هذه شخصية أمريكية ودودة أحبت السعودية وانغمست في عاداتها وتقاليدها وتعلمت العربية فبادله أهلها، ولا سيما أبناء المنطقة الشرقية الذين عمل وسطهم، الود بالود، بل اطلق عليه مرؤسوه من أبناء القطيف والأحساء أحد الأسماء الشائعة في أوساطهم وهو باقر. ورغم مرور نحو نصف قرن على مغادرته الظهران حيث عاش ردحا طويلا من عمره متقلدا وظائف ومناصب مختلفة في شركة أرامكو، فإن من عاصر صناعة الزيت في الظهران وما جاورها في ستينات القرن المنصرم يتذكر محياه الباسم ويتذكر حرصه على الإطلالة عليهم مرتين كل عام من خلال شاشة تلفزيون أرامكو ليقدم لهم بالعربية الفصحى الممزوجة بلكنة أمريكية تهنئته الشخصية بعيدي الفطر والأضحى. الحديث هنا هو عن توماس تشارلز بارقر الذي تولى رئاسة ارامكو من 1961 إلى 1969 خلفا لمواطنه نورمان هاردي الذي شغل المنصب من 1959 إلى 1961، فكان بارقر بذلك سادس رئيس أمريكي للشركة ضمن عشرة رؤساء أجانب ابتداء من هاري كولبر الذي شغل المنصب مرتين (1940 ـ1941 ثم 1944 ـ1951)، وانتهاء بـجان كلبرر (1978 ـ 1988) الذي خلفه المهندس علي النعيمي كأول شخصية سعودية تقود الشركة العملاقة. وقصة بارقر مع الزيت والقدوم للعمل في حقول النفط السعودية وما واجهه من صعوبات لجهة التأقلم مع البيئة والمجتمع والمناخ والعادات قصة شيقة يجب أن تروى بتفاصيلها لأن في مضامينها ما يؤرخ لحقبة مضت من تاريخ صناعة الزيت في السعودية، وتاريخ مجتمعات مقاطعتها الشرقية قبيل انتصاف القرن العشرين، وتاريخ جيل من الرجال الذين ساهموا في اكتشاف النفط فغيروا حياة أمة بأكملها. ومن أجل ذلك نعتمد فيمايلي (بتصرف) على مرجع رئيسي موثوق هو كتاب تحت القبة الزرقاء الذي أعده ابن بارقر تيموثي جي. بارقر وضمنه خطابات أبيه المرسلة من السعودية إلى والدته كاثلين في الولايات المتحدة ما بين عامي 1938 و1940 وهذه فترة مهمة لأنها تسلط الضوء على حقبة ما قبل اكتشاف النفط في السعودية وما بعده، علما بأن الكتاب ظهر أولا بالانجليزية ثم قام ريمون باليكي بترجمته إلى العربية دون أن يبذل جهدا في كتابة أسماء الأماكن والأشياء بصورة صحيحة. ولد بارقر في مينابوليس بولاية مينيسوتا في 1909، لكنه ترعرع في لينتون بولاية داكوتا الشمالية التي تخرج من جامعتها في 1931 حاملا الدرجة الجامعية في التنجيم والمعادن. بعد تخرجه عمل كأستاذ مساعد لمادة المناجم والتعدين في جامة نورث داكوتا لمدة سنتين، اتبعهما بالسفر إلى كندا للعمل كمساح ومهندس ومساعد مدير لأحد مناجم الفضة والراديوم في شمال غرب كندا، وكاد أن يحصل على وظيفة مرموقة في شركة مناجم أناكوندا للنحاس لو لا أن الكساد العالمي الكبير وتداعياته السلبية على أسعار النحاس حالت دون ذلك. وسط تلك الظروف الاقتصادية الصعبة التي كانت تلقي بظلال قاتمة على مجتمع المال والأعمال في الولايات المتحدة آنذاك، لاح لبارقر في الأفق بصيص أمل. ولم يكن ذلك سوى الذهاب إلى سان فرانسيسكو في 1937، حيث كان ينتظره جي. أو. نوملاند كبير الجيولوجيين في شركة ستاندرد أويل كومباني أوف كاليفورنيا لإجراء مقابلة معه حول مدى صلاحيته للعمل كجيولوجي في السعودية التي كانت الشركة الامريكية تنقب عن النفط فيها وقتذاك. وفي هذا السياق يعترف بارقر أنه لم يدر بخلده يوما أن يعمل في الشرق الأوسط، لكن الكساد وعروض العمل المحدودة