سادت حالة انخفاض في التفاؤل ، وضعف في الإقبال على أسواق الاكتتاب في دول مجلس التعاون الخليجي خلال الربع الأول من العام 2015، وذلك بسب أداء الأسواق الضعيف إثر الهبوط الذي خيّم على أسعار النفط في أواخر عام 2014. ويعد النفط أحد المحركات الرئيسية للنمو الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد كان لتراجع أسعار النفط أثر كبير على اقتصاد المنطقة وسوق الاكتتاب، وخير دليل على ذلك هو اكتتاب شركة مسار للحلول (مسار) الذي كان متوقعاً في يناير 2015، حيث كانت الشركة قد قررت طرح أسهمها في سوق أبوظبي للأوراق المالية قبل أن تجبر على تأجيل الطرح. لم تدم الآمال المعقودة في أوائل العام على حجم الطلب المتوقع لسوق الاكتتاب طويلاً متأثرة بتقلب السوق من جراء انخفاض أسعار النفط، ما أسفر عن شعور المستثمرين بالخطر وتجميدهم لأي خطط استثمارية. وفي أعقاب الهدوء النسبي الذي ساد الشهرين الأولين من العام، شهد شهر مارس اكتتاباً واحداً خلال الربع في بورصة ناسداك دبي، لشركة أوراسكوم للإنشاءات المحدودة من خلال إدراجها المزدوج لدى البورصة المصرية إلى جانب ناسداك دبي ما يجعلها أول شركة مدرجة في كلتا البورصتين. ويأتي هذا بفضل اتفاق التعاون المبرم في نوفمبر 2014 بين ناسداك دبي والشركة المصرية، شركة مصر للمقاصة والإيداع والقيد المركزي (شركة مصر للمقاصة)، بهدف دعم الشركات الراغبة في إدراج أسهمها في البورصتين معاً. وحققت أوراسكوم عوائد إجمالية بلغت 185 مليون دولار من اكتتابها العام الأولي بحسب قسم أسواق رأس المال وخدمات الاستشارات المحاسبية لدى بي دبليو سي. وبالنظر إلى أداء سوق الاكتتابات مقارنة مع الربع نفسه في العام المنصرم، فمن حيث عدد الاكتتابات ظل النشاط منخفضاً نسبياً على غرار نشاط سوق الاكتتابات المعتاد خلال مدة الربع الأول في دول مجلس التعاون الخليجي. اذ شهد الربع الأول من عام 2014 اكتتابين مقابل اكتتاب واحد في نفس الربع من عام 2015، بإجمالي عوائد محققة أعلى في الربع الأول من عام 2014 بقيمة 953 مليون دولار أمريكي مقارنة ب 185 مليون دولار خلال نفس الربع من عام 2015. كما انخفض نشاط سوق الاكتتابات في الربع الأول من عام 2015 مقارنة بالربع الأخير من العام السابق على مستوى عدد الاكتتابات وقيمة الطرح، حيث حققت خمسة اكتتابات عوائد بقيمة 7.3 مليار دولار مدفوعة بشكل رئيسي باكتتاب البنك الأهلي التجاري الذي حقق ما مجموعه 6 مليارات دولار، ما جعله أكبر اكتتاب في المنطقة خلال عام 2014 و ثاني أكبر اكتتاب على مستوى العالم بعد شركة علي بابا الصينية. وقال ستيف دريك، رئيس قسم أسواق المال وخدمات الاستشارات المحاسبية لدى بي دبليو سي في منطقة الشرق الأوسط: انعكس أثر الانخفاض في أسعار النفط على هدوء أداء سوق الاكتتابات في المنطقة خلال الربع الأول من عام 2015 مع إحجام المستثمرين عن الاكتتاب فضلاً عن الشكوك حول تقييم ما أسفر عن حالة الترقب والحذر بين الشركات المصدرة. وتشير التوقعات حول نشاط سوق الاكتتابات خلال الفترة المتبقية من العام إلى التحسّن المنتظر على خلفية الاكتتابات المقررة والتصريحات المتعددة من الشركات المصدرة ولا سيما في أسواق المال لدى كل من الإمارات والسعودية. فقد أعلنت هيئة السوق المالية السعودية مؤخراً أنها تخطط لفتح السوق للاستثمار الأجنبي في شهر يونيو، ومن المتوقع أن يؤدي ذلك الإعلان إلى تحسّن اتجاه السوق. وتتوقع