ساد «حبْس أنفاس» في لبنان قبل يومين من جلسةٍ «فاصلة» لمجلس الوزراء إما تضرب معادلة ان حكومة الرئيس تمام سلام «خط أحمر» وإما تطلق مرحلة اعتراض يراوح بين أكثر من عرقلة وأقلّ من اعتكاف، فيما يبدو «لغم» بلدة عرسال متجهاً الى «التجزئة» في محاولة لمنْع انفجاره وتالياً تفادي اي تشظيات مذهبية وسياسية له يمكن ان تعطّل «المكابح» التي حالت حتى الآن دون انزلاق البلاد الى الأتون الذي تعيشه المنطقة. فغداة جلسة ترحيل ملفيْ عرسال والتعيينات الأمنية الى يوم الاثنين، لفّت الضبابية مسارهما ومعهما مصير الحكومة بعدما لوّح تحالف زعيم «التيار الوطني الحر» - حزب الله بأن وزراءهما لن يناقشوا أي جدول أعمال جديد ما لم تُحسم مسألتان: الاولى تَلازُم تعيين المدير العام لقوى الامن الداخلي (يحال على التقاعد الخميس المقبل) وقائد الجيش (تنتهي مهماته في سبتمبر) ورفْض اي تمديد للواء ابراهيم بصبوص بما يعني التمديد للعماد جان قهوجي على رأس المؤسسة العسكرية وقطع الطريق تالياً على صهر عون العميد شامل روكز لتولي هذا المنصب. والثانية صدور قرار سياسي للجيش اللبناني بتحرير جرود عرسال من المسلحين السوريين، وهو ما تعتبره قوى 14 آذار محاولة لجرّ الجيش الى معركة القلمون السورية من المقلب اللبناني لحسابات تتصل برغبة النظام السوري في تأمين الطريقين الدوليّيْن دمشق - حمص ودمشق - بيروت وتالياً إبقاء «الخطة ب» للرئيس بشار الاسد قابلة للحياة هي التي تقوم على التحصن في «شريط علوي» يمتد من دمشق الى اللاذقية مروراً بطرطوس وعبر حمص الى حماه. وفيما لم يتضّح أفق الانتشار الذي بدأه الجيش اللبناني اول من امس داخل عرسال وقرب مخيمات النازحين السوريين (عددهم يناهز مئة الف) وإن كان كثيرون اعتبروه بمثابة «احتواء» لمناخ الاحتقان السائد على خلفية هذا الملف، بدت قضية التعيينات ايضاً عالقة عند اتصالات ربع الساعة الأخير سواء للفصل بين ملفيْ قيادة قوى الامن الداخلي وقيادة الجيش او حتى استكشاف امكان تأمين التوافق الصعب على تعيين العميد روكز قائداً للجيش، وهو ما ذكرت تقارير انه كان مدار اتصال أجراه النائب وليد جنبلاط بالرئيس سعد الحريري وان الأخير سمع من الزعيم الدرزي دعوة في هذا الاتجاه. وبانتظار اتضاح كل خيوط الاتصالات التي تجري على مختلف الخطوط، لم تشاطر مصادر وزارية بارزة عبر «الراي» المخاوف من وجود نية لدى «حزب الله» وعون لافتعال أزمة كبيرة عشية زيارة الرئيس تمام سلام للرياض يوم الثلاثاء، بما يستعيد مشهد إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في يناير 2011 خلال لقاء كان يعقده مع الرئيس الاميركي باراك اوباما. وبحسب هذه المصادر، فان مسار جلسة مجلس الوزراء الخميس والذي كان يشي بامكان حصول «انفجار» اتخذ منحى مفاجئاً بمبادرة من الوزير وائل ابو فاعور (من كتلة جنبلاط) الذي طرح بحث بنود مهمة تتصل بشؤون الناس قبل التطرق الى قضيتي عرسال والتعيينات الامنية اللتين نوقشتا بهدوء ورصانة وجرى الاتفاق على استكمال بحثهما الاثنين في ضوء طلب 9 وزراء الكلام. وأشارت هذه المصادر الى ان اتصالات سياسية سبقت جلسة الخميس وأمّنت تثبيت قاعدة منْع انهيار الحكومة، مرجّحة ان لا يعمد وزراء عون و«حزب الله» الى الاستقالة ولا حتى الى الاعتكاف، ولافتة الى مناخ يوحي بمحاولة لـ «حفظ ماء الوجه» للعماد عون على قاعدة ان يلجأ، بحال التمديد المرجّح للواء بصبوص، مرّة الى مقاطعة جلسة وزارية وأخرى ربما الى تعطيل قرارات ودائماً تحت سقف منع سقوط الحكومة التي تبقى «الملاذ الأخير» المؤسساتي والتي تعكس القرار الاقليمي - الدولي بعدم انهيار لبنان. واستشهدت هذه المصادر بكلام رئيس البرلمان نبيه بري عن الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل» وقوله ان «هذا الحوار يحظى برعاية ايرانية وسعودية ولن يكون في امكان احد ان يعطله وهو مسلّمة المسلمات»، لتشير الى ان موجبات «ربْط النزاع» التي حتّمت تشكيل الحكومة الحالية ثم انطلاق الحوار لا تزال سارية حتى إشعار آخر. وفي موازاة ذلك، بقي الوضع في عرسال تحت المعاينة وسط قراءتين لخطوة انتشار الجيش فيها، الاولى اعتبرت الأمر في سياق تأكيد ان عرسال ليست «تحت الاحتلال» وان وجود الجيش فيها هو مقدمة لقطع اي تواصل بين مخيمات النازحين والجرود بما ينزع فتيل التفجير في هذه المنطقة، والثانية رأت ان ما يجري هو في إطار فصل عرسال البلدة عن الجرود بما يسهّل على القوى المهاجِمة للمسلحين السوريين مهمّتها العسكرية في هذه الجرود ويجنّب إظهار «حزب الله»، فيما لو لم يَصدر قرار للجيش بالتصدي للمسلحين، على انه يعتدي على بلدة عرسال. وكانت لافتة امس الزيارة التي قام بها النائب جمال الجراح (من كتلة الرئيس الحريري) على رأس وفد من أهالي عرسال لوزير الداخلية نهاد المشنوق، مؤكداً ان «الدولة بجشيها وقواها الأمنية موجودة في عرسال، وهناك حملة على البلدة التي يريد البعض استخدامها لاستهداف الجيش سواء للوصول الى مراكز او للتعويض عن الفشل في القلمون وحفظ طريق دمشق بيروت». واذ شدد على ان «اهالي عرسال ليسوا طريقا لاي موقع، وقائد الجيش العماد جان قهوجي واجه الارهاب في كل المناطق»، حذّر من ان «استخدام عرسال في الخلاف السياسي وللهجوم على الجيش وقائده شيء خطير، واول من سيحترق بالفتنة المذهبية مَن يحرض عليها»، معلناً: «عرسال ليست جزيرة وحدودها عكار وسعدنايل وبيروت». وفي حين اشار الى ان المسلحين الذين يحكى عنهم موجودون «في اعالي جرد عرسال، وليس معروفا ان كانوا ضمن الاراضي اللبنانية او السورية في ظل الحدود غير المرسمة»، اكد ان «البعض يريد توريط الجيش في معركة ليس لها أساس والجيش وقائده اكدا الاستعداد للتصدي لأي مسلح يدخل الاراضي اللبنانية ويعتدي عليها».