أسبوع حزين مضى لف بظلاله السوداء القاتمة محافظة القطيف خاصة ومناطق المملكة عامة جراء العملية الإجرامية الجبانة التي استهدفت مسجد الإمام علي بالقديح، وراح ضحيتها واحد وعشرون شهيداً، وما يزيد على المائة من الجرحى الذين خلفوا وراءهم أيتاما وأرامل وقلوبا منفطرة من هول المصاب وبشاعة الجرم. وبعيداً عن الحيثيات والمسببات والتراكمات التي مهدت إلى هذه الجريمة وهي بالتأكيد غير خافية على الجميع، والتي يتربع على رأسها خطاب الكراهية والعنف والتكفير الذي يمارسه البعض في بعض الوسائل الإعلامية، وبالخصوص وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة التي فضحت وكشفت حجم الاستقطاب الطائفي الذميم، وأفصحت عما تحمله بعض النفوس المأزومة من غل وكراهية لا منتهى لهما، بعيداً عن هذا كله أراني اليوم أكثر ميلا للحديث عن أهداف تلك الجريمة البشعة التي تحمل في طياتها الكثير من السوء لشعب هذا البلد، وكذلك الحديث عن النتائج المحققة عقب الجريمة التي ظهرت بعد ساعات قلائل من وقوعها. لا يختلف اثنان على أن أهم أهداف الطغمة الفاسدة الجبانة التي كانت وراء تلك العملية هو زرع حالة الشقاق والفتنة بين السنة والشيعة في المملكة العربية السعودية، والتمهيد لحالة من المصادمة والاحتراب على أرض الواقع المادي تتمظهر بردات فعل عنف مسلحة من كلا الطرفين، بعد أن مهدوا لها في البداية إعلامياً عبر بعض الوسائل الإعلامية وخصوصاً بعد الحرب في اليمن، التي استغلها بعض دعاة الفتنة لتأجيج الخطاب الطائفي ضد المكون الشيعي بالمملكة، والتي بيَّن خادم الحرمين الشريفين غايتها من البداية وصرح بأنها ليست حربا طائفية وليست ضد مذهب معين بل هي حرب أمنية بحتة. هذا التفجير كان البداية العملية لزرع التناحر الطائفي بين السنة والشيعة الذي يراد منه شق اللحمة الوطنية وإضعاف الجبهة الداخلية للنسيج الاجتماعي والسياسي بالمملكة. ولكن ما الذي حدث؟ هل بالفعل نجح المخطط الإرهابي في تحقيق هدفه؟ هل نحن على شفير احتراب طائفي سني شيعي بالمملكة بعد هذا الحادث؟ أقول بفضل الله ومنه وببركة تلك الدماء الطاهرة التي سالت في بيت الله وهي راكعة له موحدة لآلائه «لا» وألف «لا»، إن هدف الطغاة لم يتحقق وخاب ظنهم ومسعاهم! ولكن كيف ولماذا خابت ظنونهم وحساباتهم؟ كيف فاتتهم الفرصة لتحقيق ما يأملون؟. الجواب عن تلك الأسئلة وببساطة هو أن القيادة السياسية والدينية في المملكة، وفي أعلى مستوياتها متمثلة بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وفضيلة المفتي العام وهيئة كبار العلماء في المملكة أدانوا على الفور هذا العمل الجبان وجرموه ونعتوا الضحايا ووصفوهم بالشهداء، وأعطوا المصاب حقه على المستوى الوطني، وتم التعاطي مع المواطن القطيفي الشيعي كمواطن أولا وكمسلم وشهيد وضحية ثانياً، ولم يكن هناك غموض في العبارات ولم تكن هناك تورية في الإدانة ولم يترك المجال للطائفيين في التفسير المغاير لما قيل من تصريحات وبيانات رسمية. كما أن الاستنكار الشعبي الكبير والمشرف من جميع أطياف شعب المملكة وتدفق الوفود الرسمية والشعبية التي جاءت إلى القطيف لتقديم العزاء والمواساة لأهالي الضحايا ولأهل المنطقة قطع الطريق على من في قلبه مرض وخيب ظنونه الشيطانية. هذا كله كان بمثابة البلسم البارد الذي أثير على الجراح الطرية والحروق الملتهبة، فاطمأنت النفوس إلى أن عدوها ليس المواطن السني، وأن ما أصابها ليس لكونها تعتنق مذهباً مختلفاً، وأيقنت بأن عدوها منبوذ من شعب هذه الأرض، وأنه مازال متخفياً جباناً لا يملك الجرأة على الظهور وكشف وجهه القبيح جهارا. أيقن المواطن الشيعي بأن عدوه ليس الدولة أو المواطن السني كما أريد له أن يكون، وبهذا فاتت الفرصة على الأعداء من خلق ردة فعل مضادة يقوم بها المواطن الشيعي تجاه الدولة أو المواطنين السنة. ولكن هذا لا يعني بأننا في مأمن من الفتن والقلاقل التي قد يحاول الأعداء بثها مرة أخرى، لذا يجب علينا تعزيز المكتسبات الناتجة عن هذا الحادث الأليم والتي يمكن تعزيزها بسن قانون يجرم الطائفية والعنصرية صراحة، والعمل على تنقيح جميع الوسائل الإعلامية من خطابات الكراهية والتحريض والتخوين مهما صغر حجمها، وبث روح التسامح والمحبة بين المسلمين جميعا وبيننا وبين غيرنا من خلق الله الذين لا يعادوننا. إن ما حصل في القديح دفع ثمنه رجال وأطفال ونساء ثكلى وأرامل ودماء طاهرة سالت على محراب الصلاة في يوم الجمعة. كلنا نعول على قيادتنا ووعي ورقي شعبنا ونضع أيدينا في أيديهم ضد من أراد بنا وبأهلنا السوء ونحتسب دماء شهدائنا عند الله الذي لا تضيع عنده الودائع. كاتب