×
محافظة المنطقة الشرقية

مدير تعليم وادي الدواسر يلتقي الدارسين في حملة التوعية ومحو الأمية

صورة الخبر

كأن النظام الانقلابي السوداني «أخذ مقاولة» لتحقيق البرنامج التالي في السودان: ‌أ- اتفاقية سلام نيفاشا هي خريطة طريق للانفصال الذي تحقق في 2011. ‌ب- بعد انفصال الجنوب تركت ملفات أبيي، وجنوب كردفان، وجنوب النيل الأزرق معلقة وبقيت الفرقتان 9 و10 من الجيش الشعبي شمال حدود 1956 بين شمال السودان وجنوبه، وتجمعت نذر الاقتتال كما توقعنا، ولاحت فرصة لتجنبها بموجب اتفاق إطاري (مالك - نافع) في حزيران (يونيو) 2011، اتفاق يتناقض مع مشروع التفكيك لذلك أجهض واندلعت الحرب الأهلية معلنة تقرير المصير هدفاً. ‌ج- اشتعلت الحرب الأهلية في دارفور بشدة منذ 2003. وفي عام 2006 لاحت فرصة حقيقية لإبرام السلام، فقد أفلحت وساطات دولية بقيادة نيجيرية عام 2006 في ترتيب محادثات سلام بين حكومة السودان (المؤتمر الوطني) وحركتي المقاومة المسلحة في دارفور، وهما حركة تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في أبوجا في شهر أيار (مايو) 2006، وكان يقود فريق الحكومة المرحوم مجذوب الخليفة. ومع أن العلاقة بيننا وبين النظام يومذاك كانت في أسوأ حالاتها، اتصل بنا د. مجذوب وطلب مقابلتي فدعوته إلى العشاء معي في نيسان (أبريل) 2006. قال لي: أنا سوف أسافر لأبوجا لمحادثات سلام دارفور ورأيت أن أستشيرك رغم الظروف. قلت له يا أخي نحن ضدكم (لسنا ضد الوطن) من الناحية السياسية، لو وجدناكم في نار لكان من حقنا سياسياً أن نزيدكم وقوداً، لكننا كوطنيين نريدكم أن تنجحوا في وقف الحرب فإن الضحايا من الجانبين إخوتنا، وأهل دارفور عانوا ما لا يطاق. أنصحك بثلاث إن قلتها لهم أؤكد لك أنهم يقبلونها ويبرم السلام هي: الأولى: في ما يتعلق بالإقليم واحد أم ثلاثة، وفي ما يتعلق بالمشاركة في رئاسة الدولة، وفي ما يتعلق بإدارة الحواكير، وفي ما يتعلق بحدود دارفور مع سائر ولايات السودان. راجعوا ما اتخذتم من تغييرات وعودوا بالحالة إلى ما كانت عليه عام 1989 قبل الانقلاب. هذه واحدة. والثانية: في ما يتعلق بالنازحين واللاجئين من أهل دارفور التزموا لهم بتعويضات فردية (ما خسره الأفراد) وجماعية (ما دمر من المنشآت) على أن يعودوا إلى قراهم الأصلية آمنين. والثالثة: أن يتخذ قرار بأن يكون نصيب أهل دارفور في السلطة والثروة بنسبة حجم السكان، وأن ينص على هذه الالتزامات في الدستور. قال لي: لا نستطيع قبول هذه النصيحة لأنها تتعارض مع ثوابت «الإنقاذ» ومع ثوابت اتفاقية السلام 2005. قلت له إذاً احتفظوا بأبقاركم المقدسة ولكن لن يتحقق السلام. وعلمت من مفاوضين في المحادثات أنه لو وافقت الحكومة على هذه الآراء لأمكن إبرام اتفاقية سلام لدارفور في أيار 2006. قال لي ذلك د. خليل إبراهيم، رحمه الله، والفريق إبراهيم سليمان. الشاهد، أن الاتفاقيتين المبرمتين في أبوجا في أيار 2006، وفي الدوحة في تموز 2011، لم تحققا إلا اتفاقاً جزئياً واستمرت الحرب، حتى يومنا هذا. سياسات النظام التي تبرم اتفاقيات سلام ناقصة لا تخاطب أسباب النزاع الحقيقية وتواصل الحرب باعتماد أساسي على التباين الاثني، وهي بذلك تعزز من المطالب الانفصالية. ‌د- في شرق السودان وجدت منذ الخمسينات حركة جهوية مطلبية (مؤتمر البحة) ولكن لم تكن هناك