تحتفل دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية يوم غد / الاثنين / الموافق 25 مايو الجاري بالذكرى الرابعة والثلاثون لتأسيس المجلس..ويحق لها أن تحتفل بمجلسها الذي حقق العديد من الإنجازات خلال هذه السنوات القليلة في عمر الزمن، كما استطاع الثبات في مواجهة العديد من التحديات التي واجهته ولا تزال..بل إنه في وقت الأزمات التي أصبحت تواجه العديد من الأقطار العربية برز ليكون المواجه الأول والذي وقف صنديدا في وجه محاولات بث الفوضى والعنف والإرهاب في كافة أرجاء العالم العربي، فقام بداية بصون دوله من الوقوع في براثن هذه الفوضى الهدامة، كما بذل الجهود لإنقاذ باقي الدول العربية من هذا المخطط المشبوه الذي يحيق بها ويستهدف مصيرها ومستقبلها، حتى أضحى المجلس أنموذجًا يحتذى به في التعاون والاتحاد بين دوله. إن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية جاء بعزيمة وتصميم أصحاب الجلالة والسمو قادة دول المجلس وتجسيدا لرؤيتهم الثاقبة وإيمانهم بما يمثله هذا الكيان من دور حيوي في حاضر الدول الأعضاء ومستقبل شعوبها وما يعود به عليهم من النفع والخير والعزة، ففي 21 رجب 1401هـ الموافق 25 مايو 1981م توصل أصحاب الجلالة والسمو قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في اجتماع عقد في أبوظبي إلى صيغة التعاون بين دول الست والتي كان من أهم أهدافها تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الخليجية في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضا على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس. وجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط بين الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وان التعاون فيما بينها إنما يخدم الأهداف السامية للأمة العربية والنظام الأساسي للمجلس. وانطلاقًا من هذه الأهداف النبيلة سارت مسيرة المجلس المباركة وعلى مدار الأربعة والثلاثون عامًا الماضية استطاعت دول المجلس تحقيق العديد من الإنجازات في مجال التعاون المشترك، تحقيقًا للأهداف التي نص عليها نظامه الأساسي، ففي مجال السياسة الخارجية تنامى الدور السياسي لمنطقة الخليج، من خلال الموقف والأداء السياسي الموحد الذي يتخذه مجلس التعاون، حيث يأخذ هذا الموقف القوة اللازمة والفاعلة، لأنه يصدر عن اتحاد يضم ست دول. وكان لهذا التنامي العديد من الإنجازات في مجال السياسة الخارجية للمجلس، أبرزها العمل على إنهاء الحرب العراقية الإيرانية، وتطويق ما يمكن أن يصيب المنطقة من تأثيرات نتيجة هذه الحرب، وتحرير دولة الكويت، حيث كانت قوات درع الجزيرة المشتركة من أبرز القوى المشاركة في التحرير، تطبيقاً لاتفاقية الدفاع المشترك، والدعم الدائم والمستمر لدولة الإمارات العربية المتحدة في قضية الجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، التي تحتلها إيران، إضافة إلى تنسيق المواقف تجاه العلاقات مع إيران، وتجاه الأزمة التي يسببها الملف النووي الإيراني. كما دعم المجلس القضية الفلسطينية وعملية السلام، وعالج وما يزال المشكلات التي تهدد استقرار اليمن وجنبه الدخول في حرب أهلية مدمرة، إذ مثلت المبادرة الخليجية حلاً سياسياً فعالاً لانتقال سلمي للسلطة، وبدء مشروع إصلاحي سياسي واقتصادي شامل حظي بمساندة ودعم من المجتمع الدولي ومجلس الأمن، وهذا الموقف السياسي الموحد لدول المجلس أوجد لها مكانة خاصة في خريطة صناعة القرار والاستقرار العالمي. وفي المجال الاقتصادي فإن من أهم إنجازات المجلس نجاحه في تنشيط حركة التجارة بين دوله، بفضل الاتحاد الجمركي وإنشاء السوق الخليجية المشتركة؛ فقد حققت التجارة البينية في دول مجلس التعاون قيمة تعدت 100 مليار دولار في عام 2014، مرتفعة بمقدار يفوق السبعة أضعاف عمَّا كانت