تمثال ضخم مصنوع من البرونز والذهب لرئيس تركمانستان قربان علي بردي محمدوف. خبر لافت، لكنه في البلد الأكثر انغلاقاً وعُزلة في الفضاء السوفياتي السابق، أكثر من عادي. يُظهر التمثال البالغ ارتفاعه 21 متراً، «زعيمَ الأمة ومخلّصها»، كما يحلو للصحافة المحلية أن تُطلِق عليه، ممتطياً حصانه المفضل «آكان»، وحاملاً بيده اليمنى حمامة سلام ومحبة. وجد بعضهم في هذا التصميم تذكيراً بتمثال «الفارس البرونزي» للقيصر الروسي بطرس الأكبر، والذي يعدّ من معالم عاصمة الشمال سان بطرسبورغ، لكنه في أذهان المواطنين في تركمانستان يرتبط أكثر بالزعيم «الخالد»، صابر مراد نيازوف الذي كان اللقب المحبب إلى قلبه «أبو التركمان». الشعب «فقد أباه» برحيل الزعيم المحبوب الذي أرسى تقاليد تقديس الفرد، وانتشرت تماثيله من الذهب والفضة والبرونز والمعادن الأخرى بثمينها ورخيصها، في أنحاء الجمهورية المرهَقَة من الأوضاع المعيشية للمواطنين ومعدّلات الفقر والبطالة والعزلة عن العالم الخارجي. لكن حضور «أبو التركمان» الجديد خفَّفَ وقع الغياب الكبير، وأطلق عواطف الجمهور نحو «الزعيم الخالد الجديد»، وهو ما أظهرته مراسم رفع الستار عن تمثاله الأول، إذ أعلن جنود ولاءهم للرئيس على أنغام النشيد الوطني، فيما أُطلِقت حمامات في الجو. وصُبَّ التمثال بالبرونز وكُسي بأوراق من ذهب. ولإضافة العنصر «الشعبي» للمناسبة، وتأكيد التفاف المواطنين حول فكرة تخليد الزعيم، قالت رئيسة البرلمان أكجا نوربيردييفا إن التمثال أُقيم «نزولاً عند طلب أناس عاديين ونقابات مهنية ومنظمات عامة». ووصف بعض الحاضرين المناسبة بأنها «لحظة تاريخية مجيدة». وخلال مراسم إزاحة الستار عن التمثال التي لم يحضرها بردي محمدوف، قال نورالي قربانوب، وهو متقاعد في الخامسة والسبعين: «كلٌّ منا ينبغي أن يشكر العلي العظيم لأن بلادنا يقودها رجل دولة مثل حامينا». و «حامينا» هو اللقب الذي يُطلق على الرئيس الحالي، الذي لم يرغب في خلع تسمية «أبو التركمان» عليه، وبدأت وسائل الإعلام الحكومية تتجاهل وصفه بصفة سلفه بعد مرور سنتين على تسلُّمه السلطة. وكُشِف عن تمثال «الحامي» في «يوم عشق آباد»، وهو عيد يحتفي بعاصمة البلاد البالغ عدد سكانها 400 ألف شخص. وبردي محمدوف طبيب أسنان سابق، تولى السلطة عام 2006 إثر وفاة نيازوف. ولأن لكل زمان دولة ورجالاً، نجح في «خلع» التمثال الأضخم لنيازوف من موقعه في إحدى أكبر الساحات وسط العاصمة عشق آباد، وكان صُنِعَ بطريقة فريدة ليدور مع اتجاه حركة الشمس طوال النهار، لكنه أُحيل الآن على «التقاعد» وأُرسِلَ لـ «يرتاح» في إحدى ضواحي المدينة. واستبدال تمثال «أبو التركمان» بـ «الحامي» ليس التحدي الأكبر أمام محمدوف، إذ يواجِه تركة ضخمة لسلفه يصعب على أي زعيم أن يتجاوزها بسهولة، فعلى رغم القدرات القيادية «الخارقة» التي أظهرها الزعيم المحبوب، لم تسمح قدراته كطبيب أسنان دخل معترك السياسة في لحظة غياب نيازوف، له بعدُ بوضع كتاب «خالد» مثل «كتاب الروح» الذي وضعه نيازوف وفُرِضَ ضمن المنهاج الإلزامي، فبات على جميع تلاميذ المدارس أن يحفظوه عن ظهر قلب. كما أن محمدوف لم يجرؤ بعد على تبديل أسماء الأشهُر لتحمل أسماء أقاربه، كما فعل سلفه... على رغم أن بعضهم في تركمانستان يرى أن «الحامي» بدأ الخطوة الأولى على «طريق الخلود».