أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس المسلمين بتقوى الله عز وجل والاعتبار بانقطاع الأعمار وانمحاء الآثار . وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها اليوم : أيها المسلمون هذا الزمان المضطرم بتباريح الماديات ومفدحاتها وانغماس النفوس في سجف الغفلة واعتلالاتها وانجفالها عن الآيات الواعظات واشراقاتها تشرئب النفس السوية للتذكير بعبر من القول صادعة وموقظات من الحق رادعة ومن ذلكم يا رعاكم الله أية تعاقب الشهور والأعوام وتصرم الساعات والأيام واخترام الأعمار والآجال دون بلوغ الرغائب والآمال . وأضاف قائلاً : ها انتم أولئك تودعون عاما انقضت منه الأيام والشهور وغداً في أفول ودحور قد جفت فيه الصحف والأقلام والله أعلم بما كان فيه من صالح الأعمال أو الآثام فهنيئاً لمن أحسن واستقام ووأسفاه لمن أساء واحتقب السوء والإجرام . وأكد فضيلته أن العمر لامحالة إلى أفول ودثور وانقطاع وغبور محذراً من الركون لدار الزيف والغرور . وتساءل فضيلته قائلاً : كم هو عجيب حال الإنسان يؤمن بالموت ثم ينساه ويوقن بالتفريط ويغشاه كم يغتر بالصحة والعافية ويغفل عن مثلات لا تزال أمامه باقية يعتلق دنيا قلعة قصيرة ذات غير مريرة شهدها مشفوع بابر النحل ورطبها مسحوب بسلاء النخل وابن أدم المغرور لا يزال لها جمعاً ومنعاً ولا يطيع فيها ناصحاً قبولاً ولا سمعاً . وأشار الدكتور السديس إلى أن السعيد من أدخر من دنياه لنفسه وعمل صالحاً في يومه وأمسه وأستعد لحسابه ورمسه وخشي أهوال يوم القيامة ودنو شمسه , داعياً جموع المسلمين للتوبة إلى الله توبة نصوحة صادقة ومحاسبة أنفسهم قبل أن يحاسبوا وأن يزنوا أعمالهم قبل أن توزن لهم . وقال : مع اشراقة فجر العام الجديد ومع ما تكابده أمتنا من التفرق وما تسام به من بأس من الظالمين وما يتعرض له إخوتنا من بطش وتربص من الأعداء لزم التأكيد على أنه لا عزة ولا نصر ولا تمكين للأمة إلا بالتمسك بعقيدتها واستنهاض كل القيم الأخلاقية التي أمر الله بها . وأوضح أنه مع كل التحديات المعاصرة فإنه يجب على أمتنا تحمل مسؤولياتها الدينية والتاريخية تجاه عز دينها وأمن بلادها وتعزيز وحدة صفها واجتماع كلمتها والتعامل مع غيرها بالحكمة والتسامح ولا غلو ولا جفاء ولا تجبر ولا رفض للغير مطلقاً بل النظر في مصالح الأمة وحقوق الإنسان والشعوب وتجنيبها ويلات الفتن والحروب وإحقاق الحق وإرساء العدل وصون الحريات وحقن الدماء والحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي ليتحقق الأمن والسلم العالمي وحتى لا يفقد العالم أمله في السلام وثقته في المنظمات والهيئات الدولية . وبين إمام وخطيب المسجد الحرام أن من الأحداث التاريخية الخالدة الزاخرة بالعبر حدث الهجرة النبوية المباركة , وقال : إنه لحدث لو تعلمون عظيم جلل ونموذج فذ في صناعة التفاؤل والأمل , الأمل في نصر الله وإن طال أمده والتمكين وإن اشتد المتربص في عداه , والأمل في إندحار الطغيان وإن أصم صداه , والأمل في المستقبل المشرق للإسلام , وإن تأخر فجره وضحاه ونوره وسناه . وفي المدينة المنورة أوصى إمام وخطيب المسجد النبوي فضيلة الشيخ حسين آل الشيخ المسلمين بتقوى الله عز وجل , مشيراً إلى أن من اتقاه جعل له من كل ضيق مخرجاً . وقال في خطبة الجمعة اليوم "أيها المسلمون تتعاقب الأعوام وتتوالى الشهور والأعمار تطوى والآجال تقضى وكل شيء عنده بأجل مسمى ,وأن في استقبال عام وتوديع آخر فرص للمتأملين ومواعظ للمتعظين ,الموفق السعيد من يتخذ من صفحات الدهر وانطوائه وقفات للمحاسبة الجادة ولحظات للمراجعة الصادقة , والمؤمن في حاجة ماسة في كل وقت لمحاسبة نفسه وتقييم مساره . وأوضح فضيلته أن الفوز والنجاة في محاسبة المؤمن النفس بنهيها عن الآثام وبزجرها عن الإجرام وبسوقها إلى موارد الخير وموارد البر , مستشهداً بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) . وبين أن في سير السلف الصالح تذكير ووصايا بمحاسبة النفس ومعاهدتها في كل وقت وحين . وقال فضيلته : تذكر أخي المسلم وأنت تودع عاماً وتستقبل آخر أن نجاتك في محاسبة نفسك وأن فوزك في معاهدة ذاتك ,تلك المحاسبة التي تكفك عن الملاهي وعن السيئات وتسوقك إلى فعل الأوامر والمسارعة إلى الطاعات ,ولا تكن أخي المسلم ممن يرجو الآخرة بغير العمل ويؤخر التوبة بطول الأمل , مستشهداً بقوله قال تعالى ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ? وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) , حاثاً المسلم على عدم تضييع الأعوام والأعمال سدى وتفويت السنوات غثا . وبين فضيلته أن في انصهار عام وحلول آخر هو تذكير بأن هذه الدنيا لاتبقى على حال وعلى المسلمين أن يقفوا ويتذكروا أن العام الماضي قد مر على المسلمين وهم في محن عظمى ومصائب كبرى , متسائلاً هل يتعقل المسلمون أن الآمن والأمان مرهون بالتمسك بالإسلام والالتزام بحقائق القرآن والاعتصام بحبل الرحمن, وأن الأمة لن تحصل قوة ولن تبلغ مجداً ومكانة مرموقة حتى يتحقق في واقعها حياتها العمل الكامل الصادق الشامل بالإسلام عقيدة وشريعة علماً وعملاً حكماً وتحاكماً . ودعا إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف المسلمون إلى التحلي بالإيمان بالله ورسوله والتوكل على الله جل وعلا والاعتماد عليه وحده والالتجاء إلى جنابه والتسلح بسلاح العقيدة الربانية فذلك الضمان الأوحد لاستقامة الأفراد واستقرار المجتمعات .