بي دبليو سي استمرار حالة الترقب والحذر في المملكة نظراً لحالة الغموض وركود النشاط لدى بلدان أخرى داخل المنطقة. وإن السوق المصرية هي السوق الوحيدة التي يبدو أنها تظهر حاليًا بعض علامات القوة بسبب الدعم الذي تتلقاه من الحكومة المصرية.. تخفيف شروط الاكتتاب في الإمارات. وعلاوة على ذلك فقد بادرت الهيئات التنظيمية في دولة الإمارات باتخاذ بعض الخطوات الملموسة في الآونة الأخيرة ويأتي على رأسها إبرام اتفاق التعاون بين ناسداك دبي والبورصة المصرية وقانون الشركات التجارية الإماراتي الجديد الذي من المتوقع أن يسهم إلى جانب العديد من المزايا الأخرى في تخفيف شروط الاكتتاب ودعم عمليات البيع من قبل المساهمين الحاليين واتباع أسلوب تسجيل المكتتبين المحتملين الذي من المنتظر أن يعزز بشكل أكبر من عمليات الطرح.وعلى النقيض من الأداء الهادئ لنشاط سوق الاكتتاب العام الأولي في دول مجلس التعاون الخليجي، فقد استهل سوق الاكتتاب نشاطه في أوروبا بدور كبير مع بداية عام 2015 من خلال 81 اكتتاباً بإجمالي عوائد 18.3 مليار دولار (بما يعادل 16.4 مليار يورو)، وهو مستوى لم يسبق له مثيل منذ حقبة الدوت كوم التي جُمعت فيها عوائد تعدت 30.2 مليار دولار (بما يعادل 27 مليار يورو) خلال الربع الأول من عام 2000. كانت الغالبية العظمى من العائدات في قارة أوروبا من نصيب بورصة مدريد ويورونكست والبورصة السويسرية التي جمعت معاً أكثر من نصف إجمالي عوائد الاكتتاب في أوروبا. ويأتي هذا الانتعاش في سوق الاكتتابات في أعقاب الهدوء الذي خيّم على النصف الثاني من عام 2014 الذي لم يحقق سوى 17.7 مليار دولار (بما يعادل 15.8 مليار يورو) من مجموع الاكتتابات التي طُرحت خلال الأشهر الستة الأخيرة من العام الماضي نظراً لإرجاء بعض الشركات طرح أسهمها حتى الربع الأول من العام الحالي. إضافة إلى أن نشاط الربع الأول من عام 2015 يمثل زيادة بنسبة 44% عن نفس الربع الأول من العام السابق الذي جمع فقط 12.7 مليار دولار أمريكي (بما يعادل 11.4 مليار يورو)، وتأتي هذه الزيادة من جراء سيل الصفقات في قطاع التجزئة للاستفادة من نتائج التداول القوية خلال أعياد الميلاد. استقرار نسبيلسوق الديون قال ستيفن دريك: أظهر نشاط سوق الديون في المنطقة خلال الربع الأول من عام 2015 استقراراً نسبياً إذا ما قورن بحجم الأثر الذي تركه انخفاض أسعار النفط على سوق الاكتتابات العامة الأولية خلال ذات الربع. لقد رأينا الطلب القوي من جانب المستثمرين على إصدارات السندات والصكوك ولا سيما مع تجاوز الصفقات حجم المعروض وتسعيرها على مستويات أكثر صرامة، مؤكداً بذلك معدلات السيولة المرتفعة داخل المنطقة. كما أن هناك قدرا معينا من الغموض ما زال يكتنف أداء سوق الديون للفترة المتبقية من عام 2015، بيد أن مشاريع تطوير البنى التحتية وغيرها من الفعاليات المهمة في المنطقة مثل بطولة كأس العام 2022 التي ستقام في دولة قطر ومعرض إكسبو 2020 الذي سيقام في إمارة دبي والمشاريع الأخرى في قطاع المواصلات لدى كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تدفعنا إلى رؤية المزيد من إصدارات السندات والصكوك المتوقعة لتمويل مثل هذه المشاريع، مع إيلاء الاهتمام للتمويل الإسلامي على غرار إمارة دبي وعلى نطاق أوسع دولة الإمارات العربية المتحدة من خلال السعي لاستقطاب المعاملات المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية.