هذا كتاب ألفه عالم الرياضيات المغربي المعروف وهو ابن البناء العددي المراكشي الذي عاش في النصف الثاني من القرن السابع الهجري وبداية القرن الثامن (654هـ - 721هـ)، وينتمي إلى أسرة كانت لها صلات بالأندلس، وكان أبوه بناء درس بمراكش ثم فاس، ونبغ في مجالات معرفية شتى، علمية وأدبية، قال عنه المقري في كتابه أزهار الرياض في أخبار القاضي عياض، بأنه كان شيخ شيوخ العلماء في عصره. أما الإمام ابن رشيد فقال عنه: لم أجد بالمغرب من العلماء إلا ابن البناء الرياضي بمراكش وابن الشاط بسبتة. انقطع للتدريس بمراكش وكان بشهادة تلاميذه حسن الأسلوب واضح الدرس يميل إلى الدقة والإيجاز، طبع العديد من تلاميذه بطابع طريقته، وله كتب عدة في سائر فروع العلم. نذكر منها: ما يتعلق بعلم الرياضيات، رفع الحجاب عن علم (أعمال) الحساب/ مناهج الطالب لتعديل الكواكب/ رسالة في علم المساحة/ المقالات في الحساب/ رسالة في علم الحساب/مسائل في العدد التام والناقص/ التمهيد والتيسير في قواعد التكسير. وتلخيص أعمال الحساب الذي نستعرض محتواه. ومن تلامذته أجل العلماء بالمغرب في القرن الثامن الهجري، وفي المنزلة الأولى منهم أبو عبد الله الأبلي شيخ المقري وابن خلدون في الرياضيات. واعتنى تلامذته بطريقة شيخهم ونشروا تعاليمه وازدهرت مدرسته، فأقبل العلماء طيلة القرون الموالية على شرح مؤلفاته وتوضيح عديد نظرياته، ونشر طرقه الخاصة بالعمليات التطبيقية في الحساب، وكان من أشهر الشراح: أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن هيدور، له كتاب شرح على تلخيص ابن البناء وتعليقات على رفع الحجاب. والقلصادي القرشي البسطي الأندلسي الذي شرح عمل ابن البناء في الحساب وأضاف إليه عدة إضافات ذات بال خاصة في نظرية الكسور وفي إيجاد الأعداد الناقصة والزائدة والمتحابة. وقد يكون هذا الأخير أول من رسم الكسور في شكلها الحالي، وهو استعمال حرف الجيم للدلالة على الجذر وذالك كان أصل الرمز المستعمل اليوم الجذر التربيعي. وصف التلخيص يلوح التلخيص في الصورة مختصر موضوعه العمليات الحسابية وهو نوع من الأمالي ألقاها ابن البناء على تلاميذه، فشرع المؤلف مباشرة في موضوعه مستعملاً الطريقة التلقينية يخاطب مستمعيه قائلاً: (افرض كذا وكذا يكن عملك هكذا) أو: (إذا عرضت لك مسألة كذا أجر العمل هكذا)... ويعرض ابن البناء عدداً من المسائل يبسط الطريقة العامة في حلها. وأهم ما نشاهد في طريقة ابن البناء أن بسط المسائل يستمر بكيفية متصلة لا رجوع فيه إلى الوراء ولا تعهد لما سبق ذكره، ثم أن المسائل وإن تعددت فهي مختلفة المحتوى متباينة الطرق فكل مشكل جديد يعرض مفهوماً جديداً وأسلوباً طريفاً. ويتقدم ابن البناء من الصورة العامة إلى الصورة الخاصة أو بالعكس، هو يعمم ما كان عرض من الصورة الخاصة، ونحن نلمس من خلال هذا الأسلوب ما اختصت به طريقة ابن البناء من الميل إلى الإيجاز، وقد عاب هذا الأسلوب بعض الكتاب، خاصة من كان يميل منهم إلى الشرح والإطناب على ما يسميه المقري بالطريقة المغربية، أو كما قال ابن خلدون (أن كثرة الاختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم). ويشمل كتاب التلخيص على جزءين، ينقسم الأول إلى ثلاثة أقسام تتفرع إلى ستة أبواب وخمسة أبواب، وينقسم الثاني إلى قسمين يضمان بابين ثم خمسة أبواب، وهذا التصميم التلخيصي في جملته: الجزء الأول: القسم الأول: في أعمال العدد الصحيح الباب الأول: في أقسام العدد ومراتبه الباب