×
محافظة المنطقة الشرقية

مونديال 2010: جنوب افريقيا تعترف بدفع 10 ملايين دولار ولكن ليست كرشاوى

صورة الخبر

مهنة «خبان الدفة» امتهنتها الكثير من النساء ببيوتهن منذ سنوات، ووقعن اليوم في صراع مع اندثارها لأسباب أبرزها: الاتجاه لارتداء عباءة الكتف، ولجوء الزبونات إلى «خبان الدفة» بالأسواق. الخياطة نعيمة السندي امتهنت «خبان الدفيف» منذ 42 عاماً، قالت: «أتألم لأن هذه المهنة كانت خاصة بالبحرينيات وأصبحت اليوم مهنة للآسيويين».«خبّان الدفيف» مهنة نزحت من البيوت إلى الأسواق...وبحرينيات يصارعن من أجل بقائها المنامة - بتول إبراهيم تحكي الخياطة نعيمة السندي لـ «الوسط» قصة من قصص مهنتها مع «خبّان الدفيف»، بقولها: «هناك رجل كان يجلب زوجته إليَّ لخبن دفتها زاعماً أنني أحتفظ ببقايا قماش الدفة بعد قصها وهو يسأل زوجته: الدفة كانت كبيرة والحين صارت طولش بالضبط، هالخيّاطة تجمع الخلق يعني؟، وشنو قصتها مع الدفيف؟، كانت الدفة وش طولها وعرضها عليش، والحين صارت قياسش بالضبط، شنو تسوي فيها؟»، فما كان من الزوجة إلا أن تضحك في وجهه وترد قائلة: هذي الدفة ما تغير فيها شي ولا قصت منها ولا تجمع بقاياها، ورد الزوج مستنكراً: عجل شلون تسويها مضبوطة القياس؟ ووين تودي بقاياها؟، أجابت الزوجة ضاحكة: بقاياها فيها ما تشيل منها ولا شي بس تخبنها والخبنة داخلها». «خبّان الدفة» جرت العادة أن نتداول هذه المفردة ظناً منا أنها من التراث الشعبي... سألنا الكثير عن أصل مفردة «خبّان» ولم نجد إجابة صحيحة. الغالبية قلن إنها خاصة بخياطة عباءة الرأس «الدفة»، وأن النساء ورثنها عن أمهاتهن من دون علمٍ بمعناها أو أصلها... فتشنا في المعجم اللغوي العربي فكانت النتيجة أنها مفردة لغوية عربية فصحى صحيحة، والفعل منها: خبَنَ، يَخبِن، خَبْناً، فهو خابن، والمفعول مَخْبون، ومعناها خَبَنَ الثوبَ ونحوَه أي ثَنَى جزءاً منه وخاطه. وخَبَنَ الشيءَ: أخفاه، والجمع من مصدره خُبُنات وخُبْنات، ومعناه خُبَن الخُبنةُ من الثَّوب والسراويل أي الجزء المثنيُّ المَخِيط. وهذا تماماً ما يقمن بعمله النساء اللاتي امتهن مهنة «خبّان الدفيف» في بيوتهن منذ سنوات طويلة، ووقعن اليوم في صراع مع اندثار مهنتهن لأسباب عديدة أبرزها: الاتجاه لارتداء عباءة الكتف، ولجوء الزبونات إلى «خبّان الدفة» في الأسواق. «الوسط» التقت بمجموعة ممن يزاولن هذه المهنة عن قرب وكشفت الستار عن قصصهن معها. تتحدث بلهجتها النعيمية ونبرتها الهادئة عن مهنة «خبّان الدفيف»، كما لو أنها تتحدث عن طفلتها الصغيرة التي كبرت على يدها فتعلقت بها وارتبطت بتفاصيلها... تروي الخياطة نعيمة مكي السندي (أم حسين) حكايتها مع مهنة «خبّان الدفيف» منذ 42 عاماً، بالقول: «بدأت بالخياطة وعمري لم يتجاوز الـ 14 عاماً، وكان ذلك في سبعينيات القرن الماضي والبداية كانت مع أم صديقتي، كنت أراقبها وأراقب خالتي وهما تخبنان الدفيف وأقلدهما في عمل ذلك، ومع استمراري في المطالعة