بندقية واحدة موجهة ضد الحكومة المركزية، هذا الوضع تغير في عهد النظام الانقلابي واندلع عمل مسلح في جبهة شرق السودان ووجد ملجأ لوجيستياً في إريتريا. وفي تموز (يوليو) 2006 أبرمت اتفاقية سلام الشرق في رعاية إريترية في أسمرة، الاتفاقية كالعادة محملة بالوعود ومدعمة بالمحاصصة لكنها لم تخاطب الأسباب الحقيقية للنزاع. والنتيجة أن السلام المبرم هش وكل الدلائل تشير إلى انهياره الوشيك. ‌هـ- في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، تكونت الجبهة السودانية الثورية وضمت في صفوفها الحركات الدارفورية المسلحة، والحركة الشعبية (الشمالية) وآخرين، بهدف تحرير البلاد من النظام الحاكم بالوسائل الثورية، وتحقيق تقرير المصير للمناطق المهمشة. ‌و- الحركة السياسية الديموقراطية السودانية تعمل على إقامة نظام حكم جديد يحقق السلام العادل الشامل ويقيم نظاماً عادلاً في إدارة التنوع وعادلاً في إنصاف أهل المناطق السودانية جميعاً في سودان عريض ديموقراطي وعادل. وفي آب (أغسطس) عام 2014، اتفقت قوى سياسة سودانية مرجحة: حزب الأمة والجبهة الثورية بموجب إعلان باريس. لو أن النظام الانقلابي في الخرطوم يزن الأمور بالوطنية أو حتى بالعقل لقبل إعلان باريس، لا سيما في مبادئ: وقف إطلاق النار، والعمل من أجل النظام الجديد بوسائل سياسية، والتخلي عن مطلب تقرير المصير إلى مطلب سودان واحد عادل. لكن النظام، بوعي منه أو بغير وعي منه، مدفوع في اتجاه تفكيك السودان، لذلك رفض إعلان باريس. ولأنه رفضٌ لا يعقله وطني التمس أكاذيب لتبرير الرفض بأنه إعلان بمساعدة إسرائيلية. وعندما اتضح زيف الاتهام جاء بكذبة أكبر بأن إعلان باريس غطاء لاحتلال الفاشر ثم التحرك ضد الخرطوم! كيف يمكن مثل هذا العمل أن يكون سرياً، وكيف يعقل ذلك حتى من الناحية العسكرية البحتة؟ أكاذيب يبرر بها النظام سيره في اتجاه تفكيك الوطن. ‌ز- وبعد إعلان باريس استطاع الوسيط الأفريقي السيد امبيكي أن يوقع مع الأطراف السودانيين كافة، بمن فيهم ممثلو (7 + 7) المحاورين في ظل نظام الخرطوم، إطاراً للحوار من 8 نقاط في أيلول (سبتمبر) 2014، ثم اعتمد اجتماع مجلس الأمن والسلم الأفريقي كل التطورات الإيجابية في شأن الحوار السوداني في اجتماعه الرقم (456)، واقترح المجلس الدعوة إلى لقاء جامع في أديس أبابا للتحضير للحوار الوطني في نهاية آذار (مارس) 2015، ثم اتسعت جبهة المستقبل الوطني بموجب نداء السودان في أديس أبابا في كانون الأول (ديسمبر) 2014، ودخلت الحكومة الألمانية على الخط لتسهيل المهام وإنجاح المؤتمر المقترح بعقدها لقاء برلين في شباط (فبراير) 2015. كل ذلك استعداداً للقاء التحضيري، ولكن هيهات! فبعد أن وافق النظام الانقلابي على حضور الاجتماع من دون شروط مسبقة وكذلك وافقت قوى نداء السودان وفوضت ممثليها، تغيب النظام مؤكداً استمراره في برنامج تفكيك الوطن، أو لأن الله يحاسبه على سوء نواياه وسوء أعماله: (وَأَمَّا مَن بَخلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) - سورة الليل، الآيات 8 و9 و10. هكذا حقق النظام السوداني أعلى درجة من تمزيق النسيج الاجتماعي السوداني وأعلى درجة من الاستقطاب في الجسم السياسي السوداني. كفاءة في تدمير الإدارات العامة كانت كفاءة النظام الانقلابي في تدمير مؤسسات الدولة الوطنية