من جهة، ورغبته من جهة أخرى في تأمين وظيفة ودخل ثابت قبل التقدم للزواج من كاثلين راي وهي ابنة مزارع من ميدورا بولاية داكوتا الشمالية يبدو أنه عشقها من أول نظرة، دفعاه دفعا إلى إرسال رسالة إلى نوملاند في كاليفورنيا يستفسر فيها عن أي وظيفة شاغرة. كانت تلك الرسالة وردها الايجابي بمثابة حدث غيـّر مجرى حياة بارقر. فقد قبل بالعمل في بلاد بعيدة لم يكن يعرف شيئا عنها بما في ذلك موقعها على الخارطة، وحقق حلمه بالزواج من كاثلين قبل وقت قصير جدا من توجهه إلى السعودية للانضمام إلى جيولوجيين أمريكيين كانوا قد سبقوه إلى هناك من أمثال ماكس ايستاينكي وجيري هاريس وإيرني بيرغ وكانوا يعملون في الصحاري تحت الشمس المحرقة مع أدلاء من البدو العجمان مثل خميس بن رميثان. وقبل أن نخوص في ما كتبه بارقر بقلمه، من المفيد أن نشير إلى أن الرجل لئن بدأ عمله مع أرامكو في 1937 كجيولوجي فإنه نـُقل في 1941 إلى قسم العلاقات مع الحكومة السعودية بسبب تمكنه من اللغة العربية. وفي 1946 عين ممثلا لأرامكو، وفي العام التالي عين مشرفا على العلاقات مسؤولا عن البحث والتحليل والتخطيط ومساعد مدير للعلاقات العامة. وفي 1952 حصل على منصب المدير العام لشؤون الامتياز والمدير العام للعلاقات المحلية مع الحكومة السعودية، فكان ذلك بمثابة سلم ارتقائه إلى المناصب الكبيرة، حيث انتخب في 1958 كنائب ومساعد لرئيس أرامكو، وبعده بعام انتخب رئيسا للشركة، وفي 1 ديسمبر 1961 صار أيضا مديرا عاما تنفيذيا، ليختتم مسيرته الحافلة في أرامكو والممتدة على مدى 32 عاما (منها أربعة أعوام في مجاهل الربع الخالي) بالتقاعد في 1 سبتمبر 1969، ثم ليتوفى في 30 يونيو 1986 في كاليفورنيا. وخلال هذه المسيرة الطويلة لوحظ منذ 1948 أن الرجل يبدي اهتماما متزايدا بتحديد المشاكل التي تواجهها أرامكو ووضع الخطط العلمية لحلها فطالب مثلا بزيادة الاهتمام بالمجالات الاجتماعية والتعليمية داخل المجتمع السعودي ودافع بشكل خاص عن فكرة انشاء برامج تدريبية متقدمة لموظفي الشركة من الشباب السعودي كي يحلوا في المستقبل مكان زملائهم الامريكيين. ولعل أحد أهم انجازاته هو مساهمته في تطوير برنامج أرامكو لتملك البيوت الخاصة، وهو البرنامج الذي ساعد اكثر من 7 آلاف موظف سعودي على تمويل مساكنهم بحلول 1969. عن كيفية وصوله إلى السعودية يقول بارقر في الصفحة 20: تزوجت كاثلين سرا في 18/11/1937 في منزل والديها وامضينا شهر عسل قصير في طريقنا إلى نيويورك التي كان مقررا أن استقل منها الباخرة في 1/12/1937 نحو السعودية. ويضيف قائلا: وصلت إلى لندن في 7 ديسمبر، وأمضيت اليوم محاولا العثور على كتاب عن اللغة العربية، ثم ركبت القطار إلى ساوثمبتون، وفي القطار تناولت الفطور مع مايك بوش (من فريق الحفر الأول، وأول من أحضر زوجته إلى المنطقة) ورفيقه البريطاني سليم وارترز اللذين كانا عائدين إلى البحرين للعمل لفترة ثانية. وفي ساوثمبتون استقلينا طائرة الخطوط الجوية الإمبراطورية المتجهة إلى الشرق الأوسط وكان بها تسعة ركاب فقط، فوصلنا البحرين بعد خمسة أيام و40 ساعة طيران وهبوط للتزود بالوقود في مرسيليا، سانتنازير، أثينا، براشيانو، برينديزي، والإسكندرية قبل انتقالنا في الاخيرة إلى طائرة هاندلي ـ بايج الشراعية السريعة التي توقفت بدورها في بورسعيد، غزة، محطة الضخ الواقعة على خط أنابيب كركوك ـ حيفا، والكويت لتعبئة خزاناتها بالوقود. في أولى رسائله إلى كاثلين والمؤرخة في 15/12 1937 يخبرها فيها أنه وصل أخيرا إلى السعودية من البحرين على متن قارب محلي مجهز بمحرك وشراع وطاقم من أربعة أشخاص، وأنه يسكن غرفة مكيفة مع مهندس امريكي من كاليفورنيا داخل مخيم لا يسمح للبريطانيين بدخوله! ويخبرها أيضا أنه أمضى ليلته السابقة في بابكو، مقر شركة نفط البحرين. ثم يقول لها ان البحرين جزيرة تبعد حوالي 20 ميلا عن الخبر التي هي قرية صيادين صغيرة حيث قابلنا موظف من الشركة قادنا داخل البلاد حوالي ستة اميال على طريق مسفلتة حتى مقر الشركة في الظهران. وفي مكان آخر من الرسالة نفسها ينصرف بارقر للحديث عن تفاصيل وصول ولي العهد الأمير سعود بن عبدالعزيز الى الخبر قادما من الرياض في سيارته الكرايزلر امبيريال الجديدة في نفس يوم وصوله إلى السعودية، حيث وجد نفسه مع موظفي أرامكو الكبار في استقبال سموه والتمتع بمشاهد تقليدية لم يألفها من قبل مثل الأعلام الخضراء المذهبة والملابس المقصبة والسيوف المحفورة والخناجر المرصعة وطبول الرقص وإطلاق العيارات النارية في الهواء وروائح القهوة العربية وأدخنة المباخر. وفي سياق هذا الحديث يخبرنا أيضا عن وصول شيخ البحرين الى الخبر بحرا ليكون في استقبال الأمير سعود، وأن رجال الشيخ أعادوا نصب خيمته لتكون أقرب إلى خيمة الأمير حتى يتاح لهما زيارة بعضهما البعض بشكل لائق وسهل. ويضيف: بعد هذه الاحتفالات أبحر الشيخ وولي العهد متوجهين إلى البحرين حيث سيهدي الشيخ إلى الأمير سعود سيارة الستودبكر الفخمة، وقد دعينا للصعود الى المركب لأخذ الصور قبل أن يتحرك الأسطول. وفي رسالته الثانية التي كتبها إلى كاثلين عشية عيد الميلاد لعام 1937 يتحدث عن بعض المشاهد التي اضحكته اثناء حضوره حفل عشاء رسمي في ارامكو على شرف الامير سعود بعد عودته من البحرين مثل جهل بعض حاشية ولي العهد باستخدام السكين والشوكة، وجهل البعض الآخر بكيفية التصرف مع الآيس كريم. ثم ينهي رسالته بالقول: أقامت الليلة الزوجات الخمس الموجودات في مجمع أرامكو السكني حفلا راقصا بمناسبة عيد الميلاد. كان حفلا شيقا، ولكن يصعب رده للميلاد مع عدم وجود الثلج والوجوه الأليفة. وفي الرسالة أيضا أحاديث عن رحلته مع كبير الجيولوجيين ماكس ستاينكي إلى ميناء العقير التابع للأحساء، وعن جغرافية الأخيرة وتاريخها ومواردها الزراعية وانواع تمورها، وعن الأسلوب الحازم الذي كان الأمير عبدالله بن جلوي ومن بعده ابنه سعود بن جلوي يديران به الأحساء، الأمر الذي ساعد كثيرا على استتباب الأمن فيها واختفاء الجرائم والسرقات منها، وكيف أن أحد مساعدي ابن جلوي رفض تلقي الأوامر المرسلة إليه كتابة من رئيس أرامكو لتسهيل مهامهما في العقير، قائلا انه لا يتلقى الأوامر إلا من الأمير قبل أن يأمر ابن جلوي فرقة من البدو المسلحين بمرافقتنا إلى الصحراء وحراستنا وإعلام الجميع بأننا هنا بدعوة من الملك عبدالعزيز بن سعود ويجب عليهم ألا يزعجوننا. وفي رسالة أخرى كتبها لزوجته من سلوى ومؤرخة في اليوم الأول من سنة 1938 يعبر فيها عن اشتياقه لها، ثم يخبرها بقرب تحقيق نتائج جيدة لجهة اكتشاف النفط في اعقاب قرار بالحفر في البئر رقم 7 إلى اعماق جيولوجية أكبر من تلك المنتجة في البحرين، مضيفا: كلما وجدنا المزيد من البترول، كلما زاد عدد الذين يأتون إلى هنا وزادت فرصتي للاتيان بك إلى هنا. وقد صدقت توقعات بارقر، إذ لم يمض على كلامه هذا سوى ثلاثة أشهر حتى كانت الأرض السعودية الشحيحة في المياه تنصاع ويتدفق منها ينابيع من النفط الجيد. في الصفحتين 123 و124 يتحدث بارقر في رسالة اخرى الى زوجته مؤرخة في 26 سبتمبر 1938 عن الاحوال الجيدة في السعودية مقارنة بالانباء الواردة من اوروبا عبر المذياع حول حروب ومماحكات هتلر، ثم يخبرها عن أول لقاء له بالملك المؤسس عبدالعزيز قائلا: قبل أن نغادر إلى الرياض، كنا قد لبسنا ثيابنا البيضاء والغترات والبشت، وبعد وصولنا دخلنا القصر الجديد المبني بأطواب الطين، وسرنا عبر ممرات مطلية باللون الأبيض وصعدنا سلما يصطف على جانبيه جنود. ويضيف: كانت صالة الاجتماع كبيرة، وبها أرائك متنوعة وكنبات ومقاعد خشبية من جميع الأشكال ومراوح معلقة في السقف ومرايات ضخمة رسمت عليها الأزهار وكتابات عربية ورسومات معقدة. أما عن انطباعاته عن الملك المؤسس فكتب قائلا: الملك شخص كبير البنية، وسيم المظهر، سلمنا عليه وجلسنا على الأريكة إلى يمينه، مضيفا أنه استمتع بمقابلة الرجل القوي الذي احتل الرياض مع ثلاثين شخصا وهزم أميرها وحاميته المكونة من ثمانين مسلحا. في رسالته التالية لها والمرسلة من الظهران في 4 أكتوبر 1938 يتحدث بارقر عن بدايات نشوء الظهران كحاضرة مزدهرة وسكن لكبار موظفي أرامكو فيقول: انظر إلى المنازل المزدوجة الجديدة وألاحظ أنها تتقدم ببطء بسبب انشغال جلّ العمال في بناء خط الأنابيب والأرصفة وحفر الآبار الجديدة. لقد بدلوا شبكات التمديدات الصحية ثلاث مرات حتى الآن. أما المواد فهي الأخرى تصلنا ببطء خوفا من الحرب لأنها تشحن إلينا من نيويورك بواسطة خط هانسا الملاحي الألماني. المشكلة الأخرى هي أنه يتوجب على الشركة أن تؤمن السكن لكبار الموظفين أولا قبل أن تلتفت إلى الفئران أمثالي، ولكن هناك بعض الأمل لأن آبار النفط برهنت أنها أفضل من المتوقع. رسائله الأخرى التي أرسلها إلى كاثلين من مواقع عمله الشاق في مناطق نائية، مثل عين المريخ، مخيم منجور، معقلا، مخيم جبرين، فيها مزيج من الشوق والحنين لها، والتلهف إلى يوم تمنحه أرامكو فيه سكنا خاصا كي يجلبها إلى السعودية، والتطرق إلى حوادث العمل، وأخبار رفاقه الأمريكيين العاطفية، وزياراته القصيرة إلى البحرين، والطرائف التي حدثت له مع بعض البدو العاملين معه في مخيمات التنقيب، ومع وحوش الصحراء من ذئاب، وما كان يكابده من حرارة الجو صيفا وبرودته الشديدة شتاء في مجاهل الصحراء. فعن تلهفه على سكن خاص مثلا يقول: هناك الكثير من الابنية الجديدة، لدرجة يصعب معها التمييز ما بين الجديد والقديم. إن الحظوظ للحصول على منزل لنا تبدو بعيدة جدا. فنصف المنازل المنفصلة تعج برجال جدد، حتى في الطوابق السفلية، بل تم تحويل أحد المنازل المنفصلة إلى مكاتب جيولوجية إضافية. كما علمت أن المستشفى الذي كان يشكل البند الثاني في البرنامج قد تأجل تنفيذه إلى الشتاء القادم من أجل السماح لبناء مكاتب جديدة. وعن قرب حلول شهر رمضان يخبر زوجته عن طقوسه عارجا على قصة وقعت لأحدهم ممن لم يلتزموا بواجبات الشهر الفضيل فيقول: بعد اسبوعين عندما يهل القمر من جديد يبدأ رمضان، فيصوم المسلمون النهار كله لمدة شهر كامل..