القاهرة الخليج: قبل أكثر من خمسين عاماً كان صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة، زميلاً عزيزاً في كلية الزراعة، جامعة القاهرة، بعد أن جذب انتباهنا جميعاً بحبه الفائق لمصر، وولعه الشديد بالرئيس الراحل جمال عبد الناصر، هكذا يبدأ الكاتب مرسي عطا الله، رئيس مجلس إدارة الأهرام الأسبق، مقاله الذي يرحب فيه وصاحب السمو حاكم الشارقة، زائراً للقاهرة لافتتاح دار الوثائق. يوضح عطا الله من خلال مقاله تطورات إنشاء مكتبة علمية حديثة، تليق بكلية الزراعة كأهم وأقدم كلية في الوطن العربي في هذا المجال، وكان عميد الكلية آنذاك هو العالم الكبير الدكتور أحمد مستجير وقد اقترح عطا الله عليه بأن يقوم بهذه المهمة صاحب السمو الذي كان زميلاً لنا في الكلية في حقبة الستينات، ولأنه محب لمصر، وممتن للكلية، التي درس فيها، فلا أظن أنه سيتردد للحظة في الاستجابة لهذا المطلب. الواقع أن هناك في تاريخ مصر ما يعرف بدفعة كلية الزراعة، وهي الدفعة التي ينتمي إليها سموه، وخرجت لمصر والوطن العربي عدداً من النابغين في مختلف المجالات، من الثقافة والفنون إلى العلوم، وكانت نظرة مرسي عطا الله في محلها، فقد استجاب صاحب السمو حاكم الشارقة للدعوة، وبات لكلية الزراعة مكتبة تليق بها، وقد أنشئت على يدي أحد ألمع خريجيها، كما وصفه عطا الله، ربما كان هذا المناخ الصحي هو ما دفع سموه إلى أنصع وجوه ذلك الجيل موهبة. المكتبة التي أنشئت عام 1912 تم إعادة افتتاحها رسمياً في مايو/أيار 2001 بعد تحديثها وتطويرها على يدي صاحب السمو حاكم الشارقة، تقديراً منه للبحث العلمي وأهمية العلوم الزراعية في الحياة الإنسانية، وقد أقيمت على الطراز العربي، الذي دعم تصميمه أيضاً سموه لتصبح مصدراً للمعارف الزراعية. يضم المبنى أربع قاعات رئيسية للاطلاع، خصصت للكتب الأجنبية والعربية والرسائل الجامعية، إضافة إلى قاعة مخصصة للوسائط المتعددة لتدعيم المكتبة الإلكترونية، كما يضم مبنى المكتبة قاعة كبيرة للمؤتمرات وأخرى للندوات، بجانب قاعة لاجتماعات مجلس أمناء المكتبة، الذي يضم نخبة من المثقفين. المكتبة مزودة بنظم كشف إنذار وإطفاء الحريق، وشبكة حاسب آلي ضخمة، وعلى أرففها ما يقرب من 5 آلاف كتاب باللغة العربية و35 ألف كتاب بلغات أجنبية، ونحو 4 آلاف رسالة ماجستير ودكتوراه، إضافة إلى الدوريات العربية والأجنبية، وهي توفر كل الدراسات والمراجع العلمية للباحثين وطلاب الدراسات العليا، وتسهل الوصول إلى كل أشكال المعرفة الزراعية، كما أنها توفر عناصر المعرفة الشاملة للباحثين في العلوم الزراعية، بالتواصل مع الطلاب العرب. وتلعب المكتبة دوراً كبيراً في التواصل بين الأساتذة في مصر والجامعات العربية، من خلال استغلال شبكة الإنترنت، في تبادل المناهج والدراسات الزراعية، لتحقق المكتبة ما عجزت عن تحقيقه مؤسسات أخرى، فهي تقدم دوراً تكاملياً في المجال العلمي. يذكر د. محمد النقيتي، أحد أساتذة الكلية، أنه يدين بالشكر إلى صاحب السمو حاكم الشارقة، موضحاً أن سموه كان حريصاً على معرفة ما تحتاج إليه المكتبة من مراجع ومصادر، لتكون في خدمة الدارسين، ما يعكس حرصه على أن تضم أحدث المراجع والمصادر العلمية، فضلاً عن حرصه على إعداد التصميم الرائع لها، وكان يرعاه ويدعمه، بجانب تكفله بتزويد المكتبة بأحدث الدوريات العلمية والموسوعات، التي كان يصعب شراؤها في الماضي، لولا الدعم الكبير الذي قدمه صاحب السمو حاكم الشارقة، وهو الدعم الذي لم ينقطع حتى بعد إعداد المكتبة وتطويرها، حتى وصلت إلى مرحلة تسد فيها جانباً كبيراً من المعرفة الزراعية، التي كانت مفتقدة في المكتبة القديمة. يشير الدكتور عبدالله التطاوي إلى أن سموه ظل على صلة وثيقة بكلية الزراعة التي تخرج فيها، ولم ينسَ دورها في تكوينه العلمي والإنساني، فآثرها بمكتبة متميزة ومعامل وتجهيزات ومبانٍ متعددة، ويتواصل عطاء صاحب السمو حاكم الشارقة عبر زياراته لمصر لأداء عدد من المهام، وهي موزعة بين إنشاء كلية تكنولوجية هنا أو افتتاح مؤسسة ثقافية هناك، وكلها ترحب به بقدر انتمائه إليها، معتزة برصيد وفائه لها.