توافد عدد من مسلمي فينيسيا أول من أمس على المسجد الذي أقامته دولة آيسلندا ضمن مساهمتها في بينالي البندقية، لصلاة الجمعة ولكنهم فوجئوا بالباب موصداً وإشعار رسمي مثبت عليه يعلن إغلاق المسجد لمخالفته القوانين المحلية. ولا يبدو قرار الإغلاق غريبًا، وإن كان محزنًا للمسلمين في فينيسيا، فمنذ أن أعلن عن إقامة مسجد مؤقت داخل كنيسة كاثوليكية غير مستخدمة في حي كاناراغيو ضمن فعاليات بينالي البندقية للفنون، حتى بدأت التحذيرات من قبل السلطات المحلية من المشروع خوفًا من أن يثير ذلك مشاعر عداء أو عمليات إرهابية من جماعات معادية للإسلام أو من جماعات متشددة. كما أبدى البوليس الإيطالي مخاوفه من صعوبة المحافظة على الأمن إذا ما حدثت أي مشكلات، خصوصا أن المساحة خارج المسجد ضيقة ويحدها ممر مائي وجسر صغير. ومع استمرار توافد المسلمين من فينيسيا ومن المدن المحيطة حولها على المسجد للصلاة، بدا أن فينيسيا حصلت أخيرا على أول مسجد في تاريخها. ولعل ذلك ما أثار مخاوف السلطات من أن يتحول ذلك المسجد من مشروع فني إلى واقع قاومته المدينة على مدى تاريخها. الفنان كريستوف بوشيل صاحب فكرة الجناح الآيسلندي والمشرف على إقامة المسجد قال في حديث لصحيفة «نيويورك تايمز» أمس إن البوليس حضر للمسجد - الكنيسة في الصباح الباكر وسلم المسؤولين هناك وثيقة من أربع صفحات تعدد «المخالفات» التي رصدها البوليس، وأشاروا إلى أن عدم السماح بشغل المكان بعد ذلك. وأشار القرار إلى حق الفنان اللجوء للقضاء في خلال 60 يومًا من تاريخه لإلغاء القرار. وأشار بوشيل إلى أنه لن يستسلم وأنه سيحاول بكل الطرق القانونية إلغاء القرار وإعادة فتح المسجد. ومن جانب آخر، أصدر المركز الفني لآيسلندا، وهو الجهة التي كلفت بوشيل بتنسيق الجناح الآيسلندي في البينالي، بيانا استنكر فيه إغلاق المسجد جاء فيه: «لم تهضم السلطات في فينيسيا منذ البداية فكرة جناح آيسلندا في البينالي. ولعل أكثر الأمور إحباطا أن إدارة بينالي البندقية بما لها من مكانة داخل المدينة لم تدعم هذا المجهود الفني كما هو متوقع من مؤسسة بهذه المكانة والاهتمام بالفن المعاصر». وأضاف البيان أن ذلك إنما يعكس أمرا واحدا وهو أن البينالي لم يعد «مجالا للتعبير الفني الحر وأن إدارة البينالي تسمح فقط للفنانين بالتعبير عن مواضيع مقبولة للسلطات المحلية». ولكن إدارة البينالي بادرت بالرد على الانتقاد قائلة إنها تحاول إيجاد حل عبر اجتماعات مع السلطات في المدينة. ولكنها أكدت في نفس الوقت أن المسؤولية عن الأجنحة تقع على الدول المشاركة. ومن جانبهم يقول المنظمون إن الهدف من مشروع المسجد هو «اختبار حدود الحرية الدينية وتسليط الضوء على المشكلات التي تواجه بناء المساجد في الغرب». ولكن السلطات تبرر موقفها بأن الفنان لم يحصل على ترخيص لتحويل الكنيسة إلى مكان للعبادة وأن أمر الإغلاق لا علاقة له بالتسامح الديني، إضافة إلى أن المشروع لم يتبع احتياطات الأمن والسلامة وأن عدد الزوار كان يتجاوز العدد المسموح بوجوده في الكنيسة التاريخية، حيث بلغ عدد المصلين يوم الجمعة الماضية نحو 130 شخصًا وهو يتجاوز الحد المسموح به وهو 90 زائرا. وقال مجلس المدينة في بيان إن مسؤولي الجناح «تقدموا بطلب لاستضافة مشروع فني داخل الكنيسة ولكنهم أقاموا مسجدا». ولم يلق المشروع قبولا من المؤسسة الدينية الكاثوليكية في فنيسيا، حيث قال بيان صادر عن بطريركية فنيسيا إن المشروع أقيم دون استشارتها. وقال البيان: «لأي استخدام خارج عن العبادة المسيحية ينبغي الحصول على ترخيص من السلطات الكنسية بغض النظر عن مالك الكنيسة. وفي هذه الحالة لم يطلب ولم يمنح ترخيص». وكان بوشيل قد افتتح مشروعه بتحويل الكنيسة إلى مسجد مؤقت يوم 8 من الشهر الحالي، مشيرًا إلى أنه مستوحى من العلاقات التاريخية بين فينيسيا والتجار المسلمين، وأن فكرته تخدم قضايا اجتماعية وسياسية حول المهاجرين في أوروبا. وتتواءم الفكرة تماما مع علاقة العرب مع مدينة البندقية قديما عبر التجارة وتشهد مباني المدينة على تلك الصلات؛ ففي أعلى كاتدرائية القديس سان ماركو نرى اللوحات التي تصور التجار المسلمين. وتعاون بوشيل مع جمعيات المسلمين في آيسلندا وفينيسيا لجعل المسجد مكانا لزيارة المسلمين من فينيسيا وما حولها، وأيضا مركزا لجذب السياح المسلمين الذين يفدون لزيارة المدينة. وقام الفنان بمساعدة ممثلي جماعات إسلامية في منطقة فينيسيا وأيضا بمساعدة رابطة المسلمين في آيسلندا بتغيير ملامح الكنيسة من الداخل، حيث وضع سجاد على الأرضيات وقبلة للمصلين وإلى جانبها المنبر الخشبي. وثبت على الحوائط لوحات لعدد من أسماء الله الحسنى وتتدلى من السقف ثريا ضخمة تشبه ثريات المساجد في تركيا. وعلق رئيس الجالية المسلمة في فينيسيا على قرار الإغلاق بقوله: «المشروع كان مبادرة للتسامح ولكن رد فعل المدينة لم يكن متوازنا، فقد كان هذا مسجدا مؤقتا يغلق أبوبه بعد سبعة أشهر». وتضم فينيسيا والمنطقة المحيطة بها جالية مسلمة يصل عددها إلى 20 ألف. اللافت أن المسجد مقام بالقرب من الحي اليهودي «غيتو»، الذي شهد عزل السكان اليهود للمدينة بموجب قانون صدر في عام 1516، والتضييق على شعائرهم، وهو الأمر الذي طبق على التجار المسلمين وقتها، حيث حصر وجودهم في قصر «فونداكو دي توركي»، الذي كان مقرا للتجار الأتراك، وبه أقيمت غرفة للصلاة، وليست مسجدا، في عام 1621.