شكل سقوط الرمادي بيد تنظيم داعش نكسة مقلقة، إلا أنه كشف في الوقت نفسه عن حقيقة كامنة طالما تم تجاهلها، وأفرزت على ما يبدو ظروفاً جديدةً ضروريةً من التأمل، وأجواء من الوضوح في أوساط إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما. اجتذبت التطورات الأخيرة التركيز على مواطن ضعف الاستراتيجية التي ينتهجها التحالف المناوئ لـداعش في كل من سوريا والعراق، وسطّرت الحاجة للتوسع الجدي وإعادة التفكير في السياسة المتبعة. كما جاءت بمثابة تذكير للمراقبين بأن النهج الحالي، المتعلق بطريقة شن الحملة، وبالثغرة المقلقة بين الأهداف المنشودة والمصادر المخصصة لمحاولة تحقيقها، يتذبذب بين سياسة تسعى لتدمير داعش وتهميشه، وأخرى تسعى في الواقع لاحتوائه. دليل الضعف يدلل سقوط الرمادي مجدداً على مدى وهن القوات العراقية المسلحة، على الأقل في مواجهة داعش وفي المناطق ذات الأغلبية السنية في العراق. وكما في مفاصل أساسية عدة في الماضي، خلال سقوط الموصل تحديداً، تشتت القوات العراقية، على نحو يثير التساؤل ليس حول القدرة العسكرية لتلك القوات، بل حيال استعدادها للقتال ضد معارضة شرسة عنيدة، واستعادة السيطرة على مناطق من البلاد قد لا تتماهى معها بالكامل. يبدو أن الجيش العراقي لم يطور أي ردّ على هذا الاعتداء الممنهج، حيث إن طريقة التحالف تعتمد على قوات المشاة، التي غالباً لا تكون على مستوى قتال داعش. تولت الميليشيات الشيعية قيادة المجهودات الحكومية الآيلة لاسترداد المناطق الواقعة تحت سيطرة داعش، الذي اتخذ من ذلك ذريعةً للظهور بمظهر حامي الجماعات السنية المحلية، وتصوير الحملة المناهضة له على أنها امتداد لإيران في العراق، ولنظام الرئيس السوري بشار الأسد في سوريا. استحق تنظيم داعش صيتاً ذائعاً في إتقان توجيه الرسائل المؤثرة، إلا أن وجود صور قائد عناصر الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في ساحة المعركة، التي تغص بمقاتلي داعش يوفر الدعاية مجاناً. ما لم يبدأ المقاتلون السنة، تحت أي شعار، بإمساك زمام قتال داعش في العراق، فلن يكون النصر حليف الحكومة العراقية على الأرجح. العيب الواضح في النهاية، سلط سقوط الرمادي الضوء من جديد على عيب واضح يمكن أن يكون قاتلاً في نهج التحالف، الذي لم يجترح أي استراتيجية متكاملة في العراق وسوريا. ولا تزال الهجمات الموجهة ضد تنظيم داعش، حتى اليوم، تقع في إطار الملحق الذي يذيّل الحملة الأساسية المتمركزة في العراق. وتعتبر أسباب تركيز التحالف على العراق بالكامل تقريباً، والنظر لتحركاته في سوريا على أنها داعمة ببساطة لحملة العراق، أقل أهمية بكثير من واقع أن هذا التباين يؤكد فشل الجهود عملياً. لا يمكن القضاء على تنظيم داعش تدريجياً، ولا حيث الوضع مواتٍ سياسياً. فإما أن تكون الجهود الرامية لتفكيك وتدمير التنظيم الإرهابي في النهاية متواصلةً وجدية، أو فإن المهمة الحقيقية ستكون طرده من العراق. ولا يمكن توصيف الخطوة إلا بأنها سياسة احتواء بعيدة كل البعد عن الأهداف المعلنة للعملية. بدا الكثير من عناصر هذا السيناريو واضحاً جداً لفترة طويلة، إلا أن أنه كان يخضع لعلاج مؤقت تخفيفي غامض ومضلل، حتى في البيانات الرسمية للحكومة الأميركية المتعلقة بالحملة خلال الأشهر القليلة الماضية. غير أن الاجتماع الاستطلاعي لوزارة الخارجية الأميركية في 20 مايو أتى صريحاً وغنياً بالمعلومات على نحو مريح، فأشار إلى أن نكسة سقوط الرمادي قد زعزعت على الأرجح أجزاءً، على الأقل، من إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، ودفعت نحو استعداد أكبر لتقييم الصعوبات ومكامن ضعف الحملة علانيةً. يتعين على الولايات المتحدة وشركائها، إما البدء بالالتزام بنوع المصادر، وخوض المخاطر الضرورية لإلحاق ضرر جدي ومستدام في داعش، أو الاعتراف علناً بأن السياسة الحقيقية المتبعة تنطوي على استراتيجية احتواء تعترف بـداعش كجزء من المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط في المستقبل المنظور. اعتراف وصف مسؤول رفيع لم يكشف عن هويته في وزارة الخارجية الأميركية تنظيم داعش بأنه تهديد جسيم وجبار، قائلاً إن الأمر سيستغرق ثلاث سنوات على الأقل لمجرد تفكيك التنظيم، وليس للقضاء عليه. ويقر المسؤول بأن حكومة الولايات المتحدة لا تعرف عدد مقاتلي داعش الإجمالي، ويقول أيضاً: نكون متوهمين إذا لم نتوقف أمام التطورات الراهنة ونتساءل عما جرى من أمور خاطئة؟ إلا أنه، كما أشار الخبير الأمني أنطوني كوردسمان بحق، فإن التحالف والولايات المتحدة تحديداً قد وصلوا اليوم إلى مرحلةٍ من الصراع ضد داعش، حيث هناك حاجة للتحرك تفوق تحديد هزيمةٍ واحدة بدرجة جديدة من المصداقية والعمق.