في السودان عالية للغاية: ‌أ- بدأ النظام بمذبحة القضاء فطرد القضاة الملتزمين بالمهنة وأخضع القضاء لكوادره الحزبية. ‌ب- كذلك أبعد من الخدمة المدنية العناصر الملتزمة بحياد مهنتها، ووضع قيادة الخدمة المدنية مركزياً وولائياً في أيدي كوادره الحزبية. ‌ج- وهجم على الإدارة الأهلية بمشروع الموالاة الحزبية والتدجين فأفقدها احترامها الذي هو أساس سلطتها. ‌د- وبصورة واضحة خرب النظام مؤسسات الاستثمار الاقتصادي الوطني كافة: المشاريع المروية، والسكة الحديد، والنقل البحري، والنقل الجوي، والنقل النهري. ‌هـ- وعندما أتاحت ظروف معلومة استغلال نفط السودان ما حقق للموازنة دخلاً لمدة 10 سنوات لا يقل عن (6 - 10) بليون دولار سنوياً وكان بالإمكان أن تحقق للبلاد طفرة تنموية، فإن النظام تفنن في تبديدها بصورة أشبه ما تكون بحالة الوارث الطائش. النظام في عقد النفط أهمل الزراعة، وحطّم البنيات التحتية للمشاريع المروية (مثال مشروع الجزيرة). واعتمد النظام على استيراد الغذاء (2,4 بليون دولار أميركي في 2014). هاجر الناس من الأرياف المنتجة إلى المدن المستهلكة وتركزوا في الخرطوم. استيراد القمح ارتفع من ربع مليون طن في 1988 إلى أكثر من 2 مليون طن في 2014، وهذه أيضاً سياسة أميركية: أن تعتمد الشعوب في غذائها على القمح المستورد. ندرس الآن وسوف ننشر حجم الإيرادات النفطية التي دخلت الخزينة السودانية وفي ما صرفت، وسننشر الحقائق إن شاء الله. قال لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا في وقته: «هنالك أنابيب خفية تنقل مداخيل الإيرادات النفطية إلى جيوب الفاسدين». ما حدث في السودان في هذا الصدد سيثبت صدق هذه العبارة. ‌و- زعم الانقلاب في بيانه الأول مزاعم كثيرة حقق عكسها تماماً، ومن تلك المزاعم الاهتمام بدعم القوات المسلحة. العسكرية تقوم على تراتبية هرمية محكمة، من الجندي إلى القيادة. هذه التراتبية يحكمها قانون القوات المسلحة كقوات نظامية ولوائح عسكرية وتقاليد محكمة، الهدف الأول: هو تجريد القوة من أية انتماءات ذاتية تتعارض مع الولاء للمؤسسة العسكرية، والهدف الثاني: هو تحقيق الضبط والربط بصرامة. ما لم تتحقق هاتان الصفتان فلا يمكن قوة أن تسمى نظامية. ابتعاد القوات المسلحة من الانتماء الحزبي وخضوع الترقيات لدورات ومؤهلات محددة من لوازم هذا الانضباط. الانقلابيون حتماً يخرقون هذه القواعد، ويلتزمون خطاً سياسياً حزبياً معيناً، بموجبه يفصلون من الخدمة من لا تنطبق عليهم هذه الصفة، ويعبثون بالترقيات وفق الهدف السياسي فتصبح الترقيات فارغة من مضمونها العسكري. أكفأ ضباط وصف ضباط القوات المسلحة السودانية اليوم خارج الخدمة داخل السودان وخارجه، والألقاب التي منحت لكثير من الملقبين حالياً، هي ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد! الدستور السوداني لعام 2005 الذي حظي بدرجة من المشاركة نص على أن يكون جهاز الأمن القومي لجمع المعلومات، ولتحليلها، ولتقديم المشورة ولا يقوم بأية مهام تنفيذية. تعديلات أو تشويهات الدستور الصادرة في كانون الثاني (يناير) 2015 ألحقت قوات الدعم السريع بقيادة جهاز الأمن وسمتها قوة نظامية. إن لعبارة «نظامية» استحقاقات غير متوافرة في هذه القوة التي كونها مقاولو أنفار مقابل كذا جنيه للرأس، ويعطي مقابل الخدمة مبلغ كذا