وصلتني الكثير من الآراء والتعليقات تعقيبا على مقال الخليج العربي الذي نُشر في 14 مايو 2015. ولن أذكر من أثنى على المقال من رجال ونساء لأنهم كثر، لكني سأذكر الأفكار الجديدة المطروحة. كان للخليج مسميات عدة عبر التاريخ، خليج البحرين، وخليج البصرة، وخليج فارس، والخليج العربي، ومنذ القرن الثامن عشر وحتى نهاية القرن التاسع عشر غلبت تسمية خليج فارس على المراسلات الرسمية بين قوى الاستعمار آنذاك وحتى يومنا هذا، أما تسمية الخليج العربي فقد أكدها الرئيس الخالد جمال عبد الناصر إبان مشروعه القومي ضد الهيمنة الاستعمارية والتي كان شاه إيران طرفا فيها وداعما لها. لكن لماذا أُغفلت التسميات التاريخية الأخرى؟ تسميته بخليج البحرين أو البصرة. ثم لماذا تم التركيز فقط على مسمى خليج فارس؟ إن مسمى الخليج اختلفت فيه الآراء، وجوهر الاختلاف قومي من الطرفين وتطور إلى تعصب واتهامات، ويا ليتنا نركز على الفكرة من جانبها التاريخي فقط مستندين على الأدلة والبراهين والحقائق، على الرغم من أننا نميل إلى تسميته بالعربي بحسب أهوائنا العروبية، أما إذا أردنا أن ننجر إلى خانة الصراع المذهبي والقومي بسبب هذه التسمية، فعلينا أن نلتفت إلى ما فعله العثمانيون بنا كعرب وسياسة التركنة البغيضة عندما كانوا يمثلون الخلافة السنية، ولو أبرز الإعلام دورهم في الوطن العربي لوجد أنهم يبحثون عن أمجادهم ومصالحهم على حسابنا، ومازالت تركيا تحلم بعودة الموصل وتفتيت سورية، وأن تكون دولة لها هيمنة كحال إيران في المنطقة، أما نحن فمشغولون باقتتال بعضنا بعضاً كي لا يكون لنا حضور ولا عزة ولا قرار. وعندما تصر إيران على تسمية الخليج بخليج فارس فليس فقط كما يشاع نكاية وكرها لنا نحن العرب، وإنما انطلاقا من مرئيات تاريخية عبر حضارتهم وهو حق لهم، وكذلك من حقنا كعرب أن نصر على التسمية، ويمكن الرجوع إلى كل الخرائط التاريخية في المنطقة ولكن من باب الاعتزاز بعروبتنا نود ان يُسمى بالخليج العربي. علينا ألا نجير التسميات ونصنف الناس في خانة المتعصبين والكارهين للعروبة وعنصريين لهذا السبب، وعلينا أن نطرح الأدلة والبراهين ونترك النوايا جانباً، وعلينا ألا نخلط بين النقاش على تسمية منطقة جغرافية وبين الانجرار إلى مواقف سياسية تحركها الأهواء لكل من يملك أسباب القوة والقرار، وعلينا ألا نحكم على من قال بهذه التسمية إنه موالٍ إلى إيران ونبني مواقف تجاهه، إن المواقف السياسية جرّت البعض إلى أن يطلب بترحيل الشيعة من الخليج إلى إيران، علينا أن نبتعد عن الاتهامات التي تُلقى جزافا ونحترم الدراسات الموضوعية المحايدة ثم نختار. إن لكل دولة الحق في الدفاع عن مصالحها والاستفادة من عمقها الجغرافي والتاريخي وتنوعها الإثني وميراثها الحضاري وموقعها الجغرافي، وهنا تعمل البراغماتية فعلها بعيدا عن المبادئ والقيم، إنها السياسة، وبالتالي من يبحث عن دور في المنطقة لابد وأن يكون نداً للقوى العظمى. أما من لا يعمل لمصلحته ولا يفكر في شعبه ولا يستفيد من كل ما يملك من مميزات فليتحمل ما يناله. أهواؤنا وعروبتنا وميولنا وأصولنا تجبرنا القول إنه الخليج العربي، لكن علينا ألا نتهم الآخرين جزافا في ولائهم لأن هذا يجعلنا في خانة الصراع الطائفي الذي يُراد أن يستشري في المنطقة العربية كلها. ليس بالضرورة أن يسمى بالخليج العربي بسبب أن معظم الدول المطلة عليه عربية، فمثلا نرى أن بحر العرب سواحله معظمها تطل على الهند ولم يتم تغيير اسمه لبحر الهند، التسميات إما تاريخية أو بتوافق سياسي. لكن لا ننسى أن سمي محيط باسم القارة الهندية وليس بحراً فقط. يُسمى بحر العرب في القسم الذي يطل على عمان، أما الجانب الذي تطل عليه روسيا يسمى باسم مختلف. لقد ماتت العروبة والحس والوطني عند البعض، وفي إيران توجد عصبية لقوميتهم تجعلهم يكرهون العرب، وستظل إيران دولة مستعمرة ومغتصبة لأراضٍ عربية وستظل دوما الجار الذي يجب الاحتراس منه والتعامل معه بحذر وندية، وهذا لن يكون ونحن دول ضعيفة وقبلية وطائفية. ومن الطبيعي أن يسمى الخليج بالفارسي لأن الفرس كانوا يحتلون كل المنطقة وجاء الاستعمار البريطاني بعده ليعزز النزاعات ويشجعها، ويظل الخلاف سياسياً بامتياز، والاسم لا يأتي من فراغ، فالامبراطورية الفارسية كانت تحتل المنطقة حتى قبل الإسلام. والمسألة ليست اسماً فقط، إنه الصراع السياسي الذي بدأ مع المد القومي وبداية تشكيل الكيانات العربية السياسية في الخليج، فقبل خمسينيات القرن الماضي لم تكن هناك دول مجلس التعاون، بل مشيخات تحكمها بريطانيا العظمى وتغيّب عروبتها واستقلالها، اليوم الخلاف الموجود للأسف بنكهة طائفية، فمن يدين بالولاء إلى إيران ومرشدها الديني لا يرى غضاضة في تسميته بالخليج الفارسي، اليوم نحن شعوب لنا حدودنا السياسية واستقلالنا، لنا الحرية في تقرير التسمية التي تناسب تاريخنا، وليس من المهم ماذا كان يسمى سابقا حيث لم تكن لدينا إرادة حرة، اليوم الاسم سواء أردنا أو لم نرد يعبر عن توجهات قومية وسياسية، وعلينا أن نختار ونحدد موقفنا، ولا نعتقد إن دول الخليج ستقاتل من أجل اسم. تاريخيا هو الخليج العربي منذ العهد الروماني، وليس الفارسي ويحق لنا أن نتمسك بهذا الاسم كما يحق لإيران أن تسمي قسمها بما تشاء، واليوم أصبحت المسألة سياسية بامتياز، حيث إيران تصر على إن المنطقة ودول الخليج كلها هي مناطق إيرانية، لأنها كانت تابعة لها ذات يوم، وتصر على الاسم بسبب حلم استعادة الهيمنة الذي لا يزال يدور في مخيلة قادتها، لكنه حلم إبليس بالجنة. aalsaalaam@gmail.com