والتقليد طلبت مني والدة صديقتي خياطة الجزء السفلي من الدفة، وحين رأت عملي أعجبت به وقالت معلقة (تخبنين الدفة أفضل مني)، بعدها قامت بإعطائي مهمة خبان الدفيف بالكامل، بمقابل دينار». وتردف أم حسين مكملة «يوماً بعد يوم أصبحت أخبن الدفيف لأهلي في الإمارات وقطر، وبعد فترة أصبحت أستقبل نساء الحي لخبن الدفيف بشكل كبير. إضافة إلى ذلك كنت أخيط مكسر اليد والشلش، ولكني تخصصت فيما بعد في الخبن فقط». السر وراء «خبّان الدفيف» تذكر أم حسين الأسباب التي دفعتها لهذه المهنة، بقولها: «صحيح أنني كنت صغيرة على هذه المهنة الشاقة، ولكن بسبب الفراغ الذي كنت أعيشه نتيجة عدم التحاقي بالتعليم في المدرسة أصبح خبّان الدفيف مهنتي، مع العلم أني لست محتاجة مادياً فوالدي كان مقتدراً، واستطعت إثبات وجودي في هذه المهنة حين خبنت العبايات لمحلات اليوسف وعمري 18 عاماً لمدة خمس سنوات وتوقفت عن ذلك عندما تزوجت». وعن الوقت المستغرق في ذلك، تقول: «سابقاً كنت أعمل على خبن ثلاث عبايات في اليوم، ولخبن العبايات مواسم تزداد فيها أبرزها العودة للمدارس إذ تصل عدد العبايات إلى 20 أو 30 عباية، ومن الصدف أن ألتقي بشابات كنت أخبن لهن عباياتهن عندما كنت أسكن في قرية الديه قبل 29 سنة ويذكرنني، فقد كانتْ والدتهن تجلبهن لي من قرية جبلة حبشي إلى قرية الديه مشياً على الأقدام لخبن عباياتهن وهن صغيرات». وتصف أم حسين مهنة «خبّان الدفيف» بأنها «مهنة متعبة جداً لأنها تسرق النظر وخصوصاً مع مزاولتها في المساء بعد أن تقوم بتأدية واجباتها المنزلية». «خبّان الدفيف» مهنة اندثرت وترجع أم حسين أسباب اندثار هذه المهنة، بقولها: «تراجعت مهنة خبن العبايات في البيوت وربما اندثرت بسبب وجود عبايات الكتف. وأتألم لأن هذه المهنة كانت خاصة بالمرأة البحرينية وأصبحت اليوم مهنة يزاولها الآسيويون من دون دقة أو اهتمام». وعن أسعارها، تقول: «ارتفعت أسعار الخبّان فبعد أن كانت في بداياتي بـ 500 فلس بشغل اليد أصبحت اليوم بدينار أو دينار ونصف الدينار». وتختم أم حسين حديثها مع «الوسط» قائلة: «فكرت في التوقف عن خبّان الدفيف أكثر من مرة ولكن بسبب إلحاح زبوناتي تراجعت، أما الآن وبسبب تردي صحتي أكتفي بخبّان الدفيف للأهل والمقربات فقط». أم علي... 30 عاماً من الوفاء لـ «خبّان الدفيف» القارئة أم علي عملت على «خبن الدفيف» في ستينيات القرن الماضي منذ كان عمرها 18 عاماً، تقول عن الأسباب التي دفعتها لذلك: «السبب الذي دفعني لذلك هو عشقي لهذه المهنة، إضافة إلى عدم وجود من يزاولها آنذاك فقد كنت أقوم بخبن الدفيف لنساء القرية بالكامل وأخيط ملابسهن، وفي اليوم الواحد أقوم بخبن 6 عبايات تقريباً، لقد مضى من عمري 30 عاماً مع مهنة خبّان الدفيف». وعن أدوات «الخبّان» تقول أم علي: «أستخدم مكينة الخياطة في خبان الدفيف وبالنسبة للأدوات المستخدمة فهي: الطبشور والأبر والخيوط الخاصة بالمكينة». وتشير أم علي إلى نوعية زبوناتها بالقول: «زبوناتي هن نساء القرية إلا أنني تركت مهنة خبان الدفيف بعد أن ضعف نظري وتخصصت في القراءة الحسينية». لماذا تلجأ النساء إلى «خبّان الدفيف» في الأسواق؟