جنيه، خالية من انضباط الجندية، لذلك حيثما وجدوا أثاروا غضب المواطنين سكان المنطقة، فيطلبون إبعادهم فوراً. هذه القوة ليست لها عقيدة قتالية جامعة كالقوات النظامية، لا تربطها إلا عصبية قبلية ومنفعة مالية، وتدريبهم وتأهيلهم وتكوينهم لا يمكنهم من ممارسة القتال بالضوابط المعروفة. تزجهم للقتال قيادة سياسية لم تعد مهتمة بتجاوز القانون الإنساني الدولي لأنها مطلوبة للعدالة الجنائية الدولية، فكأنما سلوكها يقول: أنا الغَريقُ فَما خَوْفي من البَلَلِ! سياسات التحريض وأخطر ما في الأمر هو أنهم يحشدون بمفاهيم تحريض إثني... إن الذين يقاتلونهم هم من الإثنية الأخرى في السودان! هذا النهج فيه العيوب الآتية: ‌أ- إنه يخل بالتوازن القبلي في البلاد داخل القبائل العربية وبينها وبين القبائل الأفريقانية. ‌ب- إنه ينشر السلاح بصورة غير مسبوقة، فما يصرف من سلاح للقوات النظامية يرد حتماً بعد المهمة، ولكن ما يصرف لهم من سلاح لا يرد، بل من حقهم أن يحتفظوا بأية أسلحة غنموها في القتال. هكذا انتشر السلاح بصورة هائلة في البلاد. ‌ج- المهام التي يقومون بها هي مهام القوات المسلحة، ما أدى إلى تغييب القوات المسلحة عن دورها. ‌د- هذه القوى لا تخضع لأية ضوابط، فلا زعيم القبيلة ولا غيره يراقبها، ما أدى إلى ظاهرة أمراء الحرب ذوي الأجندات السياسية، حتى عندما يقودهم ضباط من القوات المسلحة فكلمتهم غير نافذة ولا يوجد ما ينبغي من تآلف بين الضابط وجنوده. ظن بعض الناس أن نقدنا لهذه القوة سببه عداء لها. هذا غير صحيح فنحن نعتبرهم أهلنا بأكثر من معنى، لكنا نشفق عليهم. إن الذين يستغلونهم في أغرضهم السياسية مهما أعطوهم من أموال لن يحموهم من الملاحقات الجنائية الدولية التي تقود إليها أعمال قتالية غير منضبطة، كما أن هذا الاستغلال يعرضهم لاكتساب عداوات مع أبناء عشائر يشاركونهم الإقليم وينبغي أن يسود بينهم الاحترام والتراحم. ومن مساوئ هذه الممارسات أن انتشار السلاح بغير انضباط سيجعل الأفراد يعتبرون رزقهم تحت ظل سلاحهم وينفرون من أي عمل مدني لكسب العيش بمقولة «بالكلاش نعيش بلاش». السلاح المنتشر الآن في البلاد مع وجود عصبيات قبلية، وغياب كوابح الانتماءات القومية التي أضعفها النظام، وسلطة الإدارات الأهلية التي دجنها النظام يؤدي إلى اقتتال مستمر لسببين، الأول: عدم وجود انضباط تنظيمي أو سياسي، والثاني: عدم إمكان جمع السلاح فكل اتفاقيات السلام التي أبرمت أوجبت جمع السلاح، لكن هذا صار مستحيلاً بل سياسات النظام زادت من انتشار السلاح. والمؤسف أن كوادر النظام بعد أن ضعف تنظيمهم السياسي وتفكك إلى عناصره الأولية صارت تستنصر بالولاءات القبلية، بل تدعم عشائرها بالمال والسلاح ليكونوا لها سنداً في الصراع على المناصب. القتال الآن ممتد بصورة نشطة أو محتملة على 14 جبهة في غرب السودان هي: المعاليا والرزيقات، والمعاليا والحمر، والرزيقات والهبانية، الرزيقات والمسيرية، البرتي والزيادية، المحاميد وبني حسين، السلامات والقمر، الفلاتة والهبانية، الفلاتة والمساليت، أولاد هيبان وأولاد سرور، الزيود وأولاد عمران، والسلامات والفلاتة، والبنى هلبة والقمر. هذه القبائل من أخلص أهل السودان وممن قاموا بدور مرموق في حركة تحرير وتوحيد السودان الأولى – المهدية - وفي حركة تحرير السودان الثانية: الحركة