×
محافظة المنطقة الشرقية

غادة عادل: أتقمص شخصية رجل في «العهد»

صورة الخبر

لا شك أن الناس تتفاوت في تركيبها العقلي والفكري الذي يخولها لتكون من أهل الحرف أو لا تكون. والتأليف في الأصل بضاعة عقل الكاتب ينقلها لنا، فيعبر عن فكرة تشغله أو يكتب ويترجم لينال مالا. اليوم اختلفت المعايير في الكتابة ولو انتقلنا للغرب نعرف أن من الكتب الأكثر مبيعا في العالم وشهرة كتب المشاهير أو الكتب عنهم وتكون مؤلفة لهم أو عنهم بعد تقديم تفاصيل للكاتب أو لنقل هنا للصائغ للأفكار؛ وهنا المؤلف الحقيقي دوره شبه آلي. وتنجح هذه الكتب وتروج لا لجمال أسلوبها، بل لأهمية التفاصيل أو الأفكار التي صاغها المؤلف الغائب! لا أنسى الدكتور فل في برنامجه الشهير عندما استعمل أسلوبه في التهديد وهو يواجه أخت أحد المشاهير التي ألفت كتابا عنها في فترة وجيزة قائلا: نحن نعرف كيف تؤلف الكتب! طبعا الأخت كان من الواضح أنها من أبعد الناس عن الكتابة! وربما كان الدكتور فل كذلك! الكتابة في الغرب أحيانا يدخل فيها عامل المساعدة في التأليف بطريقة أو بأخرى، فقد شكرت مؤلفة روايات الذين ساعدوها من دار النشر على تأليف رواياتها وهنا سأنقل حرفيا ما قيل عنها: (بعد أيام من التكهنات حول ما إذا كانت المدوِّنة "زو ساغ"، المعروفة بـ"زولا"، هي مؤلفة رواية "فتاة أونلاين" الوحيدة، أم أنها كتبتها مستعينة بكاتب شبح، اعترف ناشرو الرواية بأن الكاتبة تلقت بعض المساعدة في كتابة روايتها الأولى التي حققت منذ نشرها نجاحا ملفتا). والرواية المذكورة كانت من الأكثر مبيعا العام الماضي. في مثل هذه القصة قد لا نستبين كمية المساعدة، ولكنها قد تكون في حدود المقبول من التهذيب والتعديل الفني وقد تكون الكاتبة مجرد اسم لا غير! الطريف أن التشكيك حول هوية المؤلفين يطال حتى أعظم الأسماء ولم يسلم منه حتى شكسبير! ضمن مؤلفاتنا القديمة نسمع عن كتب نقلت جهد أساتذة لكن من أصدرها تلاميذ نسبوا الفضل للمعلم، بل إن كلمة تأليف معناها تجميع مادة وتنسيقها، فهي اعتراف بالفضل لمؤلفين سابقين أو مادة جاهزة! الحقيقة أن لغتنا وأفكارنا تفصح عن وجودنا وغيابنا مما نكتب أو ندعي أننا كتبناه. بعض كتاب الصحف لدينا لا يزال يكتب من عقود ولو أمسكت بأول مقال له وقمت بمقارنته بآخر مقال ستعي أنه ببساطه هو هو أو غيره! حتى اللحظة ما زلت أتعمد ألا أذكر الأسماء لكن لنأخذ مشاهير لا يختلف عليهم اثنان الأول الراحل الرائع غازي القصيبي - رحمه الله -، لو تتبعنا كتبه سنجد فيها أدق تفاصيل حياته وتنقلاته التي لا يمكن أن يكتبها غيره بأسلوبه لا شعرا ولا نثرا، كما سنجد لغته السهلة الممتنعة من العنوان لآخر نقطة. وكان رغم انشغاله الشديد يجد وقتا لهذا الكم الثري من الكتب. علم آخر هو الدكتور عبدالله الغذامي لن تخونك تفاصيل حياته ولا أفكاره في حرف كتبه أو طبعه، فهو هو في الحداثة وفي صراعه مع الليبراليين وقبلها رافق حمزة شحاتة ونظريات النقد الغربي في الخطيئة والتكفير، وهو هو في ثقافة الأسئلة وكل ما خط حتى آخر مؤلف له عن تويتر - حفظه الله قلما وعقلا ورائد جيل -. أميمة الخميس في البحريات هي أميمة البنت وفي زيارة سجى كذلك بلغتها الأدبية التي لا يجيدها سواها وهي كذلك في غيرهما. دعوني أصل لما أريد فقد تنبهت قارئة ذكية لتغير أسلوب أحد الكتاب الذين يكتبون من سنوات طويلة وتجاوزه الذاتية المفرطة وتحوله لكتابة رصينة موضوعية لافتة فقالت: لا بد أنه قد استأجر كاتبا! التأليف في مجتمعنا من غير أهل الحرف مجرد وجاهة لا غير، فالمستأجر عقل غيره عاجز عن إثراء عقله وأسلوبه ليصبح كاتبا جيدا، وبالتالي هو لا يحسن اختيار ما يبتاع، فنجد المؤلف أو المؤلفة الدعيين يتباهيان بأسماء كتب من تأليفهما فيما لا يفقهانه ليصبحا من أهل الإبداع رغما عن أهله! مرض استشرى في السنوات الأخيرة فحتى من يريد أن يصبح فيلسوفا فليبحث عن مؤلف عربي يكتب له فيها! قبل سنوات أصدر أحد الأثرياء مجموعة من الكتب كان يتولى تأليفها له كتاب مستأجرون يحيطون به في مجلسه العامر، كان أحدهم ينتمي لجامعة عريقة وماتت الكتب قبل أن يموت صاحبها رغم جمال وفخامة الورق الصقيل الذي كانت تطبع عليه، ورغم دهشة العناوين التي لم ولن تكون من الأكثر مبيعا! المؤلف الخفي كالنائحة المستأجرة لا يكفي حاجة العقل ولا يشدك، لأنه يختفي خلف قناع يمنعه من أن يصل إليك، فهو يقوم بعمل من أجل المال فقط، ولو كان يكتب للعقل والمتعة لكان له شأن باسمه هو لا باسم غيره!