دفقة شعرية لافتة وكثافة إيقاعية ممهورة بالإيحائية والاستدعائية والحضور الضمني للغائب والحلمي، وذلك ما فعله الشاعر (حسين أحمد الزيداني) في قصيدته (ليل آخر لامرئ القيس)، فالقارئ يشعر بحموضة الزمن وتحجره وعقمه التدميري، حين لامس الشاعر مواطن الاغتراب والمجاهدة للخلاص من شواظ الواقع الحارق والانجراح الإنساني، وذلك بالامتزاج التاريخي والجلوس مع امرئ القيس والحديث معه، حول عبثية العصر المتنافر وقلق التمزق: "هموم بليل قد أطال تزمله.. وبالوهم أجرى دمعه وتوسله، يتيه بمسراه المراؤون خلسة.. ويغري به من بالحماقة أشعله، مددت له كفا من البوح أجتلي.. معارجه في الأفق كم هي مثقله"، تلمح في القصيدة الاتكاء الدلالي والإيغال الأسطوري ومساءلة (القيسي) واستحضاره، والولوج معه في حوار خاطف وإحالات فرضت سطوتها داخل مجموعة من الأفعال "يتيه، يغري، يلف، يصرخ، يرضع، تغتم، تلامس، تذوي، يقفر، يشعل، تحضن، يكسر، يستحث" حاول الشاعر التعاشق والتعالق مع الخفاء التراثي، ورصد الواقع من خلال حدة وصخب تلك الأفعال، وتوترها الدلالي وما تشيعه من تصادمية ورفض وحركة تتلبس النص: (وقلت له لما تمطی بصلبه.. وأعجزه المسری وباعد كلكله، "ألا أيها الليل الطويل ألا انجل".. وفك قلوبا في أساك مكبله)، تستشعر في توظيفه الشعري الرغبة في الاشتباك مع الزمن الحاضر، وتعرية تبدلاته وانشحاناته ومعضلاته، والميل إلى التنازع مع كينونته بحثا عن الخلاص والانفكاك من ترسباته عبر تمثلات الحياة، والانفتاح على الوجود واستطالاته: (ويشعل من جمر المجافاة جذوة.. تناوئ ذكرى في الفؤاد مزلزله، تعيد لي التاريخ يتلو صحيفة.. من الغيب والميراث أثقل كاهله)، النص متسربل بمفاهيم وقيم ضاغطة تتسم بلغة (ميثولوجية) وما يستتبع ذلك من قراءة وحس تصاعدي، يربط بين الحواس المعاشة والمخيلة وما يقبع فيها من شخوص استرجاعية، تتحدد قيمتها بما تفيض به من رمزية وتأثير وديمومة حضور، فالقصيدة تعكس عمق المأزق الوجودي وتداعياته؟ وانعدام المسافة بين الإدراكات الشعورية المتوالية داخل الكائن البشري المعاصر، والاستعاضة عن الواقع المرير وما يمثله من عطب وخيبة وانكسار: "وحتى متى والبئر تحضن يوسفا.. ويعقوب يرفو صبره وتجمله؟! وحتى متى والفجر يكسر ضوءه.. ظلام كئيب يستحث معاوله؟!"، الشاعر حسين الزيداني واحد من جيل شعري شاب، يتمثل الامتلاء الشعري المتشبع بالهوية التجديدية والالتحام مع قضايا العصر، ومنعطفات الحياة وإثارة الحدس والذاكرة، جيل يعتمد على موهبته العذبة والمدهشة، والدلالات المبتكرة والقبض على الجمال، ومقارعة الواقع بكل جرأة.