الاستقلالية. وعلينا جميعاً أن نعمل بكل الوسائل على عقد الصلح بينهم وسنفعل، لكن مسؤولين في النظام يؤججون الاقتتال خدمة لأطماعهم وتصديقاً لمقولة أن مشكلة دارفور قبلية وليست سياسية كما صار يدعي نظام الخرطوم. النتيجة الكبرى هي أن قوى الهيمنة الدولية بتحريض صهيوني، استغلت أطماع قوى متعطشة للسلطة للاندفاع ببرنامج إسلامي الشعارات من دون مراعاة للواقع ومن دون دراسة للإخفاق، باسم الشعار الإسلامي للرد على مقولة الإسلام هو الحل، واستغلالهم طرح أجندة حزبية إسلاموية في بلد متعدد الأديان، والإثنيات، والثقافات، بصورة فوقية مستفزة لتحريك تيارات الطرد من المراكز الانفصالية. كل من يؤيد النظام الحالي في السودان أو يعطيه شرعية إنما يتحمل معه وزر هذا التدمير للوطن السوداني. وحتى إذا لم يفعل الرافضون هذا النظام أي شيء ضده، فإن قيادة النظام ستظل ملاحقة دولياً وغير مقبولة شريكاً في أية مشروعات لإعفاء الدين الخارجي على السودان وحجمه 48 بليون دولار، وغير مقبولة شريكاً في مفاوضات لرفع العقوبات الاقتصادية التي تكلف البلاد 750 مليون دولار سنوياً، وغير مستحقة للدعم التنموي الأوروبي الذي يخسر السودان بسببه 350 مليون دولار سنوياً وليست مؤهلة لرفعها من قائمة الدولة الداعمة للإرهاب، وتتحاشى الوفود الدولية مقابلة رأس الدولة عند زيارتها الخرطوم، في صفعة لكرامة الدولة وسيادتها. وسيظل النظام مستنزفاً في حروب مستمرة بقوة الدفع الكامنة، وسيظل النظام معزولاً شعبياً، وسيظل النظام معزولاً دولياً. في ظروف العجز الاقتصادي وارتفاع الدين والعقوبات الاقتصادية والحظر المصرفي والعزلة الدولية، ستتفاقم المشكلة الاقتصادية. وهناك مؤشرات إلى أن الموقف الأميركي الذي كان يتبنى السلام «بالقطاعي» أو الاتفاقيات الثنائية والجزئية مع فصائل المقاومة المسلحة لتقسيم البلاد، تبدل، لأن تجربة انفصال الجنوب كانت فاشلة، ولأن استمرار النظام أصبح مهدداً المصالح الأميركية في المنطقة (تهديد استقرار دولة الجنوب، خلق بيئة مواتية لتفريخ الإرهاب). هذه العوامل وحدها قادرة على إحداث تفجير داخل النظام حتى إذا تقاعد رافضوه. تغيير وخيم العواقب إن وقوع إطاحة هذا النظام من داخله ولأسباب موضوعية ذكرنا بعضها وارد بأكثر مما يتوقع كثيرون، لكن هذا النوع من التغيير غير مأمون العواقب. لذلك، صار الواجب الوطني الآن ومن دون أي تأخير، أن يتنادى كل الذين أدركوا جسامة الأخطار التي يقود النظام بها المصير الوطني، أن يتنادوا لتكوين جبهة عريضة تضم جماعة إعلان باريس، ونداء السودان، والقوى المنسحبة كافة من حوار 7 + 7 العقيم، وغيرهم من الذين شدهم الهدف نحو نظام جديد يحقق السلام العادل الشامل والتحول الديموقراطي الكامل. هذه الجبهة العريضة ينبغي أن تجمع بين مكوناتها وحدة الهدف لا وحدة الصف، وحدة المسيرة لا وحدة المسار، لتحتفظ التكوينات المختلفة بنظمها، مع الإقبال على تكوين آلية تنسيقية جامعة بأي اسم مختار اقترحنا له «جبهة قوى المستقبل الوطني». ونقترح أن يتفق الجميع على ميثاق وطني يحدد معالم السلام العادل الشامل والتحول الديموقراطي الكامل ونظام الحكم الانتقالي المنشود، ويحدد أسس دستور الحكم الجديد والطريقة المثلى لكتابته. سنواصل العمل مع الجميع على تحقيق هذه الأهداف الوطنية، ونرجو أن تكتمل هذه المهمة في