لأنه شريان الحياة الرئيسي في الكويت، فإن العبث به هو في الحقيقة عبث بمصير الكويت وكيانها. ونقصد به القطاع النفطي الذي يعيش اليوم ظروفا عصيبة لم يمر بها في تاريخه، منذ أن بُدِئ التنقيب عنه حتى اليوم، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي. ولأن إدخاله في دوامة صراعات سياسية، لعب بالنار التي ستحرق البلد قبل أن تحرق من يلعب به، فالمطلوب تدخل القيادة لوقف هذه المماحكات، سواء الحكومية- الحكومية، أو الحكومية- النقابية، أو الحكومية- النيابية، وإرجاع القطاع إلى ما قبل الوضع الذي يعيشه اليوم. وفي التفصيل لما يعانيه القطاع النفطي، فعلى المستوى المحلي، نجد جبهتين فتح الصراع فيهما بشكل كبير، أولاهما تتمثل في ضم القطاع النفطي إلى ما يعرف بـ«البديل الاستراتيجي» الخاص برواتب موظفي الدولة والبدلات والكوادر والمكافآت، وهو ما لم يكن مطروحا من قبل، الأمر الذي أثار حفيظة العاملين في القطاع ونقاباتهم التي حذرت الحكومة من هذه الخطوة لانعكاساتها الخطيرة على واقع القطاع، وأهمها هجرة الكفاءات بعدما تتوحد مزاياها مع مزايا أي قطاع في الدولة، وهي التي تبذل جهودا مضاعفة عن أي قطاع آخر، وبالتالي فإن توحيد رواتب العاملين فيه مع القطاعات والوزارات الأخرى يعني سحب الميزة الأساسية الجاذبة لتلك الكفاءات، وكأن في الأمر تعمداً لـ«تطفيش» العناصر الوطنية المؤهلة من هذا القطاع الحيوي لمصلحة العمالة الوافدة التي لا تكلف الحكومة أجوراً كبيرة. وفي الجبهة الثانية تبرز توجهات وزير النفط الدكتور علي العمير، في تغيير قيادات مؤسسة البترول الكويتية، وهي الخطوة التي أثارت جدلاً كبيراً وخلافاً، ففي حين رآها نواب ومراقبون «قرارات انتخابية» تهدف لكسب قاعدته الانتخابية، لاسيما أنه وزير منتخب بالأساس في مجلس الأمة، وأنها عبث بالقطاع، رآها نواب آخرون «إصلاحية تضخ دماء جديدة وتشكل منعطفاً إيجابياً لاستقطاب الكفاءات الوطنية»، ما يعني ذلك التناقض دخول القطاع النفطي في دوامة المماحكات السياسية والصراعات النيابية والحكومية، وهو ما سينعكس سلباً بلا شك على العمل النفطي، لاسيما مع هذا الانقسام الواضح في الصف النيابي بين مؤيد ومعارض. أما حكوميا فقد رأينا التناقض جليا في السياسة الحكومية تجاه هذه الملف، ففي حين أصر الوزير العمير على المضي في قراره تغيير قيادات مؤسسة البترول، مؤكدا «سأثبت صحة قراراتي» يأتي تصريح وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ محمد العبدالله الذي يقول فيه إنه «لا شيء رسميا حتى الآن في شأن مؤسسة البترول»، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن كل وزير يعمل في وزارته بمفرده ومن دون أي توجه جماعي في العمل، أي أن الوزير العمير تفرد في قرار تغيير قيادات «البترول» دون الرجوع إلى مجلس الوزراء أو حتى إخباره بقراره! إقليمياً رأينا الخلاف الكويتي-السعودي حول إنتاج حقلي الوفرة والخفجي، وتوقف العمل فيهما، ما جعل الكويت تتكبد خسائر يومية قيمتها 15 مليون دينار، وبحسبة بسيطة فإن استمرار الخلاف وتوقف الإنتاج ستكون انعكاساته على البلاد خسارة سنوية تبلغ 5.5 مليار دولار، فمن يتحمل مسؤولية هذه الخسارة ؟ ولعل ما يزيد المرارة في الملف عدم شفافية وزارة النفط في قضية الوقف، ففي البداية أعلنت أن حقل الخفجي أغلق لأسباب بيئية، ثم رجعت وقالت إنه أغلق للصيانة، وهو في الحقيقة أغلق لأسباب سياسية، وكان الأجدر بالوزارة وضع القيادة السياسية في صورة الوضع منذ البداية، حتى يتم التنسيق والتخاطب مع الأشقاء في السعودية الذين لن يقصروا في التعاون، فالأمر مهم بالنسبة إليهم كما هو بالنسبة لنا، وفي الوقت نفسه هم حريصون على مصلحة الكويت حرصهم على مصلحة بلادهم. خلاصة القول إن ملف القطاع النفطي يحتاج تدخلاً عالي المستوى لإعادة قطاره إلى سكته الصحيحة بعدما انحرف عنها، وهو ما نتوقعه ونثق بقيادتنا وحكمتها في التعاطي معه. h.alasidan@hotmail.com @Dr_alasidan