حين وصل أوباما إلى الرياض معزياً في وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-، سمع من الملك سلمان ترحيباً باتفاق نووي مع إيران يمنع بالنتيجة امتلاك إيران سلاحاً نووياً، ويبدو أن هذا التصريح لم يوضح لأوباما أن مشكلة الخليجيين الرئيسة مع أوباما هي في زراعة الفوضى ودعم الميليشيات وتأجيج الطائفية في مناطق عدة، إضافة إلى السعي إلى سلاح نووي يبدو واضحاً من سيكون المستهدَف به. رفع العقوبات -في حد ذاته- ليس مشكلة لدى الخليجيين، فخلال 12 عاماً من العقوبات على إيران لم يؤثر ذلك في القدرات العبثية لإيران، وإنما كان المتضرر الأول هو الشعب الإيراني، في وضع يشابه حال العراق إبان العقوبات التي فرضت على العراق بعد غزو الكويت، والتي تضرر منها الشعب العراقي وحده. الملك سلمان في اتصال هاتفي مع الرئيس أوباما بعد توقيع الاتفاق الإطاري «أعرب عن أمله في أن يتم التوصل إلى اتفاق نهائي ملزم بشأن ملف إيران النووي، يؤدي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة»، وهذا يؤكد حرص المملكة على حلول سياسية لمشكلات المنطقة، ولكن ما حدث عبر «عاصفة الحزم» من استخدام للأداة العسكرية للوصول إلى حل سياسي متزن في اليمن، أربك موقف المفاوضَيْن الأميركي والإيراني معاً. الإرباك من ناحية إيرانية مرده عدم إدراك لفائض القوة لدى الخليجيين، فلدى دول الخليج فائض قوة عسكري، ولاسيما على مستوى القوة الجوية، والتي شاركت في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، ثم في «عاصفة الحزم»، إضافة إلى فائض قوة سياسية، أهمها علاقتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة مهما كانت الخلافات، ووجود حلفاء لديهم رؤية مشتركة حول ملفات عدة، ويأتي على رأسهم فرنسا، إضافة إلى فائض قوة اقتصادية. الإرباك من ناحية أميركية يأتي بعد انكفاء للدور السعودي بعد 11 سبتمبر، ثم سقوط النظام العراقي، ومن ثم توجه إيران لملء هذا الفراغ، إضافة إلى تحول سورية بشار إلى نظام تابع لإيران، بعد أن كانت سورية حافظ حليفة لإيران، ولكن «الربيع العربي» كان بداية استعادة هذا الدور السعودي إقليمياً، هذا الدور كان واضحاً في الدعم السياسي للنظام المصري بعد «30 يونيو»، والتدخل العسكري عبر قوات «درع الجزيرة» في البحرين. الولايات المتحدة لم تملك إلا تأييد «عاصفة الحزم»، على رغم أن عدم التنسيق معها فيه عدم احترام للقطب الأوحد، ولكن يأتي تأييد الولايات المتحدة ثم تمرير القرار 2216 للإدارة السياسية للمعركة العسكرية في اليمن، ويأتي ذلك عبر القيام بعملية «عاصفة الحزم» ضمن تحالف عربي وليس بشكل منفرد، إضافة إلى تحييد عمان والجزائر وعدم اعتراضهما على العملية، إلى جانب دعوة الرئيس الشرعي «عبدربه منصور هادي» المجتمع الدولي إلى التدخل وحماية الشرعية، كما أن نقل صواريخ إلى مناطق حدودية مع المملكة، أشار إلى تهديد حقيقي لأمن المملكة، وأخيراً سعي الحوثيين للسيطرة على مضيق باب المندب، والذي سيؤثر بالنتيجة في الملاحة الدولية. أوباما الذي يسعى لتخليد اسمه في التاريخ كرئيس قاد الانفتاح مع إيران، في خطوة تشابه ما نجح فيه نيكسون عبر الانفتاح على الصين، كان منذ بداية فترته الأولى يسعى لشطب مرحلة بوش الابن، التي ارتبطت بالتدخل العسكري، ولهذا قام بسحب الجنود من العراق في 2011، وسعى إلى سحب الجنود من أفغانستان ولم ينجح بعدُ. اليوم بعد النجاح في إعادة العلاقات مع كوبا، يبدو حريصاً على إنهاء الاتفاق النووي هذا العام. أوباما يعتقد بأن كل اتفاق له ثمن، ويعتقد كذلك أن هناك أفضل اتفاق «متاح»، ومن ثم وضع رقابة مباشرة على أجهزة الطرد المركزي وخفض عددها ومنع إيران من تخصيب يتجاوز 3.6 في المئة. ثمن رفع العقوبات هو ثمن عادل تستحقه إيران إن التزمت، ولكن الثمن الذي سعت إليه هو (رفع العقوبات +4) أي السيطرة على أربع عواصم عربية، والأخطر السيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب. هذا هو ما سعت إليه دول الخليج عبر «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل»، وهو فصل اليمن عن المفاوضات النووية؛ سعياً لحل سياسي لا يتغول عليه الحوثي وصالح بسلاحهما، وهذا الأمر يتشكل أيضاً في سورية اليوم، عبر حل سياسي يوقف المأساة السورية عبر إخراج بشار الأسد من المشهد.