على المال وحده بل سيطر أيضاً على إمدادات الطاقة وتدفق النقود والتحكم بالبورصة الأميركية.. ومن خلال هذه العناصر تمكن من التحكم بالانتخابات وقوى الضغط في واشنطن وتحويل السياسة الخارجية إلى حيث مصالحه الاقتصادية (لدرجة اشتكى الرئيس ثيودر روزفلت علناً من أن نفوذ روكفلر خلق حكومة ظل أقوى من حكومته الرسمية). غير أن سيطرة روكفلر على صناعة النفط الأميركية تسببت عام1911 في تفكيك شركة "ستاندرد" إلى 34 شركة نفطية بقرار من المحكمة العليا الأميركية.. مع هذا ماتزال هذه الشركات بالذات محور صناعة النفط الأميركية وتملك تأثيراً قوياً على إمدادات الطاقة في العالم بل ولعبت دوراً في خلق اقتصاديات النفط التي تنعم بها دول الخليج حتى يومنا هذا (حيث تأسست شركة أرامكو مثلاً كفروع لبعضها قبل أن تستحوذ عليها الحكومة السعودية بالكامل عام 1988)!! ... أما العائلة الثانية فهي عائلة مورجان التي تعاونت مع أسرة روتشيلد (وكلتاهما من أصول ألمانية يهودية) لإقراض الحكومة الأميركية كميات كبيرة من الذهب لمواجهة الانهيار الذي واجهته عام1893.. ومن خلال سيطرتها على المصارف ومناجم الذهب ساهمت في تأسيس شركات عظيمة مثل جنرال الكتريك، والصلب الأميركية، والاتصالات الوطنية T@T.. وخلال الحرب العالمية الأولى ضغطت على الحكومة الأميركية لدخول الحرب لحماية قروضها الممنوحة لفرنسا وروسيا واستحوذت على نسبة 1% كفوائد من الأموال التي أقرضتها للجيش الأميركي.. أضف لهذا يتهمها كثير من المؤرخين بلعب دور خفي في ترتيب الهجوم الياباني على بيرل هاربر لحث الحكومة الأميركية على دخول الحرب ضد اليابان وطلب قروض التمويل من البنوك التابعة لها. وحتى يومنا هذا مازالت عائلة مورجان تمتلك أكبر بنوك أميركا "تشيزمانهاتن" وأكبر احتياطي خاص من الذهب الخام في العالم.