×
محافظة المنطقة الشرقية

مشكلة تبحث عن حل …حاضنات الأطفال تستنزف 70 % من مكافآت المبتعثين السعوديين في بريطانيا شهرياً

صورة الخبر

انظر معي إلى حالك من الدنيا فأنت واحد من ثلاثة كما كل الناس، إما منكب عليها لاهث وراء ملذاتها متبعاً شهواتك، وإما منصرف عنها زاهد فيها لا تقيم لها وزناً ولا تلقي لها بالاً ولا تعرف لك فيها دوراً، كأنك لم تأت إليها من الأصل، وإما مقتصد في شأنها تأخذ منها بقدر ما يعينك على أداء دورك فيها، وبقدر ما يوطئ لحياتك فيما بعدها، وإذا أنت قرأت القرآن الكريم باحثاً عن لفظة الدنيا فيه فستجدها وردت في سياقات ثلاثة، إما التحذير منها وإما تفضيل الآخرة عليها وإما الأخذ بنصيب منها مع جعل الآخرة هي المقصد الأهم، باعتبار الدنيا في المفهوم القرآني هي مزرعة الآخرة، وهي دار عمل بينما الآخرة دار حساب . والمتأمل في حديث القرآن الكريم عن الدنيا يجد أن القرآن يقرر بكل وضوح وقوة وصراحة قِصَر هذه الحياة الدنيا وتفاهتها، وتضاؤلها في جنب الحياة الآخرة، التي يعتبرها الحياة الحقيقية، "اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" . "متاع الغرور" وقد وصف سبحانه الحياة الدنيا في أكثر من موضع في كتابه الكريم بأنها متاع الغرور والقرآن الكريم يذم ويُشنع على من يؤثر الدنيا الفانية العارضة، على الآخرة الباقية الخالدة: "إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها، أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون"، ومن ثم يوجهنا القرآن الكريم إلى حقيقة الحياة الدنيا باعتبارها مقراً مؤقتاً للعمل ودار ابتلاء لتمييز الصالح من الطالح، والمصلح من المفسد، وأن الدار الآخرة هي الدار الحقيقية الباقية، وهي الجديرة بالاهتمام والاعتناء ولا ينبغي للعاقل الفطن أن يقدم ما يفنى على ما يبقى: "وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها وما عند الله خير وأبقى أفلا تعقلون" . لا ينبغي أن يفهم أن موقف المسلم من الدنيا سلبي بأي صورة من الصور، بل هو موقف متوازن، يجعله يدعو ربه أن يجعل الدنيا في يديه لا في قلبه، فيأخذ منها ما يخدم دينه وآخرته، ويُعْرِض عنها في كل ما يعود بالضرر عليه دنيا وآخرة، والقرآن الكريم يثني على من يجمع بين أمري الدنيا والآخرة: "ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة"، ويخاطب الله عباده بالاقتصاد في طلب الدنيا، والأخذ منها بقدر، فيقول سبحانه: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا"، وجعل غاية وجود الإنسان في هذه الدنيا إعمارها بكل ما هو نافع، واستصلاحها بكل ما فيه خير، يقول سبحانه في هذا الصدد: "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" . عابر سبيل وكان صلى الله عليه وسلم ينبه أصحابه إلى أنه لا عيش غير عيش الآخرة وكان يدعو في أثناء غزوة الأحزاب وهو والصحابة رضوان الله عليهم يحفرون الخندق من حول المدينة خشية أن يقتحمها عليهم المشركون وأحزاب الشيطان فيقول صلى الله عليه وسلم: "اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة"، وهو الذي كان يقول: "مالي وللدنيا، إنما مثلي ومثل الدنيا، كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها"، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين عن أن يمدوا في حبال الأمل فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قال:أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، وهذا الحديث أصل في قصر الأمل في الدنيا، وأن المؤمن لا ينبغي له أن يتخذ الدنيا وطناً ومسكناً، فيطمئن فيها، ولكن ينبغي أن يكون فيها كأنه على جناح سفر، يهيئ جهازه للرحيل، وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال ستاً: طلوع الشمس من مغربها، أو الدخان، أو الدجال، أو الدابة، وخاصة أحدكم، أو أمر العامة" . أسوأ ما في الدنيا وفي باب "كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وتخليهم من الدنيا" الكثير مما يرويه البخاري عن أبي هريرة وكان يقول: "الله الذي لا إله إلا هو إن كنت لأعتمد بكبدي على الأرض من الجوع، وإن كنت لأشد الحجر على بطني من الجوع"، وروي عن سعد بن أبي وقاص، أنه قال: "إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ورأيتنا نغزو، وما لنا طعام إلا ورق الحبلة وهذا السمر، وإن أحدنا ليضع كما تضع الشاة، ما له خلط"، وعن عائشة رضي الله عنها قولها: "ما أكل آل محمد صلى الله عليه وسلم أكلتين في يوم، إلا إحداهما تمر"، وقالت رضي الله عنها: "كان يأتي علينا الشهر ما نوقد فيه ناراً، إنما هو التمر والماء، إلا أن نؤتى باللحيم"، وقالت: "ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام بر ثلاث ليال تباعاً حتى قبض" . أسوأ ما في الدنيا أنها تنسي بني آدم أنهم عنها راحلون، ويروي عبد الله رضي الله عنه قال خط النبي صلى الله عليه وسلم خطاً مربعاً، وخط خطاً في الوسط خارجاً منه، وخط خطوطاً صغاراً إلى هذا الذي في الوسط، من جانبه الذي في الوسط وقال: "هذا الإنسان، وهذا أجله محيط به (أو قد أحاط به) وهذا الذي هو خارج أمله، وهذه الخطوط الصغار الأعراض، فإن أخطأه هذا نهشه هذا، وإن أخطأه هذا نهشه هذا"، والمعنى نفسه بطريقة أخرى يحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن يصل إلينا وأن نعيه ولا يغيب عن بالنا فعن سعيد بن المسيب أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنتين في حب الدنيا، وطول الأمل" . الوطن الأول لن تكون الدنيا للمؤمن دار إقامة ولن تكون له وطناً، فالمؤمن فيها على أحد وجهين: إما أن يكون كأنه غريب مقيم في بلد غربة، فهو غير متعلق القلب ببلد الغربة، بل قلبه متعلق بوطنه الذي يرجع إليه، وهمه التزود للرجوع إلى وطنه، أو يكون كأنه مسافر غير مقيم البتة، بل هو ليله ونهاره، يسير إلى بلد الإقامة، وقال الحسن: "المؤمن في الدنيا كالغريب لأنه لما خلق آدم أسكن هو وزوجته الجنة، ثم أهبطا منها، ووعدا الرجوع إليها، وصالح ذريتهما"، فالمؤمن أبداً يحن إلى وطنه الأول، ومن كانت هذه حاله في الدنيا، فهمته تحصيل الزاد للسفر، وليس له همة في الاستكثار من متاع الدنيا، ولهذا أوصى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه أن يكون زادهم من الدنيا كزاد الراكب، فقال صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: "اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"، كل هذا من أجل الحياة الحقة، من أجل عيش الآخرة في الجنة التي يبلغنا رسولنا أن أصغر موضع فيها خير من الدنيا وما فيها فعن سهل قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "موضع سوط في الجنة خير من الدنيا، وما فيها، ولغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها" . وكان علي رضي الله عنه يقول لأصحابه: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل" . تفضل الله عز وجل على هذه الأمة بمنن عظيمة، ومواسم خير كريمة لا تكاد تنقطع، ولا شك في أن من أجل تلك المواسم، موسم رمضان، وكما أن على المرء أن يصلي صلاة مودع، وأن يحج، حج مودع، فعليه كذلك أن يصوم صيام مودع لرمضان، لعله لا يدرك رمضان القابل، فالعبادة عندما يؤديها العبد بهذه النية وبهذا الخوف يحافظ عليها ويحتاط فيها أكثر، ويخشى من فسادها وضياعها، فالموت آتٍ وكل آتٍ قريب، وهو أقرب إلى أحدنا من شراك نعله، وإذا تمكن هذا الشعور من قلب المؤمن عوفي من الأدواء الخطرة، وأسوأها حب الدنيا، وطول الأمل .