، سألناها فأجابت: «الأمر الذي يجعل النساء يتجهن لخبّان الدفيف في الأسواق هي المدة البسيطة التي يستغرقها المحل في خبن الدفة مقارنة بالمدة الأطول التي تستغرقها الخياطة في خبنها للدفة في المنزل». وكيف تميزين بين خبّان البيت وخبّان السوق؟، قالت أم علي رداً على سؤالنا: «هناك خلل يقومون به أثناء الخبّان في السوق ونستطيع نحن تمييزه، وهو عبارة عن خط نعمد نحن على أن يكون مائلاً أثناء الخبّان في وسط الدفة وهم يقومون بعمله بشكل مستقيم». وعن أسعار الخبان آنذاك تقول: «في البداية كانت بـ 300 فلس وبعدها أصبحت بـ 500 فلس، ومن ثم بـ 700 فلس، وبعد أن اعتزلت المهنة أصبحت بدينار». أم شهاب: لن أترك هذه المهنة الحاجة مهدية عبدالله (أم شهاب) تذكر لنا بداياتها مع «خبّان الدفيف»، بالقول: «درست الخياطة في جمعية الهلال الأحمر البحريني في الجفير، وتعلمت خبّان الدفيف في حدود العام 1982 أي بعد إنجاب مولودي الأول، لكني لم أمارس الخياطة بسبب انشغالاتي الأسرية». وتذكر أم شهاب أن زوجها هو أول من شجعها على هذه المهنة، بقولها: «قبل أن يتوفى الله زوجي وفر لي مكينة الخياطة وبقية الأدوات، وكان رحمة الله عليه أول المشجعين لي في ذلك، إذ حرص على مساندتي لحين الانتهاء من دراسة الخياطة». وتروي أم شهاب بداياتها مع «خبّان الدفيف»، بقولها: «لم أتخصص في خبن الدفيف في بادئ الأمر، ولكن حين قمت بخبن الدفة لإحدى زبوناتي انهالت عليَّ طلبات الخبّان حتى اشتهرت فيما بعد، وزبوناتي من مختلف الأعمار وغالبيتهن من قريتي». وتوضح أم شهاب أسباب استخدامها مكينة الخياطة أو اليد في الخبّان، بقولها: «استخدامي للمكينة أو اليد في الخبّان يعتمد على نوع الدفة، فالحرير يفضل استخدام اليد في خبانه لأن الخيط يكون مرخياً؛ ما يساهم في عدم «تمزعه»، أما الدفة الكويتية مثلاً، فخبن المكينة مناسب لها»، وتضيف أن «خبّان الدفة باليد يتطلب جلوسكِ على الأرض لكي تمسكينها بشكل صحيح وتحافظين على دقة الخبن وترتيبه، والمكينة لا تحتاج لذلك». وتردف مكملة «في الشهر أخبن دفة واحدة أو اثنتين، وفي المناسبات مثل الأعياد 5 أو 6 دفات، واستخدم في ذلك الدبابيس والصابونة والأبر وأفضل استخدام الأبر الدقيقة». وعن أسعارها، قالت أم شهاب: «سابقاً أخبن الدفة بيدي بدينار واحد، ولكني توقفت عن ذلك بسبب ضعف نظري، وصرت أخبن بمكينة الخياطة بـ 500 فلس». وعن أسباب نزوح الزبونات إلى الأسواق، تتفق أم شهاب مع أم علي، بقولها: «أعتقد أن بعض النساء يفضلن خبّان الدفة في المحل، ولكن معظم زبوناتي حين يقمن بخبّان الدفة عند أحد المحلات في السوق يجلبنها من جديد لي، لأقوم بإعادة خبانها من جديد، لأن الخبنة تكون غير مرتبة فمن أمام تكون الدفة طويلة ومن الوراء تكون قصيرة». هل انقرضت العباءة البحرينية أمام موج العباءات الدخيلة؟