×
محافظة المدينة المنورة

الرئيس السوداني يزور المسجد النبوي

صورة الخبر

من النادر على صعيد الحراك الجيوسياسي أن تشهد قضية تتعلق بمكافحة الاحتكارات كتلك القضية التي أثارتها بروكسل ضد شركة نفط غازبروم الروسية. فقد وجه الاتحاد الأوروبي للشركة تهمة تجاوزات تتعلق بالتنافسية أتاحت لها فرض أسعار غير عادلة في العديد من الدول الأعضاء. وقبل عام وقف غانتر أوتنغر، المفوض الأوروبي المسؤول عن قطاع الطاقة في المفوضية الأوروبية أمام حشد من رجال الإعلام في بولندا ليشجب بأقسى العبارات ما أسماه لعبة فرق تسد التي تمارسها موسكو والتي لا يمكن قبولها في الحاضر ولا في المستقبل. واضاف أن هدف بركسيل هو توحيد سعر الغاز في السوق الأوروبية الموحدة. لكننا نقول إن السوق الأوروبية الموحدة غير موجودة أصلاً فكيف يمكن توحيد سعر الغاز. وتقول المفوضية إن القيود التي عثرت عليها في بعض العقود والتي تفرضها غازبروم على إعادة بيع الغاز في دول وسط القارة، تخالف قوانين الاتحاد الأوروبي. لكن المفوضية لا تبين لنا سبب عدم انتشار المنافسة في تلك الدول. وعندما قررت المفوضية الأوروبية لأول مرة إحداث الثورة في سوق الغاز الأوروبي في تسعينات القرن الماضي، أعدت نسخة طبق الأصل من القانون البريطاني ووزعتها على الدول الأعضاء في الاتحاد وطلبت من كل دولة عضو إنشاء شركات خاصة بشبكات خطوط الأنابيب تنظم عملها هيئات تنظيم وطنية ممولة من جيوب مستهلكي الغاز من مواطني كل دولة. ولم تنتبه المفوضية إلى أن تعدد منتجي الغاز في بحر الشمال يوفر بيئة تنافسية جيدة في بريطانيا، أما في الاتحاد الأوروبي الذي اعتمد نفس القانون فلا توجد المنافسة إلا في القانون المستورد من بريطانيا. وما تحتاج إليه أوروبا هو سوق غاز أممي يشمل كافة الدول الأعضاء بخدمات النقل والتوزيع عبر الحدود وهو ما يضمن ثلاثة أشياء رئيسية أولها حسن استغلال شبكات خطوط الأنابيب المترامية الأطراف، ويكشف عن طبيعة مشاريع البنى الأساسية المطلوبة، ويتيح للمستثمرين من القطاع الخاص المساهمة في بناء تلك المشاريع. ومثل هذا النظام قائم في الولايات المتحدة وكان حسن التخطيط والتنظيم كفيل بأن يوجد مثله في أوروبا. لكن ما هو قائم لا يعدو كونه عدداً من هيئات التنظيم المبعثرة ومشاريع شبكات الأنابيب الفردية وكل ذلك لا يصب في مصلحة سوق غاز أوروبي موحد. والاستثناء الوحيد هو دول شمال غرب القارة حيث تم تطوير سوق غاز متكامل. كان السبب الرئيسي في هذا الإنجاز هو وجود منشآت تخزين ومعالجة الغاز الطبيعي المسال في عدد من دول المنطقة ووجود شبكة خطوط أنابيب بين بريطانيا وبلجيكا تم إنشاؤها خارج إطار قوانين الاتحاد الأوروبي. والنتيجة أنه كلما تعرضت أسعار الغاز للتذبذب على خلفية العلاقة مع روسيا منذ عام 2008، يبدأ الهجوم والضغط على شركة غازبروم لتعديل صيغ أسعارها في دول شمال غرب القارة وغالباً ما كانت تستجيب. أما تكرار النموذج نفسه في دول وسط وشرق القارة فلا علاقة له بصيغ أسعار غازبروم ولا بأسلوب عملها، بل هو رهن بالقوانين الأوروبية التي تجعل نقل الغاز إلى مسافات بعيدة أقرب إلى المستحيل، ورهن بتوفير مشاريع البنى الأساسية المطلوبة وبصعوبة تمويل مشاريع خطوط الأنابيب عبر دول المنطقة. ولو طلب منها اتخاذ القرار فوراً لما وافقت المفوضية الأوروبية على مد خطوط الغاز البريطاني إلى وسط القارة وشرقها كما أنها لا توفر البديل العملي لحل المشكلة. ولا تستفيد غازبروم في الواقع من سوق الغاز في وسط وشرق القارة إلا رهاناً على قدرتها على المنافسة في غياب المنافسين هناك. أما صيغ أسعارها فلا بد أن تستغل الخلل الذي يعانيه القطاع في أوروبا. وعندما وقعت بولندا اتفاقاً لشراء الغاز من قطر وافقت على شروط هي الأصعب في العالم رغم أن الشركات البريطانية تشتري نفس الغاز من شركات بحر الشمال بأسعار أقل. والسبب الرئيسي لعدم اتهام غازبروم وسط وشرق القارة بتجاوز قوانين المنافسة ليس لأنها تتمتع بالنزاهة المثالية بل لأن سياسة الغاز في المفوضية الأوروبية غير نافذة هناك. وتعتقد المفوضية أنه طالما أنها اعلنت عن وجود سوق موحدة فينبغي على الشركات الالتزام بقوانين تلك السوق. وهذا وهم. ولا بد ان تكف المفوضية عن تعليق فشلها على شماعة الآخرين. *زميل في معهد دراسات الطاقة في سنغافورة