حين يُصدر تنظيم إرهابي مطبوعة باللغة الإنجليزية يُكرسها لما يشبه الإعلانات المبوبة لأسواق النخاسة، ويقدم عيّنات مضادة للإسلام ولكل الأديان، فإن ذلك بحدّ ذاته يكفي للدلالة على أن المهمة القذرة هي تشويه الإسلام، ونزع دَسَمِهِ الأخلاقي، وحشوه بالسّم، وما تنشره مطبوعة دابق بالإنجليزية يعطي لأكثر المستشرقين تطرفاً في تقويل الإسلام ما لم يقله المزيد من الذرائع، بل ينوب عنهم في مواصلة التشويه والتحريف. إنه وضوح ما بعده وضوح في الهدف الذي يسعى الإرهاب العابر للحدود إلى تحقيقه على مراحل، فالبداية كانت استدراجاً واستخداماً ماهراً للطُّعم في خطاب ملغوم. ثم كانت المرحلة الثانية وهي الجهر بما كان مهموساً على درجة من التحفظ، ثم جاءت المرحلة الثالثة فكانت ثالثة الأثافي حسب تعبير أجدادنا العرب، بحيث أخرج السكين من الغمد وسال السّم من خطاب مشحون بمفردات الكراهية والإقصاء والنّبذ، والمشاهد التي رآها الملايين وربما المليارات على الشاشات ليست بحاجة إلى وسائل إيضاح أو حتى تعليقات، فالسكين واضح وكذلك الرقبة. والتكفير مباشر وحاسم وكأن من يمارسونه احتكروا الإيمان كله، والحقيقة عكس ذلك تماماً، فهذا المستوى من التوحش لم يعرفه التاريخ إلا نادراً وفي حروب دينية جعلت من العقائد أقنعة لإخفاء استراتيجيات منها الاقتصادي الباحث عن مجالات حيوية للتمدد، ومنها الانتقامي الثأري الذي يرى في الآخر عدواً لمجرد أنه ليس نسخة منه. إن أكثر المستشرقين عداء للإسلام لم يذهبوا إلى هذا الحد من إعادة إنتاجه، لكن سوسة الخشب أخطر من المنشار لأنها تقضم أحشاءه من الداخل، وتقدم خدمات مجانية لمن يريد أن يحكم على رداءة الخشب المبتلى بهذا السوس الأعمى. لكن لماذا تصدر هذه المطبوعات ذات الأسماء المنتزعة من صُلب تاريخنا بلغات أخرى؟ أمِن أجل أن يصبح العداء للإسلام معولماً؟ ويتحقق الهدف المنشود أخيراً وهو التجريف الجذري للنصوص والمرجعيات! نعرف أن مثل هذه الموجات رغم أنها قد تكون عاتية في بعض الأحيان وتغرق الكثير من الزوارق ذات الأشرعة فإنها أشبه بجملة معترضة في كتاب التاريخ، لأنها أخيراً تأكل نفسها ولأن بذرة موتها وفنائها تولد معها. فهي مضادة للمنطق ولكل ما هو بشري ولو قيّض لها أن تستمر في التايخ لما كان هناك إنسان على سطح هذا الكوكب.