، أجابت أم شهاب قائلة: «لا نستطيع القول إنها انقرضت بل شكلها تغير، بعض العباءات لا تحتاج للخبن مثلما تحتاج العباية البحرينية الأصلية بل القص وهي أقرب لعباءات الكتف في الشكل»، وتضيف «مع ذلك العباءة البحرينية الأصيلة مازالت محافظة على شكلها التقليدي على رغم وجود عباءات رأس بموديلات جديدة» لماذا سميت هذه المهنة بخبان الدفيف؟، أجابت أم شهاب «لا أعرف لم سميت بخبان الدفيف، هذا ما فهمنا عليه وتعلمناه ولكن كان من المفترض أن نسأل أمهاتنا وجداتنا». مع كل هذا الصراع الذي تعيشه مهنة «خبّان الدفيف»، تصر أم شهاب على ممارستها حباً فيها، إذ تقول: «سأتركها إذا مرضت وعجزت عنها لا سمح الله، وفي الوقت الحالي الحمد لله أنا مرتاحة، ولا أفكر في تركها، وخصوصاً مع الفراغ الذي أعيشه، إضافة إلى كونه مصدر دخل بالنسبة لي، وحتى لا تندثر هذه المهنة يجب أن نعلم بناتنا عليها فهي مهنة الجدات وإرثهن». الخياطة مكية: مهنة متعبة والتخلي عنها صعب مرت عشرون سنة وهي ترافق مكينة الخياطة... الخياطة مكية عبدالحسين درست الخياطة لمدة سنة كاملة، وتعلمت فن «خبن الدفة»، فلازمتها حتى يومنا هذا على رغم مشقتها، وتقول: «أعشق الخياطة منذ طفولتي وبدأت أخبن العبايات بالمكينة قبل 20 سنة، لأنها أسهل بكثير من الخبن باليد، لكني قبل سنتين لجأت إلى خبّان الدفيف بيدي لأن غالبية زبوناتي معلمات ويفضلنّ ارتداء الدفة الحرير، وهذا النوع من القماش يفضل خبنه باليد، ويحتاج لدقة ووقت طويل يصل إلى يوم ونصف تقريباً خوفاً من تمزعه». وتشرح عبدالحسين طريقة «خبن الدفة»، بقولها: «في البداية أقوم بأخذ القياس على الزبونة بالشبر، وأحدده بوضع دبوس ثم أرسمه بالصابونة أو الطبشور، ومن ثم أجلس على الأرض وأقوم بطي الدفة طيتين لأتأكد من القياس، ثم أطويها أربع طيات وأواصل في تحديد القياس والتأكد من دقته مقدرة بذلك حجم الخبنة ومكانها، ومن ثم أبدأ بخياطتها بالمكينة أو باليد»، وتواصل «بعد الانتهاء من خياطتها ألبسها لأتأكد من قياسها وترتيبها، وعندما أكتشف أن الخبنة ليست مضبوطة القياس أقوم بإعادة خبانها من جديد». وعن أسعار الخبّان قالت: «سعر الخبّان ثابت بالمكينة بـ 700 فلس، واليد بدينار». وكيف تميزين بين خبن الخياطات في البيوت وبين الخبن في الأسوق؟، أجابت «هناك فرق كبير، فالدفة المخبونة في السوق تبدو من الأمام طويلة ومن الخلف قصيرة وغير متساوية الأطراف بعكس الدفة التي أقوم بخبنها». وأشارت في ختام حديثها معنا إلى أن عناء هذه المهنة سبب لنفور العديد من الخياطات في مزاولتها، بقولها: «الكثير من الخياطات لا يفضلن مزاولة مهنة خبّان الدفيف لأنها حقاً متعبة، وتحتاج إلى دقة كبيرة تصل إلى استخدام مختلف أنواع القياسات التقليدية كالشبر والكف والأصابع». ووصفت تردي صحتها نتيجة ممارسة هذه المهنة وهي مبتسمة «صحتي تأثرت كثيراً، ومستوى نظري تراجع، مع ذلك تبقى هذه المهنة هوايتي التي لا أستطيع التخلي عنها أبداً».