ظرف شهرين حتى نبشر أهلنا في السودان وخارج السودان في حشود شعبية كبيرة بالصباح الجديد لسودان المستقبل العريض. الشعب السوداني سدد لنظام الخرطوم ضربة قوية بالقوة الناعمة في انتخابات 2015 العبثية، كانت اللطمة الأولى هي ما خسره النظام نتيجة الهروب من منبر أديس أبابا المحظور أفريقياً ودولياً، ثم لطمة تعرية النظام في الانتخابات. والمطلوب الآن الانتقال من حملة «ارحل» الناجحة، إلى حملة «اعتصم»، و «اضرب» (من الإضراب العام)، ثم «انتفض» تحضير متطلبات نجاح الانتفاضة التوأم الثالث لتشرين الأول (أكتوبر) 1964 ونيسان 1985. الأسرة الدولية لن تكون ولا ينبغي أن تكون شريكاً لنا في خريطة الطريق للانتفاضة الشعبية السلمية وغير المستنصرة بالأجنبي، وفي الإطار الأفريقي، والأوروبي، والتوريكا، بل القوى كافة الملتزمة بمنظومة حقوق الإنسان الدولية فإنهم يتطلعون إلى برنامج يمكنهم أن يعلنوا تأييده لتحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديموقراطي الكامل. أرجو أن نخاطبهم بلسان واحد بأننا على استعداد لحوار وطني جاد باستحقاقاته، واستحقاقاته هي: أولاً: أن يعلن النظام من طرف واحد إطلاق سراح المعتقلين، وتنفيذ اتفاقية الإغاثة الإنسانية الثلاثية، وكفالة الحريات العامة، ووقف إطلاق النار، والاستعداد لقبول مراقبة دولية لتنفيذ ذلك. ثانياً: أن يجتمع مجلس الأمن والسلم الأفريقي ويتبنى إعلان مبادئ للسلام والاستقرار في السودان وإعلان مبادئ السلام العادل الشامل والتحول الديموقراطي الكامل، وأن يجدد ثقته في آلية الوساطة الأفريقية بعد تقويتها وتوسيع مشاركتها، وأن يتبنى الاعتراف المتبادل بين الطرف الحكومي السوداني والطرف الوطني المطالب بنظام جديد بالصورة التي يقررها هؤلاء، وأن يوصي المجلس باجتماع الطرفين السودانيين في مؤتمر قومي دستوري لإبرام اتفاقية سلام عادل وشامل، ومرحلة حكم انتقالي، ونظام حكم ديموقراطي للبلاد، وأن يوصي إذا تحقق ذلك باقتراح معادلة لمسألة المحكمة الجنائية الدولية توفق بين العدالة الجنائية والعدالة الوقائية، وأن يوصي المجلس بأنه في حال اتفاق أهل السودان على مشروع السلام العادل الشامل والتحول الديموقراطي الكامل تعفى ديون السودان الخارجية، وترفع العقوبات الاقتصادية، ويفرج عن الدعم التنموي للسودان ويرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب لتتمكن إدارة السودان القومية من بناء السلام وبناء الوطن. توصيات مجلس الأمن والسلم الأفريقي هذه التي يصدرها ترفع كتوصيات لمجلس الأمن ليتخذ المجلس بها قراراً تحت الفصل السابع. حينئذ فقط يمكن قوى المستقبل الوطني بكل مكوناتها الدخول في حوار وطني جاد. هذا السيناريو يمكن أن نقبله إذا قرره مجلس الأمن، لكنه ليس في يدنا فما في يدنا هو الانطلاق من تعرية النظام في الانتخابات الأخيرة إلى المراحل المتقدمة: اعتصم، اضرب، وانتفض، وهي خطوات من القوة الناعمة أثبتت حملة «ارحل» جدواها. ومن جانبي قدمت اجتهاداً أرجو أن يحظى بالاهتمام راجياً أن يشحذ همتنا الوعد: (إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ) سورة الرعد، الآية 11. وكما قال الهادي آدم: إذَا التَفَّ حَوْلَ الحقِّ قَوْمٌ فَإنّهُ يُصَرِّمُ أحْدَاثُ الزَّمانِ وَيُبْرِم. * رئيس حزب الأمة. آخر رئيس وزراء في سلطة سودانية منتخبة