لكل (ربيعه) في عالمنا العربي. وفي ربيع جديد اهتمت تقارير صحافية مدبجة وردود فعل شعبية عارمة بما تلبسه المطربة أليسا وزميلتها دنيا سمير غانم في برنامج (إكس فاكتور) الغنائي. يدقق أهل هذا الربيع جيدا فيما تحت ملابس (الحريم) من اللحم والشحم ثم يخرجون باعتراضات واحتجاجات كبرى على هذه الأفعال المثيرة وغير المسؤولة. ما اكتشفته صدفة أن من يطاردون ملابس المطربات والممثلات، وما تلبسه النساء عموما، أكثر بكثير ممن يلاحقون الهموم العليا للأوطان العربية البائسة والواقعة في شرور الفتن والطائفيات والتقاتل المجاني اليومي. لا تجد ــ مثلا ــ هذه السرعة وهذه الحدة في ردود الفعل أو تسجيل مواقف حامية من معرفة أن (داعش) الإرهابية قتلت أمس بالسواطير عشرات من السكان المسالمين في مدينة الرمادي العراقية. أو تجد ذات المواقف نتيجة للعلم بأن ملايين اللاجئين السوريين يموتون جوعا وعطشا وعراء. ولن تجد ــ ولو حرصت ــ من يصرخ صرخة حقيقية ليعلن موقفا من تخيير إسرائيل للفلسطينيين بين أفريقيا أو السجون. وإذا كان هذا وغيره مشاهدا على المستوى العربي العام، فإن ملابس أليسا ودنيا وما يشف منهما أهم وأعظم من اكتشاف أن طلبة صف أولى إعدادي في أي بلد عربي لا يعرفون القراءة والكتابة. وأن خطأ طبيا أودى بحياة مواطن ذهب للطبيب لإزالة الزائدة الدودية، أو أن مواطنا آخر مات وهو ينتظر سريرا في المستشفى العام الذي يفيض المرضى عن سعته. فضلا عن الانتباه لحال مواطنين معدمين لا يجدون من الطعام ما يسد رمقهم. ابتلي الإنسان العربي، نتيجة لكثرة النفخ في الصغائر، بدنو الهمة ورفع قدر التفاهات إلى أن تحولت في نظره إلى كبائر تهدد كيان الأمة ومصيرها. مجالس كبيرة تعقد ومقالات مطولة تكتب وأوقات لا حصر لها تضيع هدرا؛ لأن فستان هذه لم يغط كتفها، وأن تلك لبست (شورت)، وأن الأمة إلى زوال؛ لأن امرأة لم تغط رأسها، أو لم تهتم بمصير هذه الأمة وهي تكحل عينيها الفاتنتين. وهذا ــ بطبيعة الحال ــ من نتائج الإفلاس المؤكدة. حين لا يجد الناس أمامهم، صباح مساء، سوى النساء وما يغطين ويكشفن من ؤوسهن وأجسادهن، فلا تتوقع منهم علو الهمة أو خوض ربيع تنموي وحضاري حقيقي. هم مشغولون بربيع دائم، يبدأ من المرأة وينتهي بها. ربيع تهون دونه كل (الرباع)!!.