لا طعام ولا ماء من شروق الشمس إلى غروبها. إنهم يأكلون ويتسامرون خلال القسم الأكبر من الليل، وهذا الترتيب يتناسب بصعوبة مع برنامج عمل الشركة، حيث تكثر الحوادث خلال رمضان خصوصا عند منصات الحفر. لقد قال لي رئيس النجارين في كاسوك كارل روس أن أحد رجاله من البحرينيين شوهد وهو يأكل خلال النهار فقبضت عليه الشرطة واقتادته إلى القطيف للجلد، وحالما تمكن من السير استقال وعاد إلى البحرين. وعن رفاقه في العمل يتطرق إلى قصة زميله جيري الذي بسبب تردده على البحرين وقع في حب ممرضة كاثوليكية ايرلندية تدعى موللي، وصار دائم البحث عن الاوراق الجميلة كي يسطر لها فوقها عبارات غرام مسروقة من بعض الكتب الانجليزية، ودائم السؤال عن كيفية التصرف أثناء طقوس الزواج في الكنائس الكاثوليكية، كما ويتطرق إلى قصة زميله السعودي الذي جاء من الحجاز للعمل مع أرامكو دون اصطحاب زوجته، وقرر أن يتزوج واحدة أخرى من الجبيل ظانا أن زوجته الأولى لن تعلم بسبب بُعد المسافة وندرة وسائل الاتصال، لكنها علمت وجاءت لتفسد حياته بشكل يومي، الأمر الذي جعله يطلب من رؤسائه تكليفه بأي عمل طويل في الصحاري كي يكون بمنأى عن كليهما. في الصفحة 108 يتحدث بارقر عن زيارته الأولى للبحرين في مايو 1938 فيقول انه ذهب إليها على متن المركب البخاري كالابريا التابع لشركة أرامكو والذي ينطلق من فرضة الخبر إلى فرضة المنامة مرة واحدة كل اسبوعين خلال عطلة نهاية الاسبوع، مضيفا أن المركب يقطع المسافة الفاصلة في ساعة وربع الساعة بينما يلزم السفينة الشراعية نحو 3 ساعات. لكن زيارات الرجل إلى البحرين تكررت بعد ذلك من أجل أعمال المساحة وغيرها فمثلا قضى فيها أسبوعا كاملا في أكتوبر 1939 تفقد خلاله جزيرة حوار التي قال عنها: استطلعنا مكانا اسمه جزيرة حوار، على بعد 50 ميلا من البحرين. لقد حصلت الشركة مؤخرا على امتيازها. إنها قطعة صحراوية جرداء طولها 10 أميال وعرضها ميل واحد ويحتفظ شيخ البحرين فيها بحامية من 10 جنود كي يتأكد من عدم قيام خصومه باحتلالها. ثم زارها مرات أخرى لشراء بعض المستلزمات التي لم تكن متوفرة وقتها في السوق السعودية مثل الحبال القوية لصناعة الخيام، والأدوية المسكنة كالفيكس والاسبرين، والمضادات الحيوية، وبلاسم الجروح والحروق، وأدوية السعال ولا ينسى بارقر أن يكتب لزوجته عن الحريق الهائل الذي وقع في بئر الانتاج رقم 12 في يوليو 1939 وسقوط منصتها ومقتل أحد العاملين العرب وإصابة أحد الامريكيين بجروح خطيرة، وكيف أنهم حاولوا دون جدوى بعث رسائل بالراديو إلى البحرين طلبا للمساعدة، حيث كانت البحرين في ذلك الزمن المبكر تملك معدات متنوعة لمكافحة حرائق آبار البترول. وأخيرا لا بد من التنويه إلى أن التحاق كاثلين بزوجها في الظهران لم يتم إلا في 1945 أي بعد 7 سنوات على اقترانهما. وفي الظهران بدءا حياة زوجية فعلية أثمرت عن أربعة أبناء ولدوا في السعودية. ومما يجدر بنا ذكره أن كاثلين أحبت العيش في السعودية وكان لها دور في تأسيس مزرعة للخيول وسباقاتها، كما مارست أدوارا اجتماعية مع غيرها من نساء أرامكو لجهة جمع التبرعات للاجئين الفلسطينيين والحث على التبرع بالدم. أما في بيتها فقد كانت تمارس دور المضيفة لمئات الزائرين ممن كانوا يضطرون للإقامة في منزل مديري أرامكو بسبب نقص المطاعم والفنادق اللائقة في السعودية في تلك الحقبة.