رفعت جماعة الإخوان المسلمين من سقف وعيدها للنظام المصري، ردا على قرار قضائي يمهد لإعدام الرئيس الأسبق محمد مرسي. ودعت الجماعة أنصارها للتظاهر أمس، ردا على القرار، لكن «الفجوة بين ما تعلنه الجماعة وما تستطيع إنجازه على الأرض» تفسر فشل الإخوان في الحشد أمس، بحسب مراقبين، وسط مخاوف من أن يمر عبر هذه «الفجوة» مزيد من كوادرها باتجاه الانخراط في تنظيمات مسلحة. وأحالت محكمة جنايات القاهرة أوراق مرسي، وقيادات رئيسية في الجماعة إلى مفتي البلاد في خطوة إجرائية، تمهد لإصدار حكم بإعدامهم في قضية «الهروب من سجن وادي النطرون»، إبان ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. ومن المقرر أن يصدر الحكم مطلع الشهر المقبل. وفور صدور قرار الإحالة إلى المفتي السبت الماضي، توالت بيانات جماعة الإخوان التي توعدت بـ«ثورة جديدة في الميادين»، حددت لها الثلاثاء كبداية، لكن مرسي الذي ظهر في قفص اتهام قضية «التخابر من قطر» أمس، بدا أكثر عصبية بحسب شهود عيان، من دون أن تصل إليه أنباء عن تحرك أنصاره في الميادين. ومنذ عزل مرسي بعد مظاهرات حاشدة في يوليو (تموز) 2013، واجهت جماعة الإخوان واحدة من أعنف المواجهات التي خاضتها ضد السلطات طوال تاريخها الممتد لأكثر من 80 عاما. يفسر الباحث أحمد بان المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية أسباب فشل الدعوة لما عده «فجوة بين ما تعلنه الجماعة وما تستطيع تحقيقه على أرض الواقع»، ويشير بان الذي كان عضوا في جماعة الإخوان إلى أن قادة الجماعة يرغبون في إثبات الوجود لكن بذهنية مرهقة وحائرة بين خيارات التصعيد والمخاطرة بالبقاء في إطار معادلة صفرية، وبين فتح حوار مع السلطات القائمة. وقبل يومين من إصدار قرار إحالة مرسي إلى المفتي، أعلن القيادي في الجماعة جمال حشمت من خارج البلاد قبول جماعة الإخوان بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة مشترطة عودة مرسي للدعوة إلى هذه الانتخابات. وحملت المظاهرات التي انطلقت في 30 يونيو (حزيران) الصيف قبل الماضي شعار إجراء انتخابات رئاسية بعد عام من حكم مرسي، لكن الجماعة رفضت حينها التعاطي مع هذا المطلب، وأصر مرسي على استكمال دورته موحيا أنه مطمئن لفوزه بفترة جديدة. ومرت دعوة حشمت من دون أن تثير حتى سخرية خصوم الإخوان، لكنها ووجهت بانتقادات حادة من أعضاء وأنصار الجماعة التي عدوها مؤشرا على التراجع عن الثوابت المعلنة من عزل مرسي. وباستثناء مسيرات ليلية نظمها أنصار الجماعة أول من أمس، في عدة قرى ومراكز تشهد حضورا لكوادرهم، لم تنجح الجماعة في إنتاج مشهد يذكر. وتتجنب الجماعة منذ إحياء الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير الماضي الدخول في صدام مباشر مع قوات الأمن. وخلال العامين الماضيين سقط مئات القتلى في مواجهات دامية. وبدأت السلطات الأمنية منذ مارس (آذار) الماضي استهداف قادة الصف الثاني في جماعة الإخوان التي قالت إنها نجحت في إعادة بناء هياكلها وإجراء انتخابات داخلية على المستويين القاعدي وفي مركز القيادة داخل البلاد وخارجها. وقالت وزارة الداخلية المصرية أمس إنها ألقت القبض على 88 من القيادات الوسطى للإخوان من أعضاء «اللجان النوعية للجماعة» بمحافظات القاهرة والإسكندرية والبحيرة والشرقية وأسيوط، في إطار الجهود الأمنية لإجهاض مخططات وتحركات أعضاء تلك اللجان. ويشكك بان في تماسك البنية التنظيمية للإخوان، قائلا لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم تعرض لضربات موجعة ويكاد يكون ممزقا، لكن هذا لا يمنع من أن القرارات تصدر من الداخل، الإشكالية تكمن في أن هؤلاء القادة ممزقون بين خيارات الواقع والاستلاب للقواعد التي تبحث عن الثأر». ويحذر بان من أن الفجوة بين قدرات الإخوان وما ينجزونه على الأرض تسمح بمرور مزيد من كوادرها باتجاه الانخراط في تنظيمات مسلحة. ويتفق الدكتور كمال حبيب الخبير في شؤون الجماعات الراديكالية مع ما ذهب إليه بان، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «شباب الإخوان لم يعد مقتنعا بفكرة السلمية.. وشعار (سلميتنا أقوى من الرصاص) تراجع لحساب شعار (سلميتنا ما دون الرصاص).. وبتنا الآن نسمع شباب الإخوان يتبنون مصطلحات متشددة من قبيل (دفع الصائل) والتي لم تكن ضمن أدبيات الإخوان». ولم يستبعد حبيب وهو قيادي سابق في جماعة الجهاد أن تكون كوادر إخوانية انضمت بالفعل إلى حركات وتنظيمات صغيرة تنتهج العنف، منها «حركة المقاومة الشعبية»، و«العقاب الثوري»، وهي تنظيمات قامت بعمليات انتقامية ضد مؤسسات اقتصادية تدعم النظام القائم. وحذر حبيب من غياب رؤية استراتيجية للتعامل مع الأزمة السياسية الراهنة سواء لدى جماعة الإخوان أو السلطات الحالية.