لم يتصوّر أحد أن تغدو وسائل التواصل أداة هدم ومنصّات للفتنة والاستقطاب الطائفي أو الإساءة للدول، فالتقنية بما شهدته من تمدّد وتطور كبيرين أُريد لها أن تكون أداة بناء وزرع قيم الخير والحب والجمال، لكن ثمة تحوّلا مخيفا جعل منها أداة تم تسخيرها لتقويض وهدم القيم، وكذا الإساءة إلى الشعوب والدول، وإثارة الفتن ونشر الفوضى والاضطراب وبث الشائعات المغرضة. اللواء العتيبي: الطرفيات تستخدم من الخلايا الإرهابية لغزونا وتجهيز جرائم عابرة للحدود وتأتي هذه الأخطار المحدقة وسط دعوات بين الشعوب قاطبة بأن يتم التصدي لها بكل الوسائل الممكنة عبر اتخاذ كافة التدابير اللازمة بين دول العالم لزيادة وتوسيع مجالات التعاون والتنسيق المشترك للتصدي لمثل هذه التحديات واقتراح الحلول والسياسات اللازمة لمحاربة هذه المظاهر الدخيلة على مجتمعاتنا ذات التاريخ الحضاري العريق في قيمه ومبادئه الأصيلة. وطالب أعضاء مجلس الشورى بتشديد الرقابة على مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت بوابة مفتوحة لدعاة الفتنة والجماعات الإرهابية لتمارس التغذية المتطرفة للتغرير بالأحداث وصغار السن مستغلة جهلهم، وقالوا ان الحاجة والمرحلة تدعوان إلى ضرورة أن تقوم الجهات الحكومية بأدوارها المطلوبة، والقيام بأدوار التوعية ضد التغرير من قبل الأئمة والدعاة، الذين عليهم أدوار مهمة في الكشف عن تخطيط تلك الجماعات المسلحة، وصناعة منهج جديد للتفكير وثقافة حيوية تنبذ التشدد والعنف والتطرف تحت أي شعار، وتفعيل مؤسسات الثقافة والتعليم والإعلام التوعية بأخطار التغرير، والمسارعة بإحكام السيطرة على شبكات التواصل الاجتماعي بكافة اشكالها خاصة وان التغرير أصبح تكتيكا وأسلوبا تقوم به تلك الجماعات الإرهابية وغيرها. بدايةً، تساءل اللواء المهندس ناصر بن غازي العتيبي خبير الهندسة الالكترونية والشبكات الرقمية النائب السابق لمدير عام الاتصالات السلكية واللاسلكية بوزارة الداخلية وعضو لجنة تقنية المعلومات بمجلس الشورى عن غياب دور هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات في رقابة شبكات التواصل الاجتماعي ولماذا لم تقم بدور أكثر فاعلية لتطبيق الأنظمة الصارمة كحماية المعلومات الإلكترونية وجرائم التقنية، وتساءل أين الأجهزة الأمنية المختصة عن واجبها في متابعة ساحات التواصل الاجتماعي التي أصبحت سوقاً كبيراً لترويج البضائع الفاسدة للعقول والفكر المنحرف واصبحت ثقافة ابنائنا هي ما يدار ويرد من هذه الطرفيات التي تستخدم من الخلايا الإرهابية من شتى أقطار الأرض لغزو هذه البلاد وتجهيز جرائم عابرة للحدود. ومع تكرر هذا الغزو بمختلف أشكاله قال اللواء المهندس العتيبي «كيف نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الظاهرة المنتشرة وسرعة التأثير على أبنائنا». وتابع: كانت تعد العدة ليتم التنفيذ في أوهام وعالم غائب عن الواقع وافتراضي، وليس الحال على التجنيد الإلكتروني فقط، فقد بدأت التشكيك بسياسات الوطن ونشر الأكاذيب والادعاءات، وجعل هذه الشبكات منابر لتخوين وزعزعة المرجفين وتلفيق التصريحات والأقاويل على مسؤولي هذه الدولة، وهذه الحروب الالكترونية كان لها الاثر الكبير في بعض شرائح المجتمع، وتساءل: إلى متى نبقى مستسلمين لهذه الاحداث..؟ وقال «يجب أن يكون هناك مشروع مضاد تقوده الجهات المختصة بهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات بالتعاون مع الجهات المختصة وعلى رأسها وزارة الداخلية والتعليم والشؤون الإسلامية، للحد من تغذية أبنائنا بالأفكار السامة وقرع الحجة بالحجة ومحاربة الأفكار والتوعية السليمة». وشدد العتيبي على الاستعداد لرصد كل تغريدة مسيئة ومتابعة مروجيها، وأشار إلى أن المملكة تعتبر سابع دولة في العالم من حيث التغريدات على تويتر، ووصلت مشاهدة الفيديو على يوتيوب إلى ما يقارب (90) مليون مقطع فيديو يوميا. وقال بوجوب إعداد شبكات مضادة من خلال إيجاد نظام تحليلي يستقطب جميع التغريدات في الساحة ثم تحليلها إلكترونيا على شكل فرز ومتابعة التغريدة الأكثر رواجا، ومن هو (الرتويتر) وما هو المقصود بها، وهذه الانظمة الحديثة تعمل بها الدول المتقدمة وتعمل على الرصد السريع، بالإضافة الى محاربة الفكر بالفكر وتجهيز من يقوم بهذا الدور من العلماء والمفكرين وتوعية الأمة لهذا الامر. ومضى اللواء العتيبي في حديثه ل «الرياض» محذراً من خطورة شبكات التواصل على صغار السن وكباره، وقال بأن الأمر اخذ يستفحل حتى تشبع بعض أبنائنا بهذه الأفكار السامة وبدؤوا فى الوهم والتحريك (بالريموت) من اعداء الامة والحاقدين عن طريق جهات قد تكون بمواقع قريبة ولكن بالتقنيات أصبحوا يعبرون وهذا العبور خارجيا جعلهم يوهمون أن النشر تم من قارات بعيدة كأستراليا أو نيوزلندا بدعوى إنقاذ الأمة. وأكد عضو الشورى أن التطور في التقنيات الحديثة لا يمكن ايقافه، حتى أصبحت تقنية الجيل الرابع تساعد على مرور ونفاذ المعلومات وبسرعة فائقة، وقال بأن المملكة من الدول المتفوقة فى مجال التقنيات والاتصالات، لكن لا بد من تفعيل ومتابعة وتطبيق الانظمة والعقوبات الصارمة على من يعمل على الترويج بإعادة التغريدات المسيئة او اعدادها او نشرها ليتم الحد من هذه الظاهرة وانقاذ ابنائنا. وأرجع العتيبي ما حدث من تكرار جرائم القتل والتفجير والإرهاب، إلى الغزو الفكري الالكتروني الذي الركيزة الأساسية فيه والتحكم بأبنائنا عن بعد والتجهيز للجرائم عابرة الحدود وإيجاد العنصر البشري المنفذ. وقال: «الأمر محير ومحزن ونحن نقف أمام هذا الغزو بالشجب والإنكار واللوم، وغيبنا العمل وإعداد العدة لمواجهة هذه الحروب الالكترونية المنفذة». وأضاف: إن ما حدث في قرية القديح من إرهاب مروع وقتل الأنفس البريئة، وقبل ذلك قتل اثنين من أفراد الدوريات الأمنية في العاصمة الرياض، وقتل آخر من قبل معتنقي الفكر الضال من أبنائنا، الذين غسلت عقولهم عن بعد. لمصاب جلل..! فالقوى الخفية من أعداء الأمة والمتطرفين، استغلوا شبكات الظلام من خلال الإعلام الجديد على محطات الانترنت سواء كانت واتساب او فيس بوك او صفحات الانترنت ومناقشة الأفكار السيئة على الساحة الفكرية والإسلامية، والحث على القيام بأعمال شغب ومظاهرات وأعمال عدائية لوطنهم ودينهم وأبناء جنسهم، وخاصة صغار السن كما ورد في بيان وزارة الداخلية والذين لم تبلغ أعمارهم خمسة عشر عاماً لأمر مخجل، ونحن نقف في حيرة. من جهته، حذر الدكتور فايز بن عبدالله الشهري المتخصص بالإعلام الالكتروني عضو مجلس الشورى من الآثار السلبية لشبكات التواصل الاجتماعي التي أكد أنها لم تعد خافية على احد سواء ما تتعرض له الأجيال الجديدة من مختلف التأثيرات او حتى الانسان الراشد فهذا الضخ اليومي من المعلومات حينما يكون مرتكزا على معلومات مغلوطة او يعتمد على نشر الإشاعات فسيؤدي بالضرورة الى احداث الاثر التراكمي علي عقل وجدان المتلقي سلبا وايجابا بحسب هذا المحتوى، ولذلك نلاحظ اللغط والتجاذبات التي تقود الى السلوك والفعل بحسب طبيعة المحتوى ومدى وعي المتلقي. وطالب الشهري بضرورة تنظيم المحتوى الذي تقدمه مواقع التواصل المختلفة، مع وجود ميثاق أخلاقي يحترم المواطن ويراعي حقوق الفرد وواجباته، وقال: مواقع التواصل صارت مسرحاً لمن يخالف العادات والتقاليد والأديان، كما أن هناك موجات تروج للإرهاب والإباحية والإلحاد وغيرها، وأكد قلقه من مساهمة شبكات التواصل في تجنيد الشباب من الجنسين من خلال الحسابات المختلفة وتؤثر على في نوعية من الأفراد، وظهر تأثيرها السلبي في نشر التطرف والإرهاب واستقطاب الشباب من الجنسين، خاصة مع كون