جميع الشركات التقنية التي تتعامل معها يوميا من خلال النت (مثل جوجل وآبل واليوتيوب والفيسبوك وتويتر وميكروسوفت وياهو) توجد في وادي السليكون بولاية كاليفورنيا.. ويقع هذا الوادي جنوب سان فرانسسكو وبدأت شركات التقنية في الاستقرار فيه منذ أربعينات القرن الماضي.. ويطلق عليه مجازا اسم "وادي السليكون" بسبب احتضانه لعدد كبير من شركات التقنية المتقدمة التي تعتمد كثيرا على مادة السليكون التي تصنع منها المعالجات الذكية والدوائر الإلكترونية في الأجهزة الحديثة.. وكانت شركات التقنية قد بدأت بالتجمع في الوادي بفضل مبادرات الطلاب من جامعتي ستانفورد وبيركلي (الموجودتين في المنطقة).. ففي ذلك الوقت لاحظ أستاذ الهندسة في ستانفورد (فردريك تيرمان) أن معظم طلابه يصبحون عاطلين عن العمل فأنشأ برنامجا لرعايتهم وتشجيعهم على إنشاء شركاتهم الخاصة قرب مختبرات الجامعة.. وأول طالبين أقنعهما بالبقاء في المنطقة هما هيوليت وباكارد اللذان أنشآ بمساعدته أكبر شركة للطباعة وصناعة الكمبيوتر في العالم hp.. .. أيضا هناك ستيف جوبز الذي نشأ في وادي السليكون وأسس شركة آبل التي غيرت وجه العالم مرتين (الأولى حين ابتكرت الكمبيوتر الشخصي، والثانية حين ابتكرت هاتف الآيفون).. أما آخر طالبين مميزين استقرا في المنطقة فهما سيرجي برين ولاري بيج اللذين ابتكرا محرك البحث جوجل (كرسالة دكتوراه في جامعة ستانفورد) قبل أن يحولاه الى شركة عملاقة أصبحت على كل لسان.. واليوم يضم الوادي أكثر من 50 شركة تقنية عملاقة، و28 جامعة متقدمة، وتسعة مختبرات ضخمة، ومراكز أبحاث تابعة لوكالة ناسا والقوات الجوية، وأكثر50,000 مهندس و17000 عالم و450 مخترعا مشهورا... وكل هذه الأرقام لعدد سكان لايتجاوز مليونين ونصف بحيث يمكن القول إن وادي السليكون يضم اليوم أكبر نسبة من الأذكياء في كل كيلومتر مربع -(ويتغلب برأيي لأول مرة في التاريخ على أثينا اليونانية التي ظهر فيها سبعة من أعظم فلاسفة الدنيا في وقت لم يتجاوز سكانها الثلاثين ألف نسمة)!! .. والمدهش أكثر؛ أن هذا العدد الضئيل من السكان يساهم في ثلث العائدات الاستثمارية في أمريكا(للمشاريع الجديدة) ويقود العالم بأسره فيما يتعلق بتقنية الانترنت والتكنولوجيا المتطورة.. وبفضل ريادته التقنية وشهرته العالية أصبح يستقطب أذكياء ومبدعين وعباقرة من داخل أمريكا وخارجها.. فهناك مثلا مارك زوكربيرج (مؤسس الفيسبوك) وبيل جيتس (مؤسس ميكروسوفت) اللذين درسا في جامعة هارفارد على الساحل الشرقي ولكنهما انتقلا الى وادي السيليكون على الساحل الغربي لتأسيس شركاتهم الخاصة.. كما يستقطب الوادي كل عام أعداداً كبيرة من الطلاب الآسيويين والعلماء الأجانب للعمل فيه أو تحويل ابتكاراتهم الى شركات خاصة (فالطلاب الذين أسسوا اليوتيوب مثلا تعود أصولهم الى الصين وبنجلاديش وروسيا).. وبسبب ريادة الوادي في العلوم التطبيقية حرصت الشركات الأجنبية على إنشاء مختبراتها وفروعها التقنية فيه حيث تتواجد بكثافة شركات أجنبية مثل سوني اليابانية وسامسونج الكورية وسيمنس الألمانية وفيليبس الهولندية... ورغم أن ريادة الوادي تجعله سباقا في تقديم الابتكارات والتقنيات الحديثة (ويكفي تذكيركم بجوجل واليوتيوب وأجهزة آبل وشرائح إنتل) إلا أن دولاً كثيرة سعت لإنشاء أوديتها الخاصة - بحيث بدأنا نسمع عن أودية للسليكون في ماليزيا والصين وفرنسا والبرازيل والهند.. وغني عن القول؛ يمكن لأي أمة توفير الأراضي البيضاء والبنية التحتية لإنشاء أودية كهذه، ولكن من أين لها بروح مبادرة وعقول منفتحة وجامعات بمستوى ستانفورد وبيركلي... !