يستغرق الأمر كثيراً كي تتخلى عن وطنك، لتتزاحم مع آخرين على متن قارب متهالك يكتظ بالبؤساء، وتغامر بحياتك في غيابات المجهول وخطر أعالي البحار. لكن ذلك هو بالضبط ما فعله عشرات الآلاف من أقلية الروهينجا الإثنية في بورما خلال السنوات القليلة الماضية، راحلين قبل أن تضرب الرياح الموسمية أماكنهم وتصبح حياتهم أشد بؤساً. وقد غرق بعضهم في بحر «أندامان»، وتُرك آخرون بعد أن تخلى عنهم تجار البشر الذين وثقوا فيهم، للجوع والعطش على متن قوارب توصف بـ«النعوش العائمة». وعلى نقيض كثير من المهاجرين الذين أنقذتهم الحكومات الغربية في البحر المتوسط، لا يمكن لـ«الروهينجا» الوثوق في حسن نية حكومات دول «جنوب شرق آسيا». وخلال الأسبوع الماضي، أصبح آلاف الروهينجا ضحايا لعبة «بينج بونج» إقليمية، حيث أقدمت حكومات لا تحرص على قبول أي لاجئين سياسيين على رد مراكبهم. ويوم الجمعة، في استثناء ملحوظ، سُمِح لمركب يقل 800 شخص بالرسو في إندونيسيا. وقالت إحدى لاجئات الروهينجا، البالغة من العمر 19 عاماً، والتي فقدت شقيقها في البحر: «لو كنت أعلم أن الرحلة على متن المركب ستكون بهذه الصعوبة، لفضلت الموت في بورما». ومحرك الأزمة يكمن في الجزء الغربي النائي من البلاد المعروفة أيضاً بـ«ميانمار»، حيث يعيش نحو 1.3 من أقلية الروهينجا، ورغم أن بمقدورهم تعقب أصولهم فيما يعرف بـ«بورما» منذ مئات السنين، إلا أن الحكومة البورمية ترفض منح هذه الأقلية المسلمة حق المواطنة والجنسية، وتصنفهم على أنهم «متسللون بنغال» جاؤوا عبر الحدود! وأدت أعمال العنف الجماعية والمذابح الإثنية، التي اندلعت عام 2012، إلى فرار عشرات الآلاف من الروهينجا إلى مخيمات نزوح هزيلة. ويعاني كثير منهم سوء التغذية والانتهاك على أيدي السلطات المحلية، ومن قيود على كل شيء؛ من التنقل والوصول إلى التعليم إلى حق الزواج، لاسيما أنهم ممنوعون من الوصول إلى الخدمات الحكومية المناسبة في كل من بورما وبنجلادش. ووصفتهم الأمم المتحدة مؤخراً بأنهم من بين أكثر الأقليات المضطهدة في العالم. وحذر تقرير أصدره «متحف ذكرى الهولوكوست» الأميركي خلال الشهر الجاري، من ظهور القومية البوذية، ومعاداة المسلمين في بورما، على نحو يجعل الروهينجا معرضين لخطر مزيد من الانتهاكات الجماعية وربما الإبادة. وما يظهر مدى الإنكار الشديد لحقوق «الروهينجا»، إشارة المسؤولين في بورما إلى أنهم لن يحضروا اجتماعاً بشأن أزمة اللاجئين، التي من المزمع أن تستضيفها تايلاند خلال الشهر الجاري طالما أنه تم طرح اسم «الروهينجا» في الجلسة، وهو أمر يشير إلى عدم اعترافهم بهذه الأقلية. وحتى زعيمة المعارضة البورمية الحائزة على جائزة نوبل، «أونج سان سو كي»، لا تزال صامتة بصورة مخزية بشأن مأساة الروهينجا. ... المزيد