الدار البيضاء: لحسن مقنع أوصى البنك المركزي المغربي بضرورة تسريع الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى استعادة التحكم في التوازنات الأساسية للاقتصاد المغربي وتوسيع نطاقها، وذلك رغم صعوبتها وكونها لا تحظى بالتأييد الشعبي على حد قوله. وأشار البنك المركزي في تقريريه السنوي، الذي رفعه محافظه أول من أمس إلى العاهل المغربي، إلى أن تسريع الإصلاحات الهيكلية وتوسيع نطاقها «يظل السبيل الوحيد لإعادة التوازنات الاقتصادية الكلية وضمان استمراريتها واستعادة الدولة للوسائل الكفيلة بتحسين القدرة التنافسية وتحفيز النمو وتقوية التماسك الاجتماعي مع الحفاظ على علاقات جيدة مع شركاء الدوليين للمغرب». وأضاف أن «تأخير هذه الإصلاحات لن يؤدي إلا إلى زيادة كلفتها الاقتصادية والاجتماعية». وقال عبد اللطيف الجواهري، محافظ بنك المغرب، في كلمته التقديمية للتقرير السنوي أمام الملك «من الأهمية بمكان أن يعي جميع الفاعلين الاقتصاديين والسياسيين والاجتماعيين في البلد مدى صعوبة الوضعية الراهنة وضرورة تجاوز المصالح الحزبية والفئوية والفردية ووضع المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار»، في إشارة إلى النقاشات والتوترات الحادة بين الأحزاب المغربية الكبرى حول الموقف من الإصلاحات الهيكلية، خاصة إصلاح صندوق المقاصة (صندوق حكومي مخصص لدعم أسعار المواد الأساسية والطاقة). وأشار إلى أن خيار الانفتاح والانتقال السياسي الذي تبناه المغرب وعمل به وعززه منذ سنة 2011. شكل عاملا أساسيا في حفاظ المغرب على ثقة الشركاء والمستثمرين، والتي تجلت في اتفاق خط الوقاية والسيوبة مع صندوق النقد الدولي والشروط الجيدة التي حصل بها على قرضين في السوق المالية الدولية. وأضاف: «إن تحقيق الانتقال السياسي في بلادنا في مناخ إقليمي مضطرب، والذي ما فتئ يحظى بإشادة المجتمع الدولي لن يكون مستداما في غياب مكاسب اقتصادية ملموسة تمكن من تحسين مستوى عيش الساكنة التي انخرطت بشكل واسع في هذا الانتقال والتي تنتظر اليوم أثره الفعلي». وأوصى محافظ بنك المغرب في كلمته التقديمية «باستكمال تطبيق الدستور الجديد، كإطار مرجعي وإتمام المشاريع المهيكلة التي تم إطلاقها في السنوات الأخيرة، مثل الجهوية الموسعة وإصلاح العدالة، ويتعين اعتماد الأوراش الأخرى الموجودة في مرحلة متقدمة والاستراع بتنفيذها»، مشيرا على الخصوص إلى إصلاح أنظمة التقاعد، التي قال: إن توازنها يعرف تدهورا متواصلا نتيجة التحول الديموغرافي. كما أوصى الجواهري بوضع إصلاح النظام الضريبي ضمن أولويات الحكومة، مشيرا إلى أن هذا الإصلاح عرف نقاشات كثيرة وأصبحت محاوره واضحة، خاصة منها توسيع الوعاء الضريبي ليشمل القطاعات الأقل خضوعا للضريبة والأنشطة غير المهيكلة، و«إعادة النظر في العدد الكبير من الاستثناءات والإعفاءات الضريبية التي تضيع على الدولة عائدات مهمة دون أن يكون مردودها واضحا على الاقتصاد». وفي هذا الصدد أوصى الجواهري بأن تندرج مراجعة هذه الاستثناءات الضريبية «في إطار أوسع للإصلاح يشمل سياسة الدعم برمتها». وأشار الجواهري إلى أن نظام المقاصة (دعم المواد الأساسية)، الذي يعتبر العنصر الرئيسي لسياسة الدعم «يبقى محدود الفعالية على الصعيدين المالي والاجتماعي»، وقال: «رغم مساهمة صندوق المقاصة في الحفاظ على القدرة الشرائية، فإنه يظل نظاما غير عادل ويثقل ميزانية الدولة ويجعلها معرضة لتأثيرات تقلبات أسعار السلع الأساسية وأسعار صرف العملات». وأضاف الجواهري أنه «بالنظر لتوقعات تطور أسعار الطاقة فإن صندوق المقاصة يمثل تهديدا حقيقيا لاستمرار توازن المالية العمومية، وبالتالي يجب أن يكون إصلاح نظام المقاصة من أولويات الحكومة، إلا أنه من الضروري تنفيذ هذا الإصلاح بطريقة تدريجية، مع إرساء شبكات للأمان الاجتماعي من أجل التخفيف من تأثيره على الفئات الفقيرة، ومواكبته بسياسة تواصلية وتوعوية محكمة الاستهداف».