عليه في عام 2000؛ أي قبل البدء في التنفيذ الفعلي للاتحاد الجمركي. والآن ما زالت الجهود منصبَّة نحو تحقيق أهمِّ خطوات التكامل؛ وهو إصدار العملة الخليجية الموحَّدة. وفي المجال الأمني استطاعت دول مجلس التعاون تحقيق العديد من الإنجازات أبرزها الاتفاقية الأمنية الخليجية التي جرى اعتمادها في الدورة رقم 33 للمجلس الأعلى لمجلس التعاون التي عقدت في مملكة البحرين يومي 24 و25 ديسمبر 2013. والتي برزت أهميتها في ظل ما تتعرض له المنطقة من اضطرابات أمنية، بهدف تحصين دول مجلس التعاون منها، كما أن التنسيق بين الأجهزة الأمنية في دول مجلس التعاون موجود منذ إنشاء المجلس، تنفيذا للمادة (4) من النظام الأساسي، وفي الاجتماع الأمني الأول بين دول المجلس الذي عقد في الرياض خلال الفترة 23- 24 فبراير 1982، تشكلت لجان أمنية متخصصة نتج عن عملها منطلقات ومبادئ وأهداف التعاون الأمني، والتي أكدت على وحدة وترابط أمن دول المجلس ومبدأ الأمن الجماعي، معتبرةً أن التدخل من قِبل أية جهة كانت في الشؤون الداخلية لإحدى الدول الأعضاء هو تدخل في الشؤون الداخلية لجميع دول المجلس. وعلى الصعيد العسكري كان من أهم إنجازات المجلس اتفاقية الدفاع المشترك، التي تم التوقيع عليها في قمة المنامة في ديسمبر 2000، حيث وضعت الاتفاقية المرتكزات الأساسية في التعاون العسكري، كما أكدت عزم هذه الدول الدفاع عن نفسها بصورة جماعية، انطلاقاً من أن أي خطر يهدد إحداها إنما يهددها جميعاً، إضافة إلى رفع القدرات الذاتية والجماعية، وجعل تأسيس وتطوير قاعدة الصناعات العسكرية ضمن الأولويات، وتشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في هذه المجالات. كما وضع المجلس استراتيجية دفاعية في ديسمبر 2009، حيث وضعت رؤية استراتيجية للعمل على تنسيق وتعزيز التكامل والترابط، وتطوير الإمكانات الدفاعية وصولاً إلى التكامل الدفاعي والعمل الجماعي. وتعتبر قوات "درع الجزيرة المشتركة" ضمن هذه الإنجازات البارزة، التي تشكلت بقرار في 10 أكتوبر 1982، وصدرت في ما بعد قرارات بتطوير هذه القوة وتحديثها، لتكون ذات كفاءة عالية عملياً، وتقنية حديثة تؤهلها للقيام بدورها في حفظ الأمن والاستقرار، وحماية مكتسبات المجلس، إلى جانب إنشاء القيادة العسكرية الموحدة ومركز العمليات البحرية الموحد ومركز العمليات الجوية والدفاع الجوي الموحد، واستمرار التنسيق المشترك في كل المجالات العسكرية. وفي المجال الاجتماعي استطاعت دول المجلس تحقيق العديد من الإنجازات وأهمها تمتع مواطني دول المجلس الطبيعيين والاعتباريين بالمعاملة الوطنية في أي دولة من الدول الأعضاء، بحيث تتوفر لهم جميع المزايا التي تمنح للمواطنين في جميع المجالات وعلى وجه الخصوص المسارات العشر للسوق الخليجية، وهي التنقل والإقامة، والعمل في القطاعات الحكومية والأهلية، والتأمين الاجتماعي والتقاعد، وممارسة المهن والحرف، ومزاولة جميع الأنشطة الاقتصادية والاستثمارية والخدمات، وتملك العقار، وتنقل رؤوس الأموال، والمعاملة الضريبية، وتداول الأسهم وتأسيس الشركات، إضافة إلى الاستفادة من الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية فتحقق لمواطني دول المجلس المساواة في هذه المسارات. إن الإنجازات التي حققها مجلس التعاون الخليجي، بفضل التعاون بين دوله، تعزز الآمال بقيام الاتحاد الخليجي، الذي دعا العاهل السعودي الراحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ال سعودة طيب الله ثره لقيامه، خصوصاً أن التحديات التي تواجه دول المجلس واحدة، وكون الاتحاد ضرورة داخلية وإقليمية، وضرورة أمنية واقتصادية، وسيكون عنصراً لاستقرار المنطقة.وما يدفع للتفاؤل في هذا الصدد توافر الإرادة السياسية والشعبية لإكمال مسيرة مجلس التعاون والوصول به إلى مرحلة التكامل والاتحاد.