الرقابة على الشبكة العنكبوتية أمرا يصعب تحقيقه، إضافة إلى عدم وجود قانون دولي يحمي الأفراد ويحدد الأفعال المجرمة عبر الشبكة. وحذر الشهري من الإفراط في استخدام هذه المواقع التي تؤدي إلى انعزال الفرد عن أسرته والبعد عن المشاركة الفاعلة مع أفراد أسرته ومجتمعه، وقال ان غياب الرقابة الأسرية والمجتمعية على الأبناء دافع قوي في أحداث سلوكيات غير مرغوبة وأفعال غير مقبولة. وأشار الشهري في حديث ل»الرياض» إلى تأثيرات الشبكات الاجتماعية في السنوات الاخيرة على الشباب الصغار من بعض الحسابات التي تحرض وتشجع علي التطرف والعنف والتي رأينا نتيجتها حين انساق من تأثر وراء هذه الجماعات وأفكارها واصبحوا قطعانا مسلوبة التفكير تتبع هذه الرموز المتعصبة وأفكارها التي قادتهم الى محاضن العنف في بلدان ومناطق الصراع في كثير من بلدان العالم، وأضاف «التأثيرات السلبية واضحة على سلوك بعض صغار السن جراء التعرض للمواد الاباحية والالحادية وهم في مراحل تشكل الوعي وبناء القناعات في ظل غياب شبه تام لمؤسسات المجتمع ومراجعه». وأكد عضو الشورى صعوبة الرقابة على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى شبكة الإنترنت عموما لسببين اساسيين، الأول أن هذه الشبكات مفتوحة للجميع وبالتالي بات ممكنا ان يدخلها عشرات الملايين من الناس يوميا دون رقابة وبتخطي لكل الحواجز الفنية والجغرافية والثقافية وغيرها، والسبب الثاني تزايد وجود شبكات الأنترنت المفتوحة في الاماكن العامة وهذه تسمح لكل لشخص بالوصول لهذه الشبكات وبث ما لديه من رسائل دون رقيب. ونبه الشهري على أنه لا يمكن تجاهل حقيقة ان الشركات المهتمة بأمن وسلامة الإنترنت تمكنت من تطوير تقنيات معينة يمكن من خلالها الوصول الى من يسيئون ويتجاوزون حدود الأمن أو يخالفون القوانين وهذه التقنيات الرقابية متاحة في أكثر من بلد من بلدان العالم اليوم وتساءل الشهري «هل تكفي الرقابة والتتبع والرصد ام أن المعول هو على وعي الانسان المستخدم هو الاولوية المفترضة». واقترح الدكتور الشهري حلولاً عاجلة واخرى دائمة لمواجهة المشكلات الناجمة عن شبكات التواصل الاجتماعي ونبه الى أن العاجلة صعبة وبطيئة وتحتاج الى وقت يتماثل مع الوقت الذي انفقه الشاب في بناء مخزونهم الفكري والوجداني، لكن بشكل عام تظل الرقابة الاسرية مسؤولية مهمة ثم تأتي التشريعات والأنظمة التي تلاحق اصحاب الحسابات المضللة والمسيئة التي تقود الشباب الى بعض الافكار والتجارب السيئة، وأكد أن هذه الحلول تتبعها المجتمعات في كل مجتمعات العالم تقريبا ومن الحلول المهمة أيضا هو تعويد الشباب على الفكر الناقد وبناء الشخصية الواعية التي تدرك ما تقرأ وتناقشه. وفيما يخص الحلول الدائمة، قال عضو الشورى انها تمتد من الحلول السريعة وتحويلها الى مشاريع مؤسسية من خلال تشجيع وتبني المواقع والحسابات التي تستهدف خير الإنسان وبناء وعيه، مشدداً على أهمية الاستثمار الايجابي لهذه الوسائط الالكترونية وان تكون جزءا من روح المجتمع وصيانة حاضره ومستقبله، ومن خلال بناء المشاريع الفكرية المعتمدة على التقنية من المهم وزن محتوى هذه الشبكات الاجتماعية والتوعية بطرق تحويلها الى وسائل إيجابية تخدم التواصل الثقافي والتعليم والتدريب والترفية. ومن الحلول الدائمة التي يراها الشهري، ان تقوم مشروعات وطنية كبرى ترعى التجارب الناجحة وتتبنى المواهب الإيجابية التي تقدم نفسها وفكرها ومواهبها عبر هذه الشبكات بالطريقة الحضارية التي يمكن أن تقود الشباب الى التنافس في مشاريع ومبادرات تعود بالنفع عليهم وعلى مجتمعهم وقال «من المهم قبل بدء اية مبادرات دراسة وتحليل واقع الاستخدامات السلبية والايجابية واشراك الشباب في طرح الافكار للوصول الى رؤى منطلقة من الواقع ومن الطموح الفردي والمجتمعي».