تونس: المنجي السعيداني تنتظر تونس اليوم الإعلان عن رئيس الحكومة الجديد في ظل تفاؤل حذر ومخاوف من إمكانية عودة التجاذب السياسي المستفحل منذ أشهر. وسيكون رئيس الوزراء الجديد مدعوا لتشكيل حكومة كفاءات تخلف حكومة علي العريض المتعهد بالاستقالة في غضون أسبوعين من تكليفه الرسمي. وتولت أربع شخصيات سياسية منصب رئاسة الحكومة التونسية وهم على التوالي محمد الغنوشي والباجي قائد السبسي وحمادي الجبالي وعلي العريض، وذلك في أقل من ثلاث سنوات من نجاح ثورة 14 يناير (كانون الثاني) 2011. ومن المنتظر أن يعلن حسين العباسي رئيس نقابة العمال (الاتحاد العام التونسي للشغل) الطرف الرئيس الذي يقود الحوار بين الحكومة والمعارضة، صباح اليوم عن اسم رئيس الحكومة الجديدة. ويبدو أن جميع الأطراف السياسية بما فيها جبهة الإنقاذ المعارضة والثلاثي الحاكم بقيادة حركة النهضة قد قبلوا بتولي محمد الناصر لهذا المنصب. وانحصر سباق الأمتار الأخيرة بين محمد الناصر وزير الشؤون الاجتماعية السابق، ومصطفى كمال النابلي المحافظ السابق للبنك المركزي، وجلول عياد وزير المالية السابق. وكان اثنان من المرشحين الثلاثة قد تولوا حقائب وزارية في حكومة الباجي قائد السبسي التي خلفت حكومة محمد الغنوشي بعيد الثورة. وتميل الكفة بين المتنافسين الثلاثة لصالح محمد الناصر (69 سنة) بعد تخلي منصور معلى الخبير الاقتصادي وأحمد المستيري مؤسس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين في وقت مبكر، عن مواصلة المنافسة على الرئاسة. ويحظى الناصر بتجربة سياسية طويلة ويتمتع بعلاقات وطيدة مع التيارات اليسارية المعارضة. ويعرف عن الناصر تحدي الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة وتقديم استقالته من وزارة الشؤون الاجتماعية منتصف عقد الثمانينات من القرن الماضي. وتخشى الأطراف السياسية المشاركة في الحوار من إمكانية رفع المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية، «فيتو» في وجه رئيس الحكومة الجديدة باعتبار أن القانون المنظم للسلط العمومية (الدستور المصغر) يتيح للمرزوقي تكليف شخصية من الحزب صاحب أغلبية المقاعد في المجلس التأسيسي (البرلمان) بتشكيل الحكومة. وتستند هذه المخاوف إلى رفض حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي يتولى المرزوقي رئاسته الشرفية، الإمضاء على وثيقة الحوار السياسي ووجوده في عزلة خارج دائرة الحوار الوطني. وكان عماد الدايمي الأمين العام للحزب قد انتقد تعهد علي العريض بالاستقالة وعدها «أخطر منعرج ستشهده المسارات الثورية وسيكون الخطوة الحاسمة للانقلاب وللثورة المضادة» على حد تعبيره. ورفض وزراء حزب المؤتمر من أجل الجمهورية في السابق الاستقالة من حكومة حمادي الجبالي وتمسكوا بالبقاء في السلطة ما أدى إلى تفكك الحزب وتشكيل محمد عبو مع عدد من القيادات السياسية حزب «التيار الديمقراطي». وسيكون الأسبوع المقبل حافلا بالمزيد من الأحداث من بينها تشكيل الحكومة الجديدة المكونة من 15 إلى 20 حقيبة وزارية فحسب ومواصلة صياغة نص الدستور الجديد والتصديق على القانون الانتخابي وذلك وفق ما نصت عليه وثيقة خارطة الطريق التي أمضت عليها