الثاني: في الجمع الباب الثالث: في الطرح الباب الرابع: في الضرب وتقريب ملحه الباب الخامس: في القسمة الباب السادس: في الجبر والحط القسم الثاني: في الكسور الباب الأول: في أسماء الكسور وبسطها الباب الثاني: في جمع الكسور وطرحها الباب الثالث: في ضرب الكسور الباب الرابع: في القسمة والتسمية الباب الخامس: في الجبر والحط الباب السادس: في التصريف القسم الثالث: في الجذور الباب الأول: في أخذ جذور العدد الصحيح وجذور الكسور الباب الثاني: في جمع جذور الأعداد وطرحها الباب الثالث: في ضرب جذور الأعداد الباب الرابع: في قسمة جذور الأعداد وتسميتها الجزء الثاني: القسم الأول: في القوانين التي يمكن بها الوصول إلى المجهول المطلوب من المعلوم المفروض. الباب الأول: في العمل بالنسبة الباب الثاني: في العمل بالكفات القسم الثاني: في الجبر والمقابلة الباب الأول: في معاني الجبر والمقابلة وبيان ضروبه الباب الثاني: في العمل بالضروب الستة الباب الثالث: في الجمع والطرح الباب الرابع: في الضرب ومعرفة الأس والاسم الباب الخامس: في القسمة تحليل مادة التلخيص خصص ابن البناء الجزء الأول من التلخيص للعمليات المتعلقة بالأعداد الصحيحة، فنجد في رسالته عين ما نجد في الحساب اليوناني من حدود وتعاريف وعمليات. فعملية الجمع تفضي إلى درس مشاكل التجميع خاصة مجموع الحدود المتوالية العددية ومجموع مربعاتها وكعوبها، وهو يطبق النتيجة المعتبرة المتعلقة بمربع مجموع عددين. ويحلل باب الضرب تحليلاً فيذكر عامة أنواعه من ضرب بالتنقيل وبنصف التنقيل وبالجدول وبالقائم وبالنائم. وعندما يذكر عملية القسمة، يعرض حالات قابلية القسمة التي صارت الآن مألوفة معهودة، ويضيف حالة خاصة به لم يبق لها ذكر اليوم، وهي قابلية القسمة على 7 يركزها على قاعدة تمهيدية، وهي أن بواقي قسمة قوى العشرة على 7 هي: 1 و3 و2 و6 و4 و5، ثم يعود الدور والقاعدة الثانية الأساسية، وهي ما يمكن أن نسميها نظرية ابن البناء وأن نعبر عنها بالعلاقة العصرية. أما في القسم الثاني من الجزء الأول، فإنه يدقق مفهوم الكسر، فنلاحظ أن الكسر في نظره هو دائماً أصغر من الواحد أو مساوي له. ويقسم الكسور إلى خمسة أنواع: الكسر المفرد والمنتسب والمختلف والمبعض والمستثنى. ويخصص القسم الثالث لحساب الجذور فيلفت النظر إلى عدة عمليات تسهل العمل في الجدور، منها إخراج جدر المربع الصحيح، وضرب الكميات المتصلة بالمنفصلة للحصول على عدد مجدور، ثم يبسط عملية التجدير الصحيح أو المقرب فينقل لنا علاقة عرفها اليونان من قلبه. أما الجزء الثاني فيشتمل على ما للنسبة والمناسبة من خصائص أساسية، فيطبقها ابن البناء على مشاكل التقسيم التناسبي، ولا يخفى ما لهذه المسائل من الأهمية في باب الفرائض. وفي التلخيص عرض واضح شامل لمسائل العمل الكفات، وهي من الصناعة الهندسية وصورتها أن تصور ميزاناً. ومما تقدم يمكننا أن ننسب إلى ابن البناء الكثير مما لاحظه (يوشكفتش) في تقريره للمؤتمر الدولي الثامن لتاريخ العلوم سنة 1956م ذاكراً تطور الرياضيات على يد العرب وما أنتجوه من محصول خاص، فقال: (إن من ألمع ما أنتجه الحساب العربي خلق النظام العشري آحاداً أو كسوراً أو ضبط الطرق للتجدير مهما كان الأس وتدقيق الترتيب: ولأول مرة ظهر الجبر وحساب المثلثات في العلوم العربية). لما كان له من الأهمية من الناحية العلمية. لقد ترجم كتاب تلخيص أعمال الحساب إلى لغات عدة وتوجد نسخه المخطوطة في مكتبات عالمية معروفة.