معظم الأطراف السياسية. وتتجه النية نحو إحداث خطة نائبي رئيس للحكومة أحدهما يكلف بالملف الاقتصادي ويحظى مصطفى كمال النابلي محافظ البنك المركزي السابق والمرشح لرئاسة الحكومة بأوفر الحظوظ لتولي هذه المهمة لما ما يعرف عنه من علاقات جيدة مع هياكل التمويل الدولي. ويكلف نائب الرئيس الثاني بالملف الأمني ومجابهة العنف والإرهاب وقد يرشح لهذا المنصب الحبيب الصيد وزير الداخلية السابق. وفي سيدي بوزيد وسط تونس، تمكنت أمس قوات أمنية مشتركة تجمع الشرطة والحرس والجيش من القبض على ثمانية مسلحين في منطقة «أم العظام» من بينهم امرأتان. وذكرت مصادر أمنية من سيدي بوزيد لـ«الشرق الأوسط» أن عنصرا من بين الموقوفين عائد من سوريا وهو موضوع تفتيش أمني كما شارك معظم العناصر الإرهابية فيما يعرف في تونس بقضية سليمان التي جدت أحداثها نهاية سنة 2007، وتمتعوا بالعفو الرئاسي بعد الثورة. وأشارت إلى أن المجموعة المسلحة كانت متحصنة في منزل مهجور قبل أن تتعرض للقصف باستعمال المدرعات والمروحيات العسكرية. وتعرض أحد العناصر الأمنية إلى جرح بسيط دون تسجيل خسائر بين قوات الأمن والجيش التونسي. في غضون ذلك، أعلن الشيخ راشد الغنوشي عن تكليف المكتب القانوني للحركة بفتح تحقيق قضائي وتتبع المحلل السياسي نصر بن سلطانة بعد اتهام الغنوشي على القناة الوطنية التونسية الأولى، بمقابلة «أبو عياض» زعيم التيار السلفي الجهادي سنة 2011 ودعوته لاختراق شباب تنظيم «أنصار الشريعة» المحظور لمؤسستي الأمن والجيش ومن ثم السيطرة على هاتين المؤسستين غير المضمونتين، وذلك حسب تقرير أعده باحث أميركي يدعى هارون زيلين بمعهد. وفي هذا الشأن، قال المحلل السياسي نصر بن سلطانة وهو يشغل كذلك منصب رئيس الجمعية التونسية للدراسات الاستراتيجية والأمن الشامل في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن لديه ثقة في القضاء التونسي ونفى أن يكون تجاوز ما يخوله القانون، بإعلانه عن مضمون تقرير أميركي في متناول جميع الناس على حد تعبيره. وأضاف أن حرية التعبير والرأي مضمونة في تونس بعد الثورة، وقال إنه أشار فقط إلى تقرير أميركي حول اللقاء المفترض بين الغنوشي و«أبو عياض»، ولم يتبن محتواه وأنه كرر أمام المشاهدين أكثر من مرة عبارة «أورد هذا الأمر بتحفظ». وفي تعليقه على تلك الاتهامات، قال الغنوشي على صفحته بالمواقع الاجتماعية إنها «تصريحات كاذبة وافتراءات باطلة جملة وتفصيلا». ونبه إلى خطورة «خطابات التحريض والشحن ونشر الفرقة والفتنة بين التونسيين» على حد قوله. ودافع القيادي عامر العريض عن زعيم حركة النهضة بالقول إن بن سلطانة «خبير في تشويه النهضة ويتغاضى عن المجهودات التي تبذلها في سبيل إنجاح الحوار الوطني»، وأضاف أن «تاريخ بن سلطانة مع النظام القديم معروف» وهو على حد تعبيره «غير محايد بالمرة». وفي نفس السياق، قال زبير الشهودي رئيس مكتب الشيخ راشد الغنوشي لـ«الشرق الأوسط» إن تصريحات بن سلطانة «مجرد أكاذيب لا أساس لها من الصحة». واتهم الإعلام التونسي بلعب دور سلبي بدعمه استراتيجية الترهيب على حد تعبيره، لإرباك الوضع والتأثير على أجواء التهدئة والحوار السائدة بين الفرقاء السياسيين.